من إيجابيات سنة الفأل وحسن الظن بالله في مواجهة المصاعب، اليقينُ بأن كل مُرّ سيمرّ، وأن بعد العسر يسراً. وهنا تتجدد أمامنا ذكرى انتصارات أكتوبر 1973 بما تحمله من معانٍ في الصبر والثقة بوعد الله، كما تذكّرنا بما جرى من نصر الله للمؤمنين في فتح مكة، يوم دخلها المسلمون دون قتال، تحيط بهم هالة من الهيبة رسخت قوة الدولة الإسلامية.
لقد سبق هذا الفتح العظيم تنازلات كبيرة في صلح الحديبية، حين قَبِل المسلمون بشروطٍ ظاهرها الإجحاف، لكنها كانت تحمل في طيّاتها نصراً مؤجلاً، ومصلحة عليا للدعوة. ومن أبرز ما جاء في تلك الشروط: أن لا تُكتب عبارة بسم الله الرحمن الرحيم، وألا يُذكر اسم النبي ﷺ بصفته رسول الله، وأن يُرَدّ من لجأ من المشركين إلى المسلمين.
حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد رأى ما بدا له ضعفاً في الموقف، قال للنبي ﷺ:
"ألست نبي الله حقًّا؟"
قال: "بلى."
قال: "ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟"
قال: "بلى."
قال: "فلمَ نعطي الدنية في ديننا إذن؟"
وراجع عمرُ الأمر مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي ثبّته وأكّد له أن ما فعله النبي ﷺ هو الحق المبين.
يُذكر أن بعد عقد الصلح، بشّر النبي ﷺ أصحابه قائلاً:
"أنزلت عليَّ الليلة سورة لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس."
ثم تلا قوله تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} الفتح:1 .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه:"إنكم تعدّون الفتح فتح مكة، ونحن نعدّ الفتح صلح الحديبية."
فى إشارة غلى أن صلح الحديبية كان فتحاً قبل الفتح، ومقدمةً لتمكين الإسلام وعلوّ كلمته، و درساً باقياً في الصبر وحسن الظن بالله والتسليم لأمره.
فاللهم نسألك توفيقاً يسوق إلى المسلمين الخير من حيث لا يحتسبون، وثباتاً يليق بمَن أخلصوا النية، ونصراً يرفع القدر ويُظهر الحق.
اللهم يسّر أمرنا وهيّئ للمسلمين القبول في القول والعمل، واجعل نتيجته فتحاً قريباً وبشارة طيبة.
اللهم ردّ كيد الكائدين، واجعل تدبيرهم تدميراً لهم، وارزقنا النصر والعزّة والتمكين والعون والسداد.
اترك تعليق