تمتلك مصر خبرة كبيرة في التعامل مع قضايا الإرهاب والتطرف بشكل عام. فسبق أن خاضت تجربة التطرف والإرهاب في حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. فالاهتمام المصري بجهود مكافحة الإرهاب ليس وليد اللحظة أو الموقف الراهن. وسبق أن أنشأت مصر منذ تسعينيات القرن الماضي وحدة معنية بمتابعة الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب الدولي تابعة لوزارة الخارجية. بالإضافة إلي المراجعات الفكرية التي أجرتها الدولة في هذه الحقبة أيضا. وذلك لإيمان مصر بحتمية العمل الدولي المشترك في مكافحة الإرهاب.
وفي هذا السياق أنشأت دار الإفتاء المصرية مركز "سلام لدراسات التطرف" ليكون تابعا لها وللأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم ليكون أيضا أول مركز علمي عالمي متخصص في دراسة التطرف ومكافحة الإرهاب وكشف عوار المنهجية المتطرفة.
يقول فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم "إن الأحداث المتلاحقة التي يمر بها العالم كله من ظروف ومتغيرات عصيبة. نتيجة التغيرات المتوالية التي لا تخفي علي أحد» حيث لم تتوقف موجات التطرف ولا هجمات الإرهاب العاتية. ومن هذا المنطلق كانت فكرة تأسيس مركز سلام لدراسات التطرُّف. وكانت فكرة هذا المؤتمر العالمي المهم الذي عقد في مصر علي مدي الأيام الثلاثة الماضية".
أضاف أن تأسيس مركز سلام لدراسات التطرف جاء كثمرة لجهود متوالية وخبرات طويلة وعمل دءوب لدار الإفتاء المصرية وللأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في مجال مكافحة التطرف والإرهاب علي المستوي المحلي والعالمي. وذلك باستخدام كافة الطرق العلمية الحديثة. والاستفادة من جميع وسائل التقنيات المعاصرة. وفي مقدمتها الشبكة العنكبوتية ووسائل السوشيال ميديا المختلفة.
بمشاركة مجموعة من المتخصصين في المجال الفكري والشرعي والتقني والإعلامي. وبخاصة المتعلق بمكافحة التطرف والإرهاب.
أوضح فضيلة المفتي أن "مركز سلام" يعمل علي تقديم مخرجات علميَّة مؤسسية متخصصة ورصينة ومتنوعة تسهم في دعم سياسات الدولة المصرية والعالم أجمع المتعلقة بمواجهة التطرف والإرهاب والإسهام في تحقيق رؤية السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي في المواجهة الشاملة للتطرف والإرهاب. والعمل علي تجديد الخطاب الديني. تلك الرؤية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. وتسهم بشكل فاعل في تحقيق الطفرة الحضارية الهائلة التي تشهدها مصر الحديثة.
مظلة جامعة
من جهته أكد الدكتور إبراهيم نجم. مستشار مفتي الجمهورية. أمين الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم ورئيس مركز "سلام". أنَّ المركز يسعي إلي إنشاء مظلَّة جامعة لكلِّ مراكز الأبحاث المعنية بمكافحة التطرف. يكون مقرها القاهرة. اتساقًا مع الدَّور الكبير الذي تقوم به دولتنا في العديد من المجالات. ومن أهمها الخبرة المصرية في مكافحة التطرف.
أشار إلي أن التحديات التي نواجهها علي جميع المستويات الداخلية والخارجية. تفرض علينا ضرورة المواجهة والتواصل مع العالم والارتفاع إلي مستوي الحدث ومواكبة التطور وامتلاك القدرة الفكرية علي التصدي لجماعات التأسلم السياسي.. فالإرهاب لا يمكن بحال أن يخرج من رحم الإسلام. وإنما هو مسلك عنيف متعلق بسلوكيات أفراد وجماعات ومدركات مشوهة أسهمت في تشويه الصورة والإساءة إلي الأديان بشكل عام.. لأن الإرهاب لا دين له ووباء يهدد الجميع.
أضاف أن التحرك العسكري فقط لا يكفي لوقف الزحف الإرهابي علي بقاع العالم بل لابد من تحرك فكري موازي. لقطع الطريق علي التنظيمات الإرهابية من الموارد البشرية التي تلتحق بها. موضحًا أن دار الإفتاء أنشأت "مركز سلام لدراسات التطرف" لرصد ومتابعة الفتاوي التكفيرية والمتطرفة والرد عليها فمراكز البحوث ومؤسسات التفكير أصبحت الآن ضرورة ولم تعد ترفًا يمكن لأي مجتمعي يسعي إِلي التطور أَن يستغني عنه. مشددًا أنه لا مجال لتقدم الدول دون الاهتمام بمراكز الدراسات والبحوث في عالم تتزايد فيه المتغيرات في كل المجالات وتتنوع فيه التحديات التي تُفرض علي الواقع الذي تعيشه الدول. وهو ما أدركته دار الإفتاء المصرية بإنشاء العديد من المبادرات التي تهدف إلي التواصل مع العالم في شرح صحيح الإسلام والتصدي للفكر المتشدد.
اهتمام دولي
من ناحيته أشار د. جهانجير خان مدير مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة خلال كلمته التي ألقاها في مؤتمر "التطرف الديني: المنطلقات الفكرية. واستراتيجيات المواجهة" إلي العلاقة الجيدة الطويلة الأمد لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب مع مصر وإلقاء الضوء علي الدَّور المهم الذي لعبته مصر في توجيه الاهتمام الدولي والعمل علي مكافحة الخطاب الإرهابي بشكل استباقي.
أضاف أن تدشين "مركز سلام" يأتي في توقيت دقيق حيث يتواصل التهديد الذي يشكله تنظيم داعش والجماعات التابعة له للسلم والأمن الدوليين.. مؤكدا أن التفاعل بين الإرهاب والنزاع المسلح وخطر الانتشار الإقليمي بمثابة تحدّي استراتيجي. بينما يظلُّ التطرف الإرهابي عبر الإنترنت وعمليات التجنيد والهجمات المستوحاة من داعش مصدرَ قلقي رئيسيًّا.
أوضح أن افتتاح المركز يعد جزءًا مهما آخر من جهد الرواية المضادة العالمية الذي تتصدره مصر مرة أخري. وأن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب علي استعداد لبَدء حوار حول كيفية زيادة تأثيرنا الجماعي ضد روايات الإرهابيين والمتطرفين العنيفين.
اترك تعليق