هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

عيون الشعب

يوسف ادريس

التقيت بالكاتب الكبير يوسف إدريس بالصدفة .. فقد كان فى طريقه من القاهرة الى بورسعيد  .. وفى الطريق وبالقرب من الإسماعيلية .. اصطدمت سيارته بشجرة على الطريق .. وتم نقله الى مستشفى الإسماعيلية العام .. كان ذلك فى السبعينات .. وصادف ان كنت فى بلدى الإسماعيلية فى هذا اليوم .. واتصل بى الصديق العزيز د. يوسف عبد الحميد ( الله يرحمه ) مدير المستشفى وابلغني بوجود يوسف إدريس مصابا بالمستشفى  .. على الفور وبدون تردد انطلقت الى غرفة الكاتب الكبير فى المستشفى  .. وجدت د. عبد المنعم عمارة محافظ الإسماعيلية فى ذلك الوقت فى الغرفة .. كانت اصابة يوسف إدريس بسيطة .. عبارة عن كدمات فى جسده ويديه .. ولكن د. يوسف عبد الحميد اصر على وضعه تحت الملاحظة لمدة ٢٤ ساعة  .. وكاتبنا الكبير يلح فى الخروج .. لاستكمال رحلته الى  بورسعيد  .. جلست الى جوار يوسف إدريس .. طوال تواجده فى المستشفى .. قلت فى نفسي .. فرصة عظيمة لتوطيد علاقتى بهذا الكاتب الكبير .. لم يستريح يوسف إدريس .. هذا اليوم .. من كثرة الزوار .. سواء من قيادات الإسماعيلية  .. او الاهل والأصدقاء الذين حضروا من القاهرة .. وجدت يوسف إدريس كاريزما .. بشوش الوجه .. لم يتوقف عن الحديث .. وبالرغم من إصابته بعدم تحريك يده .. الا انه كان طبيعيا .. قويا .. يتحدث وكأن شيئا لم يحدث .. اعتبرت نفسى مسئولا عنه .. حتى غادر المستشفى .. مساء نفس اليوم .. لم أشعر أن هذا لقائى الأول بيوسف إدريس  .. كأننى اعرفه جيدا .. كنت معه بالأمس .. بالرغم من انها المرة الأولى التى التقى به .. وهذا هو مفتاح شخصية الكاتب الكبير .. البساطة والود والألفة .. تحدثت معه طوال الوقت .. لم اتركه لحظة .. تحدثنا فى كل شئ .. قال لى انه كطبيب عمل لمدة ٩ سنوات فى القصر العينى من سنة ١٩٥١ حتى ١٩٦٠ .. يعلم جيدا كل شئ عن إصابته .. وإنه فضل ان ينتقل الى جريدة الجمهورية عام ١٩٦٠ ليمارس هوايته فى الكتابة .. وكانت سعادتى لا توصف بأنه عمل فى جريدتى " الجمهورية " ( بيتى الثانى ) .. واخذ يسألني عن اساتذتى الذين عمل معهم .. ثم انتقل بعد ذلك كاتبا متفرغا فى الأهرام .. الى جوار عمالقة الأدب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ  .. تطرق الحوار الى مسيرة حياته .. وكيف ذهب إلى الجزائر فى سنة ١٩٦١ .. كمقاتل جنبا الى جنب مع الشعب الجزائري  .. ضد المستعمر المغتصب .. عاش مع المناضلين لمدة ٦ اشهر كاملة .. مختبئا فى الجبال والصحراء .. من اجل تحرير أرض الجزائر .. ونتيجة لذلك .. اصيب بجرح .. وقال لى ان هذا الجرح هو اعظم وسام حصل عليه .. ولولا إصابته لاستمر فى النضال والكفاح مع الأشقاء فى الجزائر  .. ومنحته الجزائر وساما تقديرا لوقوفه الى جوارهم بهذه الروح الفدائية المخلصة .. كان يوسف ادريس .. شعلة حماس وطنية .. ثائرا ومناضلا منذ أن كان طالبا بكلية طب القصر العينى .. فقد شارك فى الاحداث الوطنية كلها .. وقال لى انه كان يريد ان يتخصص فى الطب النفسي .. فهو الأقرب الى الأدب والغوص فى داخل النفس البشرية  .. لكن عشقه للكتابة خطفه من الدنيا كلها .. وان أول قصة قصيرة كتبها كانت وهو طالب بالجامعة .. ثم فى روزاليوسف وجريدة المصرى .. اشترك فى جميع مظاهرات الطلبة ضد المستعمر الإنجليزى لمصر .. اختاره الطلبة .. سكرتيرا تنفيذها للجنة الدفاع عن الطلبة .. وتم اعتقاله لفترات بسيطة وهو طالب .. لاشتراكه فى مظاهرات ضد الإنجليز .. وفى عام ١٩٥٦ بدأت قصصه فى الظهور .. وانتشرت قصصه القصيرة فى القاهرة وبيروت .. وعرف بأنه اعظم كاتب قصة قصيرة فى العالم العربى .. تزوج يوسف ادريس عام ١٩٥٧ .. من اعظم ما كتب يوسف إدريس .. حادثة شرف _ والعيب _ وجمهورية فرحات _ وقصة حب _ وقاع المدينة _ ولغة الآى آى _ والعتب على النظر _ وقد نشر له عدة قصص بعد وفاته .. لم تنشر فى حياته .. اعدتها ونشرتها الكاتبة عبير سلامه فى عام ٢٠٠٨ وكما نشرت له جريدة الجمهورية : الفرافير والقاهرة .. وتحدث يوسف إدريس .. عن أهمية الثقافة وخطورتها .. فى كتابه البديع : أهمية أن نتثقف يا ناس .. والكاتب الكبير يوسف إدريس .. عاش حياته .. ثائرا مهموما بقضايا وطنه .. مدافعا عن العدالة والحقوق والمساواة .. والاستقلال من المستعمر المغتصب  .. كان نموذجا للوطنى المخلص واسع الاطلاع .. صاحب ثقافات عديدة .. فقد قرأ فى الأدب الصينى واليابانى  والروسى والكورى .. بالاضافة إلى الأدب العالمى .. ولد يوسف إدريس فى قرية البيروم _ مركز فاقوس _ محافظة الشرقية يوم ١٩ مايو ١٩٢٧ .. حصل على وسام الجمهورية مرتين عامى ١٩٦٣ و ١٩٦٧ .. وجائزة عبد الناصر فى الآداب عام ١٩٦٩ _ ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام ١٩٨٠ _ وجائزة صدام حسين للآداب عام ١٩٨٨ .. وجائزة الدولة التقديرية عام ١٩٩٠ .. توفى كاتبنا الكبير يوم ١ أغسطس ١٩٩١ .. ترك لنا إرث ادبيا عظيما .. مختلفا .. فهو صاحب مدرسة عبقرية فى استخدام اللغة وكشف حقيقة ما بداخل الانسان .. من خلال ابداعه سواء فى الرواية أو المسرح .. له ثلاثة أولاد المهندس سامح والمرحوم بهاء ... ونسمة التى ورثت عن ابيها حبها للأدب والمسرح خريجة الجامعة الأمريكية .. عملت مسئولة قسم الفنون والثقافة بجريدة الأهرام الأسبوعية الناطقة باللغة الإنجليزية  .. وهى أستاذة للأدب الإنجليزى بالجامعة .. حزن يوسف إدريس لعدم فوزه بنوبل .. واعتبر ذهابها لغيره خيانة .. ولكنه حصل على لقب امير القصة القصيرة .. كأرفع وسام من كل قراءه ومعجبينه وأيضا نقاده ومحبيه.