منذ أن تولى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى سدة الحكم، بدا واضحا توجهاته الداعمة والمساندة للدول الإفريقية، واهتمامه الشديد بتدعيم علاقات مصر فى محيطها الإفريقى، باعتبارها من أهم دوائر السياسة الخارجية المصرية ،ومن ثم حرص الرئيس على استعادة دور مصر التاريخى والريادى الفاعل فى القارة وعزز ذلك حرصه الشديد على حضور المنتديات والقمم الإفريقية، كما شهدت سنوات رئاسته نشاطا ملحوظا سواء فى زيارته الخارجية العديد من الدول الإفريقية، أو فى استقباله الرؤساء الأفارقة فى القاهرة.
تلك المقدمة كانت ضرورية لما قد نتناوله في السطور التالية ،وذلك في إطار زيارة الرئيس الأوغندى يورى موسيفنى ولقاءه الرئيس السيسي لافتتاح منتدي رجال الأعمال المصري الأوغندي حيث ان العلاقة بين البلدين تتسم بالمتانة وتطابق وجهات النظر بشأن العديد من القضايا الدولية والإقليمية، وفى مقدمتها قضايا المياه ومحاربة الإرهاب والتنمية وغيرها، إلى الحد الذى جعلها نموذجا بارزا لعلاقات مصر مع الدول الإفريقية ودول حوض النيل،تلك الزيارة التي نعتقد انها تعكس حجم التطور فى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية ( خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار موقف أوغندا المساند لمصر فى الاتحاد الإفريقى عقب ثورة 30 يونيو، والداعم لعودتها للاتحاد واستئنافها لأنشطتها، وهو ما تزامن مع رئاسة أوغندا مجلس السلم والأمن الإفريقى)
كما اعتقد ان لقاء الرئيسين من أهم اللقاءات التي أجراها الرئيس السيسي مؤخرًا في إطار ملف مياه النيل والتعاون مع دول حوض النيل، لان مصر تدرك أن أوغندا دولة محورية في شرق إفريقيا، وتلعب دورًا مهمًا على المستوى الإقليمي والدولي، وفي حركة عدم الانحياز التي ترأسها اوغندا حاليًا»
ويحسب للرئيس السيسي أنه كان واضحًا وصريحًا خلال اللقاء، سواء في الاجتماعات المغلقة أو في المؤتمر الصحفي، بشأن موقف مصر من قضية مياه النيل، مشددًا على تمسك مصر بحقها في حصتها التاريخية، وفي الوقت نفسه تفهمها لحق دول المنبع في التنمية.
وقال: «الرئيس السيسي لم يعترض على حق إثيوبيا أو غيرها في التنمية منذ بداية الأزمة، لكنه شدد على أن التنمية لا يجب أن تكون على حساب حقوق الآخرين، وهو ما أوضحه بجلاء خلال حديثه المشترك مع الرئيس الأوغندي.
ان تاكيد الرئيس علي دعم مصر الكامل لجهود التنمية في أوغندا، وبقية الأشقاء في دول حوض النيل الجنوبي، "ظهر بوضوح بإعلان مصر استعدادها للمساهمة في تمويل مشروع سد "أنجلولو" بين أوغندا وكينيا"، وذلك من خلال الآلية التي أطلقتها مصر للاستثمار في مشروعات البنية التحتية في حوض النيل بتمويل مبدئي قدره 100 مليون دولار"تلك قصة اخري ".
وتبقي نقطة هامة تتعلق بما كشف عنه الرئيس الأوغندي ،عما ناقشه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي فكرة الربط المائي بين أوغندا والإسكندرية،باعتبار أن مصر تتمتع بميزة كبيرة كونها تطل على البحر المتوسط، بينما ترتبط أوغندا بها عبر نهر النيل، مما يجعلها دولة غير حبيسة،وهو ما عملت عليه مصر فور تولي الرئيس السيسي المسئولية ،وذلك تحت رعاية المبادرة الرئاسية لتنمية البنية التحتية "النيباد "وبمشاركة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقي (الكوميسا) كجهة تنسيقية.وهو ما سوف نتناوله بشيء من التفصيل لمعرفة الرؤية الاستراتيجية للقيادة السياسية المصرية في ملف العلاقات مع دول حوض النيل حيث ان مشروع الممر الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط هو مشروع إقليمي متعدد الأغراض والأهداف مما يتطلب تضافر الجهود والتنسيق والتعاون بين كافة الدول لتجاوز التحديات وتحقيق الأهداف المنشودة. وتضم قائمة الدول المشاركة مصر (الدولة الرائدة) – السودان – جنوب السودان – أوغندا – رواندا – بوروندي – الكونغو الديموقراطية – تنزانيا – كينيا – أثيوبيا، ومن اهم الجوانب الإيجابية للمشروع يتمثل في ربط الدول المشاركة بوسيلة نقل رخيصة نسبياً – آمنة – غير مستهلكة للطاقة – وقادرة علي نقل حركة التجارة المتولدة بمختلف أنواعها وأحجامها.
