هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

السيسي وماكرون  . . .  وَالنَّاس مَقَامَات 


كلمة بنكررها كتير في حياتنا اليومية وهي (النَّاس مَقَامَات) ومدلولها أن لكل شخص قيمة تميزه عن غيره من الناس لدى دوائر المحيطين به ، وهي قيمة معنوية لهذا الشخص تفرض على الجميع تفاصيل بعينها تتعلق بشكل وطبيعة التعامل معه ، وحديثي هنا بعيداً عن القواعد البروتوكولية التي يجب التعامل بها مع بعض الشخصيات من ذوي الحيثية التي تفرضها المناصب ، فهى أمور تحكمها قواعد صارمة ومحددة متعارف عليها ، ولكنى اتحدث هنا عن تفاصيل تتميز بالحميمية ودفء المشاعر التي تفرضها روابط الصداقة والإحترام المتبادل ، وبعيداً عن أي قواعد رسمية ، كلامى هنا من منطلق ما شاهدته من تفاصيل الزيارة التاريخية للرئيس السيسي لجمهورية فرنسا ، تلك الزيارة التي شهدت مراسم استقبال اقل ما توصف به أنها غير تقليدية ، ومراسم الإستقبال (التاريخي) للرئيس المصري عبرت عن مدى عمق العلاقات بين البلدين ، ليس هذا فحسب بل أنها تعطى مدلول عن مدى التفاهم الذي ترجمته العديد من اتفاقيات التسليح ونقل الخبرات في مجال التصنيع العسكري ، وهو ما يؤكد على حالة التعاون بين الإدارتين المصرية والفرنسية ، وبخاصة في تلك المرحلة الحرجة في تاريخ المنطقة العربية والعالم ككل ، فتفاصيل الإستقبال عبرت عن حجم التفاهم والصداقة بإشارات واضحة الدلالة لا يمكن ان تخطئها عين ، ففرنسا تستقبل السيسي بمراسم استقبال مهيبة ، حيث اصطف حرس الشرف بالخيول في مقدمة الموكب لتحيته على نغمات الموسيقات العسكرية بمصاحبة رجال الشرطة على الدراجات البخارية التي تحيط بسيارته ، بالاضافة لأكثر من 10 آلاف جندي في الشوارع والطرقات وآلاف الأعلام والرايات على المباني والمنشأت ، وهو مالم يحدث حتى لرؤساء أوروبا ، إنه استقبال لا يليق إلا بشخص مميز جدا ، فلم يحدث في التاريخ أن تم استقبال رئيس عربي بمثل هذه الحفاوة ، ولم يشهد الموكب الشرفي كل هذا العدد من الخيول والفرسان من قبل ، وجميعها مظاهر عبرت عن قدر وقيمة هذا الرجل لدي مضيفة الرئيس الفرنسي . 

إلا أن حديثي هنا ما زال ابعد ما يكون عن إطار التعامل البروتكولي الرسمي بين بلدين هما الأعرق والأقدم في محيطهم الإقليمي ، بل اتحدث عن علاقة شخصية قوامها الإحترام المتبادل بين الرئيسين المصري والفرنسي ، فسيد قصر الإليزية الشاب النابه (ماكرون) يدرك مقدار الرجل الذي هو في شرف استقباله ، انه وبحق يتعامل مع شخصية لها مواقف مشرفة ، تفرض عليه هذا الإحترام والتقدير في التعامل مع الرئيس المصري ، ذلك البطل المصري الذي تصدى لإرهاب غير مسبوق ، في لحظة فارقه من عمر دولة هي الأهم والأقدم ، والأكثر تأثيراً بالمنطقة العربية ككل ، فاستطاع أن يعبر ببلاده الي بر الأمان في اصعب المواجهات مع جماعات الشر المدعومة من أجهزة استخبارات غربية وعربية ، ومدعومة بأموال لا حصر لها ولا عدد ، وفوق كل هذا فهو ذات الرجل الذي يحارب الإرهاب بيد ، وبيده الأخرى يبني امجاد بلاده من جديد ، إلا أنه بين لحظات الإستقبال الأسطورية ، ولحظات الوداع بين الرئيسين المصري والفرنسي تفاصيل تترجم شكل وحقيقة العلاقة بينه وبين الرئيس المصري ، والذي يحظى بإحترام وتقدير كبيران لدى الرئيس الفرنسي ، وهو ما ترجمه مشهد الوداع للرئيس المصري ، والحضن الأخوي من الرئيس الفرنسي لنظيره المصري ، رغماً عما تفرضه الإجراءات الإحترازية والوقائية على خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد ، إلا أن مشاعر الإحترام والتقدير لدي ماكرون للسيسي تجاهلت كل تلك الإجراءات الصارمة ، ورئينا الرجل يبادر بإحتضان السيسي في مشهد فيه من الود والتعبير عن عمق روابط الصداقة الكثير والكثير ، ثم إنحنائة فيها ما فيها من الإحترام والإجلال لهذا القائد المصري القوي الواثق من نفسه ، والمؤمن ايمان راسخ لا يتزعزع بأنه ممثل لدولة عظيمة وعريقة وقوية وقادرة اسمها مِصْر ، ويقف بثبات ورصانه وثقة بالنفس بمنطقة هو يعلم مفرداتها جيداً ، وفيها ما فيها من الندية والإحترام المتبادل بين دولتين كلاهما مهم ومؤثر في نطاقه الإقليمي . 

