هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

جبرُ الخواطرِ ..


توقفتِ إمرأةٌ عندَ رجلٍ معاقٍ ذهنياً ، بيدِه عودٌ ، يرسمُ به على الأرضِ ، 
فرقَ قلبُها عليه ، وسألتْه : ماذا تفعلُ ؟
قالَ : أرسمُ الجنةَ ،  وأُقسِمُها ! فتبسمتْ ، وقالتْ : هل يمكنُ أنْ آخذَ قطعةً منها ؟ وكم ثمنُها ؟
نظرَ إليها ، وقالَ : نعم ، القطعةُ بعشرين ريالاً !! أعطتْه المرأةُ ما طلبَ ،  وبعضَ الطعامِ وانصرفت . 
وفي ليلتِها ، رأتْ في المنامِ أنَّها في الجنةِ تتنعمُ ، وفي الصباحِ قصتِ الرؤيا ، على زوجِها ، وما حدثَ مع الرجلِ المعاقِ ، فقامَ الزوجُ مسرعاً ،  وذهبَ إليه ؛ ليشتريَ قطعةً منه ، وقالَ له : أريدُ شراءَ قطعةٍ من الجنةِ ! كم ثمنُها ؟ قالَ الرجلُ : لا أبيعُ ، فتعجبَ منه ، وقالَ : بالأمسِ بعتَ قطعةً لزوجتي بعشرين ريالاً ، فقالَ الرجلُ : إنَّ زوجتَك لم تكنْ تطلبُ الجنةَ بالعشرين ريالاً ، بل كانتْ تجبرُ بخاطري ، أما أنتَ فتطلبُ الجنةَ فقط ، والجنةُ لا تُقدرُ بثمنٍ ، لكنَّ دخولَها يمرُ عبرَ جبرِ الخواطرِ . 
هل تعرفون أبا عُمَيرٍ ؟ 
طفلٌ صغيرٌ ، لا يتجاوزُ عُمرُه ثلاثَ سنواتٍ ، وهو أخٌ للصحابيِّ الجليلِ ، أنسٍ بنِ مالكٍ ، رضي اللهُ عنه .
ذاتَ يومٍ ، زارَ رسولُ اللهِ ، صلى اللهُ عليه وسلمَ ، صاحبَه أنساً في بيتِه ، فرأى الطفلَ الصغيرَ جالساً على الأرضِ ، يحتضنُ عصفوراً صغيراً مريضاً ، والدموعُ تنهمرُ من عينيه .
فاحتضنَه رسولُ اللهِ ( ص ) وحنا عليه  ، كعادتِه مع الناسِ أجمعين ، وقالَ له : 
يا  أبا عُمَيرٍ ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ والنُّغَيرُ تَصغيرُ النُّغَرِ ، وهو طائِرٌ صَغيرٌ كالعُصفورِ ، فتبسمَ الطفلُ الباكي ، إذ  لقبَه رسولُ اللهِ ( ص ) كما يُلقَبُ الكبارُ ، احتراماً وتقديراً ، فقالَ له : أبا عُمَيرٍ ! ولأنَّ رسولَ اللهِ ( ص ) هو الوحيدُ الذي سألَه عن عصفورِه ، فيما لم يسألْ عنه أحدٌ غيرُه قط ! 
وبعدَ أيامٍ ، أعادَ رسولُ اللهِ ( ص ) الزيارةَ ، وفتحَ أنسٌ البابَ ، فدخلَ ( ص ) مُسرعاً ، وتوجهَ مباشرةً إلى أبي عُمَيرٍ ، وسألَه بعطفٍ وحنوٍ : يا  أبا عُمَيرٍ ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ  ؟ فرمى أبو عُمَيرٍ بنفسِه في حِضنِ رسولِ اللهِ ( ص ) وهو يبكي ويقولُ : لقد ماتَ النُّغَيْرُ ، لقد ماتَ .
فظلَ ( ص ) يُداعبُه ويلاطفُه ، وقضي معه ساعاتٍ طويلةً ، ولم يتركْه ( ص ) حتي هدأتْ نفسُه . 
هل كانَ رسولُ اللهِ ، خاتمُ النبيين وإمامُ المرسلين ، وقائدُ الأمةِ وجيوشِها ( ص ) يمتلكُ رفاهةَ الوقتِ ، ليُضيعَ قدراً كبيراً منه ، مع طفلٍ صغيرٍ ، ومن أجلِ عصفورٍ ؟ 
مفخماً ، ومداعباً ، وحانياً ، ومؤنساً !!
هي أخلاقُ النبيِّ ( ص ) من ناحيةٍ ، ورسالةُ الدينِ الحقيقيةُ ، من ناحيةٍ أُخري . 
لقد علمَنا ( ص ) أنَّ الدينَ إنسانيةٌ ، وأنَّه ( ص ) وكما قالَ عن نفسِه ، رَحْمَةٌ : إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ..
 إنَّ هُناك فريضةً غائبةً ، هي جبرُ الخواطرِ ، فما عُبِدَ اللهُ بأفضلَ من جبرِ الخواطرِ ، ومَنْ سارَ بينَ الناسِ جابراً للخواطرِ ، أنقذَه اللهُ من جوفِ المخاطرِ .