ثم تكونُ الجائزةُ من اللهِ تَعَاَلي ، بالعيدِ المُباركِ ، الذي جاءَ تتويجاً لشهرٍ كاملٍ من الأعمالِ الصالحةِ .
الناسُ في العيدِ ، علي حَالين ، المتألمُ ، رغم فرحةِ العيدِ ، علي فراقِ رمضانَ ، الذي كانَ له ملاذاً ومستقراً ، صامَ نهارَه سعيداً ، وقامَ ليلَه مسروراً ، وقرأَ القُرآنَ فَرِحاً ، واستمعَ إليه طرباً ، وفَعلَ الخيراتِ اختياراً ، وتركَ الموبقاتِ اقتناعاً ، فكانَ إنساناً رمضانياً ، يذهبُ رمضانُ ، فكأنَّ روحَه تذهبُ معه ، تُهرولُ وراءَه ، ويقولُ في نفسِه : هل أنتظرُ عاماً كاملاً ، للقاءِ حبيبي ؟ ما أطولَ الوقتَ ! وما أشقَّ الفراقَ !
والآخرُ من الناسِ ، يراها فترةَ عقوبةٍ وانقضتْ ! لنعودَ إلي الانطلاقِ في هَذِهِ الدُنيا الجميلةِ ! وهم في ذلكَ ، علي درجاتٍ ، فمنهم السعيدُ في رمضانَ ، والسعيدُ أيضاً بمغادرتِه ، إلي أنْ نصلَ لهَذَا السعيدِ فقط ، بالمغادرة ! ولسانُ حالِه :
رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي
مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ …
والحقيقةُ أنْ مُرادَ اللهِ ، أنْ يكونَ رمضانُ العامَ كُلَّه ، اختياراً ، وشهراً واحداً ، جَبراً ، لتنتفي المشقةُ عن الناسِ ، مع بقاءِ السلوكِ الطيبِ ، فكُلُّ ما كانَ في رمضانَ ، مستحبٌ بعدَ رمضانَ ، بل قد يكونُ أعظمَ ثواباً ! لماذا ، لأنَّه سيكونُ طاعةً من قلةٍ من الناسِ ، وقتَ الغفلةِ من الناسِ .
ذهبَ شهرُ الرحمةِ والمغفرةِ والعتقِ من النارِ ، ذهبَ رمضانُ ، وبقي ربُّ رمضانَ ، فمَنْ كانَ يعبدُ رمضانَ ، فقد مرَّ وفاتَ ، ومَنْ كانَ يعبدُ ربَّ رمضانَ ، فهو الْحَيُِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ .
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ..
لماذا الصيامُ تحديداً ؟ وكُلُّ الأعمالِ للهِ !
الإجابةُ ، أولاً : لأنَّه العبادةُ الخالصةُ تماماً من الرياءِ ، ثانياً : لأنَّ رصيدَ الصيامُ ، هو الرصيدُ الوحيدُ ، الذي لا يُستخدمُ في ردِ المظالمِ ، يومَ القيامةِ ، ولا يتمُ الرجوعُ عليه ! بمعني ، هَبْ أَنَّ إنساناً فعلَ من الخيراتِ ، أقلَ مما فعلَ من الآثامِ ، يتمُ ردُ المظالمِ ، من سائرِ الأعمالِ ، ويبقي مديوناً ، فالقرارُ المتوقعُ ، أنَّه إلي النارِ ، لكنَّ اللهِ برحمتِه وفضلِه ، لا يقتربُ من رصيدِ الصيامِ ، لتُستكملَ عمليةُ السدادِ ، ويبقي الصيامُ حساباً مُغلقاً لصاحبِه ، ويتولي اللهُ نفسُه السدادَ ، نيابةً عن العبدِ الضعيفِ ، حتي يُصبحَ رصيدُ المديونيةِ ( صفراً ) لكنَّ الحقيقةَ أنَّ هَذَا العبدَ ، يخرجُ فائزاً ، لما يوضعُ رصيدُ الصيامِ ، الذي حفظَه اللهُ تَعَاَلي من سدادِ ديونِ العبادِ ! أيُّ مَكْرُمةٍ هَذِهِ ، أيها الصيامُ ! حقاً : إِلَّا الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ..
الآنَ يا ربُّ فهمنا كيفَ يكونُ جزاءُ الصيامِ .
لقد شرَعَ اللهُ لهَذَهِ الأمَّةِ الفرحَ والسرورَ ، بتمامِ نِعمتِه ، وكمالِ فضلِه ، فعيدُ الفِطرِ يأتي بعدَ تمامِ صيامِهم ، الذي افترَضَه عليهم ، وجعلَه يومَ الجوائزِ ، يرجعون فيه مِن صلاتِهم بالمغفرةِ .
قَدِمَ النَّبِيُّ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ ، يَلْعَبُونَ فِيهِمَا
فَقَالَ : مَا هَٰذَانِ الْيَوْمَانِ؟
قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ !
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْأَضْحَىٰ وَيَوْمَ الْفِطْرِ .
وقد أقبلَ العيدُ ، فاللَّهُمَّ عيداً من الفرحةِ والرضا ، والبرِ والعملِ الصالحِ ، وصلةِ الأرحامِ ، وإدخالِ السرورِ علي الناسِ .
وقد انقضي رمضانُ ، فاللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ صِيَامِنَا إِيَّاهُ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ فَاجْعَلْنا مَرْحُومين ، ولا تجْعَلْنا مَحْرُومين .