قطعت الدولة المصرية الحديثة شوطاً واسعاً في مجال الاعتراف بحقوق المرأة ، ولم تكن تلك الخطوات كسابق مثيلاتها في عهد سابق او عهود سابقه كان فيه الاعتراف بحقوق المرأة عبارة عن شعارات فرضتها تعهدت مصر الدولية والتزاماتها تجاه المجتمع الدولي ، بناء على ما انضمت اليه من اتفاقيات دولية تعترف وتقر وتنظم حقوق المرأة ، ومهمة تلك المواثيق الدولية هي تعبيد الطريق وتمهيده أمام التمكين الحقيقي للنساء فعلاً وليس قولاً ، ولا نبالغ حينما نقول أنها تضع علامات مضيئة على طريق الاعتراف بحقوق النساء ، يهتدى بها كل من كان في عقله وقلبة مساحة من الاعتراف بأننا متساوون في الحقوق والواجبات دونما تمييز بناء على جنس او لون او معتقد ديني او سياسي ، وهو ما رسخ له ايضاً دستورنا المعدل في يناير 2014 ، والذي انحاز لفكرة المساواة وأكد عليها بعجز المادة 53 من الدستور ، وقبلها المادة 11 التي تحدثت عن المساواة في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهو توجه محمود من واضع الدستور المصري ، انحازت له وبكل قوة القيادة السياسية المصرية بدء من 2014 ، وعبرت عنه مراراً في مواقف لا تخطئها عين ، ولا ينكرها إلا جاحد او جاهل ، لتضع القيادة السياسية المصرية نبراساً جديداً يهتدى به كل من كان يؤمن بحقوق المرأة ويسعي الي تطبيقها بشكل إنساني و دستوري وقانوني .
ولكن .. في ظل كل هذا ، هناك من يعادى هذا التوجه وينكره ، بل يصر على إنكار حقوق النساء وممارسة اسوء أنواع التمييز ضدهن بشكل يكاد يكون ممنهج !! وبحكم الخصوصية المجتمعية للمجتمع المصري ، لا أقول أن هذا التمييز والإنكار هو من جانب الرجال بحق النساء (بحكم العادة والنظرة الذكورية ) ولكن للأسف الشديد وجدت أن هذا التمييز السلبي هو من النساء بعضهن البعض ، فهن اكثر من يمارس التمييز المبنى على النوع الاجتماعي وبشكل يثير الدهشة ، وكلماتي هنا تأتي عقب مشاهدتي لأحدى حلقات التوك شو والي كان يناقش قضية ( نظرة المجتمع للمطلقات ) ، وهالني ما وجدت من أراء تمييزية ترتقي لأن تكون أراء متطرفة ومجافية للتوجه الدستوري ، بل وتوجه الدولة وقيادتها السياسية في الاعتراف بحقوق النساء ودعمها ، والحرص على نشر أفكارها ، فحينما تصر احدى ضيوف البرنامج الحوارى على أنه يتوجب على المرأة المطلقة أن تتشرنق داخل مسكنها دونما سعي على رزقها ، او دعماً لحياة اطفالها التي تعولهم ، لا لعيب بها اللهم إلا أنها مطلقة ، وكأن المطلقة هي إنسانة منقوصة الحقوق ، وكأن المطلقة على هامش المجتمع ، ينظر اليها الكافة بشك وريبه وعدم ثقة في كل تصرف او قول تأتى به ، للأسف الشديد كان هذا خلاصة رأي احدي ضيفات هذا البرنامج ، والذي تحول الي حاله من التراشق وارتفاع وتداخل الأصوات لجميع الضيوف ، وسط حالة من الصمت المطبق من مقدم البرنامج ، والذي أظن أنه كان مستمتع بأن الحلقة عالية والجدل حولها سيكون كبير ، مما اضطر احدى ضيفاته الى الانسحاب على الهواء اعتراضا على الأراء التمييزية للضيفة الأخرى .
رسائل قصيرة جدا ابعث بها من خلال تلك السطور ، الى النساء كن رحيمات بالنساء ، وبخاصة من عصفت بهن رياح الحياة وأودت بهن الى شاطئ الطلاق كملاذ أخير هروباً من حياة لا إنسانية ومهينة ، كن رحيمات وتذكرن قول المصدوق صلى الله عليه وسلم حينما قال ( رفقاً بالقوارير ) ، كن رحيمات وتذكرن أن الدستور المصري نهي عن التمييز واكد على المساواة دونما تفرقة بناء على جنس او نوع اجتماعي .
ولمسئولي البرامج الحوارية المهتمة بالملف المجتمعي في المقام الأول أقول : تخيروا بعناية شديدة ضيوفكم ، فإن منابركم المحترمة ربما تحظى بمشاهدة واسعة في مصر وخارج مصر ، ومن ثم لا تكونوا أداة تساعد في نشر الأفكار التمييزية ، والتي يطنطن بها أصحاب الأراء التمييزية التي لا تعترف بمبادئ الدستور والقانون ، بل أنهم في مرحلة ما يتحولون الى معاول هدم تفت في عضد وطن نحرص جميعاً على بناءة على اكتاف رجال ونساء يؤمنون بأن مصر خلقت لتبقي ، وأن التنوع والتعدد هو حكمة من حكم المولى عز وجل يجب احترامها .