هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

هذه الدنيا

الملك سلمان فى قلب مصر

 

تكتسب الزيارة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى للشقيقة المملكة العربية السعودية، ولقاءه مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، أهمية بالغة تنبع من توقيت الزيارة، وما يواجهه الأمن والسلم العالمى من تحديات جسيمة تلقى بظلالها الكثيفة على الأمن والاقتصاد والسياسة ومناحى الحياة كافة على كوكب الأرض. 

كما تكتسب المحادثات المصرية السعودية أهمية أخرى تتصل اتصالا وثيقًا بالمكانة التى يشغلها البلدان فى منطقة الشرق الأوسط، فمصر والسعودية هما قطبا الاستقرار والتوازن فى المنطقة العربية، وهما القوتان اللتان تمتعان بثقل دولى على الساحة العالمية، والقادرتان - بما تحظيان به من مصداقية وتأثر ونفوذ دولى - على تحقيق طموحات وتطلعات وآمال المواطن العربى من المحيط إلى الخليج.

وأذكر أننى دُعيت قبل نحو 5 شهور للحديث بالقناة الفضائية المصرية عن تميز العلاقات المصرية السعودية وخصوصية ما يجمع البلدين من روابط تجعلهما الأقرب لبعضهما البعض، وعدت إلى أوراقى ودراساتى التى تخصصت فيها فى تاريخ الدولة السعودية، وتوقفت أمام مقولة خالدة يسجلها التاريخ بأحرف من نور للملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وهو يؤسس الدولة السعودية الحديثة سنة 1902، أى قبل 120 عامًا من اليوم، حين قال قولته الشهيرة: "لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب". 

عبارة موجزة ومركزة وبليغة قالها الملك عبد العزيز تلخص الكثير مما يمكن أن تسطره آلاف الصفحات والبحوث والدراسات فى السياسة والتاريخ والجغرافيا، وأراها دستورًا يصلح ليكون أساسًا لعمل عربى مشترك فاعل ونافذ ومؤثر فى محيطه الدولى.

ثم انتقلت بالحديث إلى خصوصية وتميز العلاقة التى تجمع بين مصر وخادم حرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وخطرت فى ذهنى على الهواء فكرة كتابة مقال بعنوان: "الملك سلمان فى بورسعيد" تخليدًا للدور الوطنى الذى قام به الملك سلمان بن عبد العزيز فى مساندة أهل مصر ودفاعه إلى جوارهم إبان أحداث العدوان الثلاثى سنة 1956، وهو عنوان صحفى ناجح وجذاب ودقيق فى آن واحد بالمعايير المهنية، غير أن صديقى الصحفى السعودى جمال برهان اقترح أن يكون عنوان المقال: "الملك سلمان فى قلب مصر"، حيث أن المواقف التاريخية المُشرفة للملك سلمان لا تقتصر فقط على مشاركته مع المقاومة الشعبية فى التصدى للعدوان الثلاثى، بل امتدت إلى الكثير من المواقف التى يسجلها التاريخ له بأحرف من نور.

وحددت مكانة الملك سلمان فى قلوب المصريين، ومكانة مصر فى قلب الملك سلمان بثلاث محطات جوهرية وأساسية. 

* الأولى: تعود إلى أحداث العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956، أى قبل أكثر من 66 عامًا، حيث جاء (الأمير) سلمان إلى مصر برفقة إثنين من أخوته الأمراء، وتطوع بالدفاع عنها والانضمام إلى قوات المقاومة الشعبية فى مدينة بورسعيد فى مواجهة القوات المعتدية، وحمل (الأمير) سلمان وأخوته السلاح وشاركوا فى التصدى  للعدوان الثلاثى الذى شنته جيوش بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. 

تُرى ما الذى دفع (الأمير) سلمان منذ هذا التاريخ المبكر ليأتى إلى مصر مُدافعًا عنها؟ ما الذى يجعله يواجه الجيوش الغازية ويعرض حياته وأشقائه للخطر؟ 

إنها علاقة محبة قديمة ومكانة عظيمة لمصر فى قلب الملك سلمان، والمؤكد أن المصريين يبادلون الملك سلمان حبًا بحب، وهو يتبوأ مكانة عظيمة فى قلوبهم تقديرًا وحبًا وامتنانًا لموقفه الوطنى العظيم حين جاء  وساند شعبها فى دفاعهم المشروع عن أرضهم وبلدهم.

