في توقيت بالغ الدقة تغلب عليه الظنون والارتياب بشأن مسارات العلاقات الأمريكية العربية مع إدارة أمريكية جديدة، جاءت دعوة كلية الشئون الدولية والسياسة العامة بالجامعة الأمريكية كجزء من سلسلة محاضرات حوار التحرير لفتح كل الملفات الارتياب.
تحدث في المحاضرة فرانسيس ريتشياردوني، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وشبلي تلحمي أستاذ كرسي أنور السادات للسلام والتنمية وباحث أعلى غير مقيم للسياسة الخارجية بمركز سياسات الشرق الأوسط، ونبيل فهمي، العميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية ووزير خارجية مصر الأسبق، وألان ستوجا، رئيس مؤسسة تالبيرج وشركة زيمي للاتصالات، وإبراهيم عوض، أستاذ الشئون الدولية ومدير مركز الهجرة ودراسات اللاجئين بالجامعة.
مكاشفات صريحة لاتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط جاءت في كلمات المتحدثين وفي تعقيباتهم الدقيقة، لكنها في المجمل جاءت صادمة.. تتحدث عن انسحاب أمريكي من ملفات وقضايا الشرق الأوسط الملحة والعاجلة وتترك الأمر للقوى الإقليمية الفاعلة لتحقيق مواءمتها السياسية أو مواجهتها المحتومة.. واشنطن تمر بظروف اقتصادية وسياسية حرجة تجعلها تنكب على إصلاح ما أفسدته حقبة ترامب من تعقيدات متشابكة وانغماسها في قضايا المنطقة سيكون محدود برد الفعل وليس صناعة سياسات أو رسم مسارات وتوجهات لأطراف المنطقة.
الأمر لم يعد تكهنات واحتمالات، لكنه، حسب تعبير أحد أبرز المشاركين آلان ستوجا، فإن واشنطن انسحبت بالفعل وانتهى الأمر بمجيء إدارة بايدن.
أما عن احتمالات انشغال مساحة التأثير الأمريكي يقوى عظمى أخرى مثل روسيا والصين، فقد اعتبرها فرانسيس ريتشاردونى رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، احتمالات ضعيفة ولن تكون مؤثرة بالنظر إلى عمق التأثير الثقافي الأمريكي في المجتمعات العربية.
ريتشاردونى أكد أن الشغل الشاغل الآن للإدارة الأمريكية سيكون استعادة التأثير الأخلاقي والمعلوماتي والمخابراتي للسياسة الخارجية الأمريكية بعد أن بلغت مستويات متدنية بفعل الظروف السياسية الداخلية.. وحسب تعبيره "كان لدينا مخابرات قوية (السي أى ايه) كانت تعرف ريشة العصفورة أين ستقع قبل أن تقع"، ثم اتضح أن هناك نقصًا في الثقة في أن الولايات المتحدة تعرف ماذا تقوم به.
لن يكون هناك استباق لأى فعل، ورأس المال وحده هو ما سيحرك السياسة الأمريكية في الخارج، مع التركيز على إعادة الأمور إلى سابق عهدها، فكل ما فعله ترامب سيتم إصلاحه وإعادته إلى ما كان عليه، وهذه هى القوى الوحيدة الدافعة للادارة الأمريكية الآن.
استدل المتحدثون على ذلك بإشارات صدرت مؤخرًا، أبرزها ربما إيقاف القرار الصادر باعتبار الحوثيين جماعة إرهابية.
فلسفة ترامب كان أن يملي على العالم ما يفعله، ومن لا يعجبه ذلك فليذهب لى الجحيم.. فلسفة الإدارة الحالية ستعتمد على القوى الناعمة واستعادة التأثير الأمريكي ضمن إطار متماسك للعلاقات تجاه الشرق الأوسط..
الواقع الالكتروني غير من قواعد وأساليب التجارة الدولية، وسياسات ترامب أضرت بالطبقة الأمريكة المتوسطة.
وعلى القوى الاقليمية أن تتأقلم مع فكرة أن الولايات المتحدة لن تتفاعل مع الشرق الوسط.