ايضاً يعتبر مشروع الربط الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط أحد المشروعات الإقليمية الواعدة التي تدفع عجلة التنمية، وتحسن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية لكافة الدول المشاركة (تم الانتهاء من إعداد الإطار القانوني والمؤسسي للمشروع والتوافق عليه من الدول المشاركة، والبدء في برنامج بناء القدرات للكوادر الفنية العاملة في مجال النقل النهري للدول المشاركة) مع ملاحظة هامه ان المشروع المقترح لا ينشئ قنوات ملاحيه لاستقطاب الفواقد، ولكنه يتعامل مع الممرات القائمه، وهذه نقطة في غاية الأهمية ،وهو ما دعي الي تقدّم إثيوبيا بطلب رسمي للانضمام للمشروع منذ عدة سنوات خلال الاجتماع الوزاري لدول الكوميسا، باعتبارها الجهة المنسقة للمشروع ،وادخال نهر "البارو- اكوبو" احد روافد النيل الأزرق ضمن مكونات المشروع الذى يصب فى نهر السوباط ،ومنه الى النيل الابيض، و عليه فان اللجنة التوجيهية للمشروع طالبتها بتوفير الدراسات اللازمة لادراجها ضمن المعلومات والبيانات للمكتب الاستشاري الدولي المكلف بإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروع كما تم دراسة مقترح رواندا لضم نهر"اكاجيرا" لتقييم الموقف العام لمجرى النهر وامكانية أن يصبح نهراً ملاحياً ،وذلك من خلال خبراء وزارة الري باعتبارها المنسق الإقليمي للمشروع.
في النهاية يمكن القول بان ريادة مصر لتنفيذ هذا المشروع الإقليمى يعد خطوة هامة نحو تأسيس ممراً للتنمية لصالح شعوب حوض نهر النيل وسوف يضفى مزيداً من الأهمية الجيوسياسية لمنطقة دول حوض النيل على وجه الخصوص، والقارة الإفريقية عامة ووفقاً للمفاهيم التي يؤكد عليها دوماً رؤساء الدول والحكومات خلال قمم الإتحاد الأفريقي المتعاقبة، وذلك بإعتباره أداة ربط جديدة وفاعلة بين منطقتي جنوب وشمال البحر المتوسط شاملا الدول الأوربية ، كما يسهم في بعد أكثر عمقاً وأتساعاً للشراكة الأفريقية/الأوروبية مستقبلاً، إتساقاً مع طبيعة العلاقات وأوجه التعاون بين الطرفين سواء على المستوي الثنائي أو في الإطار متعدد الأطراف.
هذا المشروع يربط دول حوض النيل بممر ملاحي ويدعم حركة التجارة والسياحة، ويعمل على توفير فرص العمل، وزيادة إمكانية الدول الحبيسة بالاتصال بالبحار والموانئ العالمية ،ولهذا كانت رؤية المشروع تتمثل في "قارة واحدة – نهر واحد – مستقبل مشترك"، وشعاره هو "أفريقيا بدون حدود"،وبالتالي فإنه عند الإنتهاء من تنفيذ مشروع المجرى الملاحى فى نهر النيل "فيكتوريا - المتوسط" سيتيح المجال لتنشيط التجارة المحلية لدول حوض النيل بصفة عامة، وتصدير البضائع والمنتجات والمحاصيل لمصر عبر نهر النيل بصفة خاصة.
وتبقي نقطة أخيرة في هذا الملف ،وتتعلق بالجهود التي تقوم بها مصر حاليا لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ المرحلة الثانية ،وتشمل كافة الدراسات التفصيلية للنواحي المتعلقة بالممر الملاحيمثل النواحي الاقتصادية والبيئية والهيدروليكية والهيدرولوجية والنقل والسياحة وغيرها ،وتقدر تكلفة هذه المرحلة ومرحلة التصميمات وإعداد الرسومات الهندسية بنحو 10 مليون دولار ( الجدير بالذكر أن تكلفة التنفيذ ستتراوح من 10-12 مليار دولار )
خارج النص :
ان حرص الرئيس السيسي علي قيام مصر بتقديم الدعم المستمر لدول القاره الأفريقية يأتي في إطار قناعته بأن بالعمق الاستراتيجي للأمن القومي المصري يتطلب استمرار التعاون المصري الأفريقي في مختلف المجالات بما في ذلك الدعم الفنى ،والمالي ،وتبادل الخبراء ،والخبرات خاصة في مجال مكافحة الارهاب.
بقلم :
عصام الشيخ
[email protected]