ينظر كثيرون الى يوم الـ 19 من مارس بأنه عيد حقيقي للدبلوماسية المصرية.. عيد تحرير طابا الـ 31 الذى يهل علينا خلال أسابيع من الآن، هو انتصار متوج لمعركة التحرير التى بدأت من السادس من أكتوبر 73، واستكملت مسيرتها بالقتال التفاوضي حتى التحرير.. مشهد لن يُمحى من ذاكرة الأمة.. محفور في سجلات التاريخ بالأشخاص والأصوت والصور لأجيال قادمة.
31 عامًا مضت على استرداد مصر آخر كيلومتر مربع كان مُحتلًا من أراضيها.. 7 سنوات بذلت فيها مصر قصارى جهدها، وضربت نموذجًا في التفاوض السلمي والقانوني والدبلوماسي.
الحقيقة أننا اليوم في أحوج ما نكون إلى روح طابا في معركة النهر والسد.. مدرسة القتال التفاوضي التي أرست نهجها خلية العمل القانوني والتاريخي والدبلوماسي والمجتمعي، ورسمت طريق النصر في مواجهة الاحتلال.
معركة طابا دارت في صمت وفي مثابرة وإصرار لم يسبق لها مثيل.. تعلمنا منها أن السلام لا يعني الاستسلام أو التفريط أو الصفقات المخزية، وأن للوطن وللأرض شعبًا يحميه.
لم يتكرر بنا هذا المشهد مجددًا منذ طابا، لكنه حان الوقت الآن للإعلان عن تشكيل جبهة قتال تفاوضي جديدة ونحن في طريقنا إلى التحكيم الدولي في ملف السد الأثيوبي.. استدعاء الرموز التاريخية التي أدت دورها قبل 30 عامًا، أصبح أمرًا لا مفر منه ونحن نستعد مجددًا لمعركة أكثر شراسة مع حفنة من الدمى الأثيوبية تحركهم أصابع حاقدة من خلف ستار.
ربما تكون هذه آخر فرصة لحقن الدماء بين شعوب النهر الخالد.. ربما أيضا تفشل بتواطؤ دولي وإقليمي يسعى حثيثًا لاستدراج القاهرة وأديس أبابا إلى معركة فناء.. لكنها محاولة ستحمل رسائلنا إلى شركائنا في النهر، بأنه اذا كُتب علينا القتال فى أى لحظة لن نتردد.
كل الوساطات الدائرة محل تقدير وعرفان واحترام.. لكنها ستبقى في الفراغ دون مساندة كتيبة القتال التفاوضى ودون إظهار حقيقي لسيف القوة وما يمكن أن ينجزه في لحظات.
نعم معادلة أسطورية تلك التى رسمت منذ عقود مشهد النصر مختزلًا في "يد تحمل أغصان الزيتون ويد تحمل السلاح".. شعار زينت به قاعات الدرس وجدران الطرقات على مدى سنوات، وأصبح محفورًا في وجدان كل مصري.. واليوم ونحن نتحضر لمعركة النهر، يجب ألا تفارق أيدينا أغصان الزيتون.. وأن نرفض بصدق أن نروي ظمأنا بدماء شركائنا في النهر.
نعم.. مصر لن تشرب الماء ممزوجا بالدماء.. لكنها لن تفرط أيضا في قطرة ماء أو حبة رمل.