* ثم تأتى المحطة الثانية، أثناء عبور أكتوبر 1973 العظيم، حين قام الملك سلمان بتأسيس صندوق لدعم المجهود الحربى لمصر، ويأتى هذا الدور الوطنى العظيم للملك سلمان فى الوقت الذى لا ينسى فيه المصريون الموقف التاريخى المُشرف للملك فيصل العظيم بمساندة مصر فى حربها المشروعة، وقراره الحكيم بقطع إمدادات البترول عن كل الدول المؤيدة والمناصرة لإسرائيل. 

لقد جسدت ملحمة العبور واحدة من أروع مواقف التضامن العربى، ففى الوقت الذى كان فيه الملك فيصل يدير "معركة البترول"، كان الملك سلمان يدير "معركة الاعتمادات المالية" لدعم العبور من خلال الصندوق الذى تولى تأسيسه وإدارته.

* أما المحطة الثالثة فتتمثل فى إعادة العلاقات بين مصر والسعودية: وقد بدأ التلميح والحديث لعودة مصر للبيت العربى فى المؤتمر الإسلامى الذى عُقد بالكويت، وحضره الرئيس حسنى مبارك، وأمير الكويت الشيخ جابر الصباح فى ذلك الحين.  

والملك سلمان هو مهندس إعادة العلاقات بين مصر والسعودية، بعد سنوات من القطيعة العربية، حين قررت الدول العربية قطع علاقاتها مع مصر بعد زيارة الرئيس أنور السادات للقدس 1977، وما تلاها من خطوات تمثلت فى إتفاقية كامب ديفيد، ثم معاهدة السلام. وكان خروج مصر من البيت العربى هو انعكاس طبيعى لسوء قراءة المشهد السياسى من جانب بعض القوى العربية التى لم تدرك قيمة وأهمية المسار الاستراتيجى الذى سار فيه الرئيس السادات حتى توج كل ذلك باستعادة سيناء وكامل التراب الوطنى.

لقد أدرك الملك سلمان أن ما حدث لا يصب فى مصلحة مصر ولا العرب، ولم لا وهو ابن الملك المؤسس صاحب المقولة الخالدة: "لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب". 

وبذل الملك سلمان جهدًا حقيقيًا ومشكورًا حتى عادت مصر إلى بيتها العربى مرة أخرى، وفى 16 مارس 1987 زار (الأمير) سلمان القاهرة حينما كان أميرًا للرياض لافتتاح معرض السعودية بين الأمس واليوم الذى عُقد بالقاهرة.

ما ذكرته يعد قطرة من بحر العلاقات الأخوية التى تجمع بين مصر والسعودية، ولعلى لو أردت أن أوفيها حقها لتجاوز الأمر حدود هذا المقال، وربما استلزم دراسة أو عملًا علميًا متكاملًا. فلا يمكن أن ننسى ما قدمته السعودية من دعم لمصر فى صد العدوان الثلاثى 1956، وفتح المجال السعودى للطائرات المصرية، ومناصرتها لمصر فى كل المحافل الدولية فى قضية الجلاء، كما لا ننسى وقوف مصر إلى جانب السعودية ودول الخليج فى التصدى للعدوان الغاشم الذى شنته قوات صدام حسين على دولة الكويت الشقيقة 1990. 

كما نذكر مواقف الملك عبدالله بن عبد العزيز ودعمه لشعب مصر إبان أحداث ثورتى 2011، و2013 ورفضه كل الإملاءات والضغوط التى حاولت بعض القوى الدولية ممارستها على إرادة الشعب المصرى.

ثم تأتى المواقف الوطنية المشرفة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتُعد تتويجًا لمسيرة من المحبة المتبادلة بين مصر والسعودية، وترجمة حقيقية لخصوصية العلاقة بين مصر والملك سلمان الذى يتبوأ مكانًا ومكانة عظيمة فى قلب مصر وشعبها.