الإسراء والمعراج قد ثبتا بالقرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد حدَّث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وأربعون صحابيًا، فاستفاض استفاضة لا مطمع بعدها لمنكر أو متأول، وقد تواتر ذلك تواترًا عظيمًا؛ حتى لم يعد لمنكر مطمع ولا لمتأول مغمز.
يوضح لنا فضيلة الأستاذ الدكتور شوقى علام مفتي الديار المصرية دليل الثبوت من القرآن: فقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].
وقوله جل جلاله: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ [النجم: 1-18].
وقد روي عن ابن مسعود والسيدة عائشة رضي الله عنهما أن المرئي هو جبريل عليه السلام رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرتين على هيئته وخلقته التي خلقه الله عليها، الأولى وهو نازل من غار حراء، والثانية ليلة المعراج؛ قال ابن كثير في "تفسيره" (7/ 444، ط. دار طيبة): [عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ير جبريل في صورته إلا مرتين، أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأفق. وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد، فذلك قوله: ﴿وهو بالأفق الأعلى﴾] اهـ.
يقول الشيخ عبد الله المراغي في كتابه "أفضل منهاج في إثبات الإسراء والمعراج" (ص: 45، ط. مطبعة السنة المحمدية): [استدل القائلون بأن المعراج ثابت بالقرآن الكريم، بآيات النجم معيدين بعض ضمائرها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال عروجه...كما استدلوا أيضًا بهذه الآية من سورة الانشقاق ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: 19]. وهي أيضًا مكية، وجاءت أفعالها بصيغة المضارعة، مبدوءة بلام القسم، فهي تفيد البشرى بالمعراج قبل حصوله. ولكنها بشرى من الله الذي لا يخلف وعده، ولا تبديل لكلماته، فمدلولها واقع لا محالة، وقرئ ﴿لَتَرْكَبَنَّ﴾ بفتح الباء، أي لتَعْلَونَّ يا محمد سماء بعد سماء.
ومن القائلين بهذا ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما، والطبق يجمع على طِباق، وقد خلق الله السماوات سبعًا طباقًا، بعضها فوق بعض، وركوبها الصعود عليها، والعروج فيها] اهـ.
اترك تعليق