هل نعرف ما هو "بيع النجش"؟ .. إنه أحد صور البيع التي حرمها الإسلام، ويقصد به أن يرفع شخصٌ سعر السلعة أو يمدحها دون نية الشراء، فقط لإيهام الآخرين بجودة المنتج وكثرة الإقبال عليه. واليوم، يتجدد هذا السلوك في عالم التجارة الإلكترونية من خلال "الشراء الوهمي"، حيث يلجأ بعض المسوّقين إلى افتعال عمليات شراء أو تعليقات زائفة لرفع ترتيب المنتج على المواقع.
ويتم ذلك عن طريق الاستعانة ببعض الشباب الذين يقومون بشراء وهمي للمنتجات، لأنه كلما زادت المبيعات تظهر بشكل أسرع؛ لكي يراها الناس بسرعة، ونأخذ عمولة على ذلك، فما الحكم؟
وأوضحت دار الإفتاء أن الشرع الشريفِ قرر أنَّ مقصد حفظ المال مِن أهم المقاصد التي جاء الإسلام لحمايتها ورعايتها؛ فمقصود الشرع من الخَلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكلُّ ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحةٌ، وكلُّ ما يُفَوِّت هذه الأصول فهو مفسدةٌ ودفعها مصلحةٌ؛ كما في "المستصفى" للإمام الغزالي (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية).
ومِن أَجْلِ ذلك وضع الشرع الشريف مبادئ وقواعد حاكمة لتعاملات الناس وحفظ أموالهم، ومِن جملة هذه المبادئ: حظر كلِّ ما يشوب المعاملات المالية مِن تغريرٍ أو خداعٍ أو غشٍّ يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل، ولما في ذلك من الإثم والعدوان والخروج عن مقتضى الفضائل والمكارم التي يجب على المسلم التحلِّي بها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» أخرجه مسلم، وفي رواية: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ» أخرجها الطبراني في "المعجم الكبير" وابن حبان في "صحيحه".
المحاذير والمخالفات الشرعية التي تشتمل عليها الصورة المسؤول عنها وبيان حكمها
الصورة المسؤول عنها وإن كان ظاهرها البيع والشراء إلا أنها تتضمن الترويج للسلعة وإظهارها للجمهور عن طريق عمليات الشراء الوهمي التي يترتب عليها ظهور كثرة عدد المقبلين على شراء هذه السلعة، فيغتر بها الناس ويشترونها بناءً على ما يظهر لهم مِن إقبالٍ كثيفٍ عليها، وكذا ما يجدونه من تعليقاتٍ وهميَّةٍ تمدح السلع، وهي بهذا الوصف تشتمل على جملةٍ من المحاذير والمخالفات الشرعية والتي تقضي بحرمتها؛ أهمها:
أولًا: الصورية؛ حيث إنَّ هذا الاتفاق على الشراء الوهمي يجعل العقد صوريًّا، حيث صارت السلعة المبيعة ليست مقصودة بالتعاقد ابتداءً؛ فإن الطريقة التي تجري بها هذه المعاملة تقتصر على مجرد الترويج لهذه السلعة، فإنه مع توسط السلعة في كسب المال هنا، إلا أن السلعة لم تعد هي المقصودة في عملية الشراء، بل أصبحت سلعة صورية وجودها غير مؤثِّرٍ. ودخول مثل هذه الصورية بين أطراف العقد؛ يجعله عقدًا محرمًا شرعًا.
ثانيًا: اشتمال المعاملة على الكذب؛ فإن تظاهر الإنسان بشراء هذه السلعة وظهور كونه مشتريًا -فعلٌ غير مطابق للواقع، وذلك بأنه يدَّعي فعلًا لم يفعله ومعاملة لم يقم بها على الحقيقة، وكل هذا من التزوير والكذب؛ وكله حرام بأيِّ صورةٍ وبأيِّ شكلٍ إلا ما ورد الشرع باستثنائه
ثالثًا: هذا الشراء الوهمي يدخل في باب النَّجش، وهو أَنْ يزيدَ الإِنسانُ في ثمن السلعة أَو يمدحَها وليس لهُ رغبةٌ في شرائِها، ولكن يريد خِداعَ غيرِهِ"، وقد تواردت الآثار الشريفة على تحريمه والنهي عنه، فعن عبد الله بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النَّجْشِ» متفقٌ عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَبْتَاعُ الْمَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وقد حَذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغش وتَوعَّد فاعله بالذم والتوبيخ، وبيَّن أن هذا ليس من فعل الأنبياء والصالحين؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» أخرجه مسلم.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ ما يقوم به البعض من شراءٍ وهميٍّ للمنتجات لكي يراها الناس بسرعةٍ ويغترون بها يشتمل على عدة محاذير؛ كالصورية، والغش، والخداع، والنجش، وهذه الجملة من المحاذير تقضي بتحريم هذه المعاملة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
اترك تعليق