#طفل_المرور ، هشتاج انتشر وتم تداوله على نطاق واسع وبسرعة كبيرة طوال الأيام القليلة الماضية ، يمكن بسبب الوقائع المستفزة التي جاء بها الطفل (حريقة) ، ويمكن ايضاَ بسبب أن الطفل ابن احد السادة القضاة الأجلاء ، ولهم في عقل وقلب كل مصري ثقة وإحترام نابعان من هيبة وجلال ونزاهة الجهة التي ينتمون اليها ، ولم لا وهم سدنة الحق على الأرض ، وأراني اشفق كثيراً على ما نال والد هذا الطفل من عبارات انتقاد وتجريح نالت منه بشده ، إلا أنني وبعد أن شاهدت كافة الفيديوهات المتعلقة ببطل هذه القصه بالغة السخافة والإستفزاز ، بدءاً من فيديو الواقعة التي أثارت غضبة الناس وواقعة الطفل وأمين الشرطة ، وصولاً الي البث المباشر الذي خرج به الطفل ورفاقة عبر موقع فيس بوك وما جاء به من عبارات مشينة وافعال مرفوضة جملة وتفصيلاً ، ثم ما زامن القصة من تدخلات غاية في الحسم والمهنية من جانب النيابة العامة الموقرة على خلفية ما تم تداوله من فيديوهات وروايات عن وقائع مشابهة للفتي (حريقة) ، والتي جاءت قراراتها سواء في واقعة التحقيق الأولي ، أو الواقعة الثانية على خلفية فيديو الإحتفال بقرار النيابة العامة الموقرة بتسليم الطفل لوالديه مطابقة لصحيح نصوص قانون الطفل المصري 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون 126 لسنة 2008، ثم وصولاً الي صدور القرار الأخير بالإيداع على خلفية الواقعة الثانية ، وجميعها جاءت خلواً من ثمة مجاملة أو تستر على فعل ، أو شبهة محاباة لأي شخص كائن من كان ، وهو ما عهدناه دوماً في قرارات النيابة العامة الموقرة (محامي الشعب) ، وهو ما عزز ثقة الشعب في كافة قراراتها وتدخلاتها للحفاظ على قيم المجتمع ، وهو توجه برز بشده في عهد او ولاية النائب العام الحالي المستشار الجليل / حمادة الصاوي ، والذي اصبح اسمه باعث على الثقة والاحترام وبث روح الطمأنينة في نفوس كافة المواطنين البسطاء .
إلا أن الواقعة بمجملها والتى ارفض كافة تفاصيلها ، إلا أنني اجد نفسي مضطراً للتعاطف مع الفتي (حريقة) على الرغم من كافة ما جاء به من أفعال مرفوضة ، وتعاطفي هنا نابع من عقيدتي أن الطفل الذي يحيد عن الطريق القويم ، أو تجد منه نوع من أنواع الخروج عن القيم والأخلاق ، لا يجب أن نناصبه العداء ، ونصب عليه اللعنات بدون دراسة عقلانية لظروفه الأسرية والتربوية وطريقة تنشئته ، فالبيئة التي نشأ الطفل بها هي المعين الأول الذي أستقى منه خبراته ، وتشبع بها سلوكه ، فما كان لهذا الطفل أن يصل به الآمر الي ما صار اليه إن هو وجد من يقسو عليه بغرض التقويم ، ويمنع عنه بغرض التهذيب والتربية ، أو أنه وجد من يغرس بداخله قيم إحترام الأخرين ، الفتي (حريقة) ليس هو كل الحكاية ، بل هو جزء منها ، وهو ناتج لمعادلة أكبر منه وما هو إلا عنصر ضئل من عناصرها المتشابكة ، بل أن فكر هذا الطفل اقل من أن يستوعبها أو يفهم كيفية امتزاج عناصرها .
أقول وبحق أن الفتي مجني عليه وليس جاني ، فلو أنه وجد من يعلمه أن الجميع أمام القانون سواسية ، ما كانت خرجت منه عبارة مستفزة مثل عبارة ( أحنا نحبس ومنتحبسش ) ، من أين جاء الطفل بتلك العبارة ، والتي تحمل فكر وتوجه خاطئ عند البعض بأنهم فوق القانون ودون المحاسبة ، نعم الفتى مظلوم ، وظالمه هو من سمح له بأن يقود سيارة فارهة في هذه السن المبكرة وهو يقطع الطرقات بسرعة تتجاوز ال250كم / ساعة ، وهو ما يعرضه ورفاقة وباقي الناس بالطرقات إلي كارثة لا تحمد عقباها .
الفتى مظلوم حينما لم يجد من يغرس في نفسه قيم احترام الأكبر منه سناً ، وهو ايضاً مظلوم حينما غفلت عنه أسرته أو تساهلت معه تحت مزاعم التدليل والدلع فغضت الطرف عن سلوكياته الغير منضبطة ، والتي جميعها تنبئ وبحق عن شكل فكر هذا الطفل في المستقبل القريب ، والذي يوقن من داخله وبشكل أو بآخر بانه فوق المساءلة أو الحساب ، ولا اعلم هنا هل الطفل رسخت بداخله هذه الفكرة نتاج معاملة تلقاها من أسرته ، أم من خلال عبارات صريحة تلقاها بما يفيد هذا المضمون ، وكلاهما مرفوض .
الطفل وبحق مظلوم حينما تحلق حوله عدد من الأطفال (اغلبهم اكبر منه سناً) والذين وجدوا فيه ضالتهم المنشودة ، وجواز المرور الي افعالهم الخارجة عن إطار الأخلاق والقانون ، فصاروا يطلقون عليه لقب (سيادة المستشار) كما جاء على لسان احد مرافقيه بأحد الفيديوهات وهو يتنمر بأحد رجال المرور ، وحينما هم تجمعوا حوله مبهورين بقدرات الفتى (حريقة) وافعالة المثيرة للجدل عقب خروجه من النيابة ، فحمله احدهم فوق عنقه كالفاتح المنتصر كأنهم فخورين بتصرفاته ، الطفل مظلوم حينما تساهل معه كل من طاله منه ما طاله من سخافات وتجاوزات فتلقاها صاغراً صامتاً ، دونما أدني تعبير عن الرفض لمثل هذا التجبر والإستقواء المرفوض ، وفي دولة لا تعترف إلا بسيادة القانون ، وتعتنق مباديء مساواة المواطنين أمام القانون حكام كانو أم محكومين .
واخيراً أقول : لا تظلموا الطفل ولا تقيموا له المحاكمات ، فهو في النهاية طفل لم يجد من يقوم سلوكه ويربيه على أنه لا حصانة لأي فرد في دولة سيادة القانون ، وأن القانون ايضاً قادر على ردع من تسول له نفسه خلاف هذا ، وبسطوة وسلطان القانون ، والذي وجد للحفاظ على مبادئ ودعائم دولة الحق والعدل والمساواة .
ملحوظة قانونية :كافة ما جاء من وقائع نشر لصورة الطفل وأسمه وبياناته وتحديد شخصيته اجمالاً ، هو إنتهاك صريح لنص المادة 116 مكرر فقرة (ب) من قانون الطفل ، والخاصة بحظر نشر اوتداول معلومات أو بيانات أو أى رسوم أو صور تتعلق بهوية الطفل حال عرض أمرة على الجهات المعنية بالأطفال المعرضين للخطر او المخالفين للقانون ، وهي جريمة عقوبتها توقيع غرامة على المخالف لا تقل عن عشرة ألاف جنية ، أو أي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون اخر .