ولعل ما دفعنى لكتابة تلك الكلمات هو ما انتشر بشكل عفوي على مواقع التواصل الاجتماعي من احدى الصور التي أحدثت نوع من المقارنة بين استقبال ماكرون للسيسي في فرنسا ، وما حظيت به الزيارة من حفاوة وتقدير ، وبين صورة اخري لماكرون وهو يجلس في احد المؤتمرات الدولية ، واضعاً قدماً فوق الأخرى (وبعيداً عن تخوفات كورونا وما فرضته من احتياطات) ، وهو يُسلم من موقعه جالساً على امير دويلة قطر الذي ظهر في مشهد محرج جدا وهو ينحنى ليسلم على الرئيس الفرنسي الشاب ، والذي اكتفي بمد يده لمصافحة الأمير القطري في كبرياء يعكس عدم التقدير ، الصورة او المقارنة تم اجراءها بشكل عفوي جدا ، الا انها تحمل الكثير من الدلالات والمعاني لمن يجيد تحليل المواقف وقراءة لغة الجسد ، فشتان الفارق بين رئيس دولة كبري لها مالها من تاريخ كبير وعظيم في واحدة من قارات العالم القديم كفرنسا ، وهو ينحنى احتراماً لرئيس مصري عربي افريقي ، جاء لبلاده متسلحاً بإرث حضاري وثقافي وتاريخي يتجازو الاف السنين ، وبين رئيس او ممثل لدويلة عربية لا تملك من حطام الدنيا الا رصيد من المال فرضته طبيعتها الجغرافية ، وما جادت عليها الطبيعة به من رصيد للغاز الطبيعي والبترول ، فمثلها مثل اغنياء الحروب والمتربحين من العمل مع القُرنص او الكامب أيام الاحتلال الإنجليزي ، فغني الحرب مهما تحصل على أموال ، ومهما حقق من ثراء ظاهري لا يقدر هذا الثراء على إكسابة الإحترام في عيون من يعرفون اصله ، وفهو ذاته يدرك انه مجرد زكيبة فلوس ، لا قيمة له إن انتهت أمواله ، او نضبت أبار الغاز بأرضه ، هذا هو الفرق بين دولة اسمها مِصْر ، وبين من يحاول أن يكيد لها ، محاولاً أن يتطاول بهامتة الضئيلة ليناطح هامتها الشامخة ، إنها مِصْر ذات التاريخ الذي لا ولن يزول ، وهي مِصْر الدولة التي كانت ومازالت محل ابهار العالم كله بعلومها وتاريخها وثقافتها وحضارتها ، وهي مِصْر التي انتصرت علي الإرهاب الغاشم الذي ضرب محيطها العربي والإفريقي ، وهي مِصْر التي استطاعت إعادة بناء حضارتها الجديدة بإصلاح اقتصادي ، ونهوض صحي وعمراني واحترام لقيم الحقوق والحريات والتعبير عن هذا كمعتقد راسخ ترجمته في 25% من مواد دستورها وقوانينها ، وفي كافة تعاملاتها مع مواطنيها فعلاً وليس قولاً ، انها مِصْر ، وتلك هي قيمتها وقدرها في عيون العالم ، وفعلاً الناس مقامات .