هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

3 ضوابط لاستخدام الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل .. تعرف عليها

أصبح الذكاء الاصطناعي من أهم الأدوات المستخدمة في تطوير بيئة العمل ورفع كفاءة الأداء داخل المؤسسات، إذ يتيح تقييم الموظفين وتتبع إنجازاتهم وتحسين الإنتاجية بشكل دقيق وسريع. غير أن بعض الممارسات تجاوزت هذا الإطار المهني لتصل إلى تتبع الخصوصيات الشخصية للموظفين خارج نطاق العمل، وهو ما يثير تساؤلات أخلاقية وشرعية حول حدود استخدام هذه التقنيات.


 

 

ومن المعروف أن الإسلام دينٌ يُعلي من شأن الكفاءة، ويحترم في الوقت نفسه حرمة الحياة الخاصة، فما هو حكم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة الموظفين في بيئة العمل؟ وهل يجوز أن يمتد ذلك إلى تتبع خصوصياتهم خارج نطاق الوظيفة؟ وما هي الضوابط الشرعية التي توازن بين مصلحة العمل وصيانة الكرامة الإنسانية؟

أوضحت دار الإفتاء أن استخدام الذكاء الاصطناعي وإن كان مباحًا من حيث الأصل لما تقرر، إلا أنه تابعٌ في الحكم لمقصوده، فمتى كان وسيلة لأمر مشروع أخذ حكم المشروعية، ومتى كان وسيلة لأمرٍ منهيٍّ عنه أخذ حكمه؛ لما تقرَّر في الشرع الشريف من أنَّ "للوسائل أحكام المقاصد"، كما في "قواعد الأحكام" للإمام عز الدين بن عبد السلام (1/ 53، ط. مكتبة الكليات الأزهرية).

ومن ثَمَّ فإنَّ استخدامَ تقنيات الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل يَختلف حكمه باختلاف الغرض والكيفية منه، فإذا كان الاستخدام داخل بيئة العمل لمتابعة إنجاز المهام، وضبط أوقات الدوام، وحماية بيانات الشركة، وصيانة مصالح العمل والعملاء، ونحو ذلك، فهو جائزٌ من حيث الأصل لما تقدَّم، على أن يلتزم بجملة ضوابط؛ أهمها:

1--إعلام الموظفين مسبقًا بهذه الرقابة؛ تحقيقًا لمبدأ الشفافية.

2-- ألَّا يتجاوز النظامُ حدودَ العمل إلى الحياة الخاصة واتباع العورات.

3--أن يقتصر على القدر الضروري لتحقيق المصلحة للعمل ومقتضياته.

أمَّا إذا كان الاستخدام لتتبع خصوصيات الموظفين خارج نطاق العمل، أو الاطلاع على حياتهم الشخصية وما لا صلة له بأداء وظائفهم، فهو أمرٌ محرَّمٌ شرعًا؛ لاشتماله حينئذ على عدة محظورات، من أبرزها: انتهاك الخصوصيات والتعدي عليها، والتجسس على الناس، وتتبع عوراتهم.

ومن المقرَّر في الشريعة الإسلامية صونُ حرمة الحياة الخاصة للأفراد، واعتبارها من الحقوق الشرعية التي لا يجوز انتهاكها أو التعدي عليها بغير مسوِّغ شرعي.

ومن أبرز مظاهر ذلك: ما قرره الشرع الشريف من وجوب الاستئذان في دخول البيوت؛ حفظًا لخصوصية الإنسان في هيئته وشؤونه؛ ذلك لأن المرء في بيته غالبًا ما يكون في صورة غير التي يقابل بها الناس، فحفظ الإسلام له ذلك الحق، وأمر المسلمين ألا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم إلا بعد أن يستأذنوا، بل ويشعروا بالاستئناس بهم أيضًا، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: 27].

كما قررت السُّنة النبوية قاعدة عامة في صيانة خصوصيات الناس وترك التدخل فيما لا يعنيه، فعن أَبِي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مِن حُسنِ إِسلَامِ المَرءِ تَركُهُ مَا لَا يَعنِيهِ» أخرجه الإمامان: الترمذي، وابن ماجه.

كما نهى الشرع الحنيف عن التجسُّس وتتبع عورات الناس، وتحسُّس أفعالهم وأقوالهم، وحذَّر أيَّما تحذيرٍ من الإقدام على أيٍّ من هذه الأفعال، حتى وإن كان الهدفُ إنكارَ المنكر؛ لما في ذلك من تعدٍّ على حُرمة الآخرين، وإفسادٍ للعلاقات الطيِّبة بينهم، وجلبٍ للكراهية والبغضاء، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، والمعنى: لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك، كما في "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القُرطُبي (10/ 257، ط. دار الكتب المصرية).

وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا تَجَسَّسُواْ﴾ [الحجرات: 12]، أي: ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، كما في "جامع البيان" للإمام الطبري (22/ 304، ط. مؤسسة الرسالة).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِيَّاكُم وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا» أخرجه الإمامان: البخاري واللفظ له، ومسلم. ولهذا عدَّ الإمامُ الحافظُ الذهبي في كتابه "الكبائر" (ص: 159، ط. دار الندوة الجديدة) "الكبيرة الثانية والأربعون: التسمع على الناس وما يسرون" من جملة الكبائر التي توعد الله تعالى مرتكبها بالعقاب.

بل قد شدَّد الشرع الشريف في التحذير من التجسس، والخوض في أعراض الناس والتنقيب عن عوراتهم، مبينًا أن من اعتاد ذلك عرَّض نفسه للفضيحة، إذ يفضحه الله تعالى ولو كان في جوف بيته، فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُؤذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُم، وَلاَ تَطلُبُوا عَورَاتِهِم؛ فَإِنَّهُ مَن طَلَبَ عَورَةَ أَخِيهِ المُسلِمِ طَلَبَ اللهُ عَورَتَهُ حَتَّى يَفضَحَهُ فِي بَيتِهِ» أخرجه الإمامان: أحمد واللفظ له، والطبراني في "المعجم الأوسط".

كما حذَّر الشرع من التطلع إلى ما كل ما يخص المسلم من مكتوبٍ أو نحو ذلك دون إذن صاحبه، فجاء الوعيد الشديد لمن تعمد ذلك، سواء أكان بالنظر أو بالاستماع، حتى عُدَّ ذلك في كلام بعض أهل العلم نوعًا من السرقة.

فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَستُرُوا الجُدُرَ، مَن نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيرِ إِذنِهِ فَإِنَّمَا يَنظُرُ فِي النَّارِ» أخرجه الأئمة: أبو داود، والطبراني، والحاكم وصححه.

وعنه أيضًا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ استَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَومٍ وَهُم لَهُ كَارِهُونَ، أَو يَفِرُّونَ مِنهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَومَ القِيَامَةِ» أخرجه الإمام البخاري.

بناءً على ذلك: فاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل إن كان لمتابعة إنجاز المهام، وضبط أوقات الدوام، وحماية البيانات، ونحو ذلك من الأغراض المشروعة، فلا حرج في ذلك شرعًا إذا روعي فيه أن يكون مقصورًا على نطاق العمل، وفي حدود الضوابط التي تنظمها القوانين واللوائح المعمول بها.

وأمَّا استخدامها في غير ذلك من نحو تتبع الحياة الخاصة للموظفين وتتبع عوراتهم، أو مراقبة ما لا يتعلق بالعمل، أو جمع بياناتهم واستغلالها خارج ما تسمح به اللوائح والقوانين -فإن ذلك يكون مُحرَّمًا شرعًا، ومُجرَّمًا قانونًا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق