شهدت حوادث الطرق خلال الفترة الماضية زيادة كبيرة راح ضحيتها العديد من الأرواح بالإضافة إلي إصابة الكثيرين ففي الثلاثة شهور الأخيرة من العام الجاري بلغ عدد المصابين ما يقرب من 200 شخص بينما توفي 56 آخرون علي اثر حوادث سير وطرق بالمحافظات.
مما يسلط الضوء علي إعادة النظر في ملف "حوادث الطرق" حيث مازال نزيف الأسفلت مستمرا رغم جهود الدولة في تطوير البنية التحتية. وإنشاء شبكة ضخمة من الطرق والكباري من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
وقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء في نشرته الأخيرة الصادرة عام 2021 عن وصول عدد إصابات حوادث الطرق إلي "51511" إصابة. فيما بلغ عدد المتوفين "7101" شخصا مقابل "1664" عام 2020 بنسبة ارتفاع 15.2%.
وجاءت إصابات حوادث الطرق طبقا لمستخدم الطريق في المرتبة الأولي "الركاب" بعدد "17805" مصابين يليها "المشاة" بعدد "12948" وذلك خلال عام .2021
والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا زادت حوادث الطرق ومن يتحمل مسئوليتها
يفرق اللواء أحمد هشام. الخبير المروري بين نوعي رخص القيادة .قائلا إن هناك رخصة خاصة بالسيارات الملاكي. وآخري مهنية لغرض العمل. وغالبا أصحاب الملاكي يكونون حريصين أثناء القيادة لأنهم علي علم أن أي تصادم له تكلفة. أما المهنيين يخضعون لاختبارات وزارة الصحة والعرض علي الكومسيون الطبي للتأكد من سلامتهم البدنية للقيادة .مشيرا إلي أن تحليل تعاطي المخدرات غير مدرج حاليا بالقانون .ولكنه سيدرج ضمن قانون المرور الجديد .مع الأخذ في الاعتبارات أن هناك حملات مرورية مكثفة خاصة بالاكمنة علي الطرقات بها مندوبين من وزارة الصحة للكشف علي السائقين والتأكد من مسألة الإدمان عند الاشتباه.
ويؤكد الخبير المروري أن العامل البشري أو قائد السيارة هو السبب الرئيسي في الحوادث المرورية طبقا لاحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء .و بالتحديد في الدراسة المقارنة بين عامي 2018. 2019 .حيث وجد أنه في عام 2018 وصلت عدد الحوادث إلي 8563 . وتبين أن قائد السيارة جاء بنسبة 63.4% كأحد أسباب حوادث الطرق .في حين أنه في عام 2019 بلغت عدد الحوادث 5619 .أي قلت بنسبة 40% . وكان السبب صاحب المركبة بنسبة 77.7%.
ويشير اللواء أحمد هشام إلي أهم أسباب كثرة حوادث الطرق .عدم وجود الثقافة المرورية لدي قائد السيارة »موضحا أن سائقي الميني باصات أو الميكروباصات يتجاوزون دائما السرعات المقررة بسبب زيادة عدد دورات نقل الركاب التي يقومون بها داخل محافظات الجمهورية .والتي من المفترض أن تكون كحد أقصي 50 كيلو متر في الساعة فقط .وذلك من أجل تحصيل أكبر مبلغ مالي يوميا .يمكنه من تسديد أقساط مركبته أو قضاء احتياجاته اليومية وشهواته الخاصة.وهذا كله بدوره يزيد من الحوادث المرورية حيث أن هؤلاء لا يعترفون بشيء إسمه "فرامل" .
وعلي نفس الجهة .يضيف أن سائقي التريلات والمقطورات والنقل الثقيل يتناولون المنبهات والمواد المخدرة حتي يستطيعون القيادة لأطول وقت ممكن .ويتمكنوا من نقل البضائع وزيادة دخلهم .وطبقا لمنظمة الصحة العالمية الإنسان الطبيعي يقود لمدة 4 ساعات متصلة أو 8 ساعات منفصلة .لكن هذا لا يحدث .مما يؤثر علي القيادة السليمة في الطرقات العامة » مستنكرا العقوبات الموجودة حاليا في قانون المرور .حيث يراها غير عادلة .ويقول إنه عند إثبات تعاطي أي سائق للمواد المخدرة .لابد أن تلغي رخصته نهائيا وليس كما مطبق الآن 3 أشهر فقط . كما أن عقوبة الحبس بسيطة جدا من 3 إلي 7 سنوات إذا تسبب في وفاة أكثر من شخص .مطالبا بتشديد العقوبة في هذا الإطار حيث أن عدد سكان مصر 106 مليون نسمة. بينهم 35 إلي 40 مليون مواطنا يقودون مركبات بكافة أنواعها. وأكبر دليل حادثة سيارة الدقهلية التي انقلبت داخل الترعة حيث تبين أن سائقها كان متناولا للمخدرات أثناء الحادث.
أيضا يحذر من وضع أي أشخاص نهائيا داخل الصندوق بسيارات ربع النقل .حيث وقع حادث انقلاب مركبة ربع نقل مؤخرا كانت تحمل 20 شخصاً داخل الصندوق مما أدي إلي وفاة عامل و إصابة 15 فردا.
ويلفت اللواء أحمد إلي أن مسألة تكثيف الاكمنة علي الطرقات صعبة للغاية خصوصا مع زيادة مساحة شبكة الطرق من 36 ألف كيلو متر إلي 52 ألف. فلا حل سوي تشديد العقوبات وإلغاء الفئات المستثناة من قانون المرور حتي نتمكن من السيطرة الكاملة علي الشارع المصري.
يؤكد المهندس جمال عسكر .خبير قطاع السيارات. ورئيس لجنة الصناعة بنقابة المهندسين: أن العامل البشري هو المتسبب الرئيسي في حوادث الطرق»موضحا أن سلوك السائق يأتي في المرتبة الأولي يليه مشكلات في المركبة و أخيرا مشكلات الطريق نفسه.
ويحلل عسكر سلوكيات السائقين .قائلا: إن قلة منهم يتعاطون المخدرات في حين أن النسبة الأكبر لا يتبعون إرشادات المرور ويخترقون القوانين. ويعتمدون علي تخطي الآخرين وأخذ "الغرز" بالشوارع »مشيرا إلي أن الانتقال إلي الحارة الآخري أو ما تسمي بالغرزة .لها أصول .علي السائق أن ينظر في المراة الجانبية ثم ينتظر 30 ثانية ليتأكد من خلو المساحة ثم ينتقل إلي الناحية الجانبية .لكن ما يحدث عكس ذلك بالطبع . علاوة علي السرعة الزائدة وتجاوز المقرر منها في بعض الطرقات أو العكس بالسير بسرعة أقل من المحددة مما يتسبب في تصادمات بين السيارات.
ويضيف خبير السيارات أن العنصر الثاني هو السيارة نفسها وما بها من مشكلات فنية .وإهمال صاحبها عمل الصيانات الدورية لها مشكلة كبيرة »موضحا إن الإطارات تأتي كعامل مؤثر في حوادث الطرق حيث أغلب الشاحنات لا تبدل الإطارات التالفة إلا بعد عدة سنوات »مما يؤثر علي ضغط الهواء داخل الكاوتش .وفي نفس الوقت يزيد من استهلاك البنزين .وهذا بدوره يظهر عند الضغط علي دواسة الفرامل .فتقف السيارة علي مسافة أبعد من المفروض. وتصدم بغيرها.
ويستنكر أيضا عدم عمل صاحب المركبة الصيانة الدورية لمنظومة الفرامل.والتي يصفها بـ"روح العربية" .قائلا أن البعض يراها ذو تكلفة مرتفعة في حين أن الآخرين لديهم مركبات أجرة »يرون أنهم لو اتبعوا الصيانة الدورية بانتظام ستؤثر علي معدل دخلهم .غير عابرين بحياة السائق الذي يعمل لديهم ولا بالركاب.
في نفس الجهة. هناك توكيلات سيارات لماركات شهيرة. تعلم جيدا أن هناك عيوبا بنظام الفرامل بها ومع ذلك يبيعونها بالالافات وتنتشر بالسوق. أيضا زيت دورة الفرامل.
يشدد م. جمال عسكر علي ضرورة تغييره كل فترة طبقا لجداول الصيانة حيث أنه زيت شره ممتصا للرطوبة .إذ لم يتغير .يتسبب في تحجر دواسة الفرامل عند الضغط عليها .فإذا حدث هذا بشكل مفاجيء وكان يمر شخص أمام السيارة .سيلقي مصرعه علي الفور »مشيرا إلي أنها قد تكون سيارة ملاكي للاستخدام الشخصي وقد تكون بغرض الأجرة وصاحبها يعلم بالمشكلة ولكنه يتجاهل الصيانة.
ويلفت م. جمال عسكر إلي أن منظومة استخراج وتجديد رخص السيارات وفحصها في مصر .يشوبها مشكلات كثيرة. أهمها عدم التدقيق في كل أجزاء المركبة والتأكد من سلامتها كشرط رئيسي لاستلام الرخصة »موضحا أن بعض حوادث التصادم تأتي من عدم اهتمام السائق بتشغيل فوانيس الإضاءة الخلفية مما يجعل المركبة خلفه لا تراه وكأنه مثل الصندوق الأسود فتصطدم به. خصوصا مع انطفاء أعمدة الإنارة في بعض الشوارع »مستنكرا في الوقت ذاته إعلانات الطرقات ذات المساحات الشاسعة مع المبالغة في مؤثراتها الضوئية الخطيرة التي تسبب حجب الرؤية "عمي لحظي" مع تشغيلها وانطفائها المتكرر. وهذا بدوره يؤثر علي تركيز السائقين ويتسبب في الحوادث المرورية ودهس المشاة.
يؤكد د. مجدي صلاح .أستاذ الطرق و المرور بكلية الهندسة جامعة القاهرة :أن أغلبية أسباب حوادث الطرق تعود إلي قائد المركبة الذي لا يطبق قواعد المرور. وذلك طبقا للأبحاث والدراسات سواء في الداخل أو الخارج.لافتا إلي أن سائقي النقل الثقيل غالبا ما تكون حوادثهم بشعة سواء في عدد المصابين أو الوفيات. ومن هنا يشدد د. مجدي علي ضرورة التدقيق في شروط استخراج رخص قيادة الدرجة الأولي. علي أن يتم تجديدها خلال عدد سنوات قليلة وليس مدة طويلة كما هو حاليا. مع متابعة السجل المروري للسائق خلال فترة قيادته. وقياس سلوكه النفسي و العدواني. وهذا سيكون أحد أهم طرق علاج الحوادث علي الطرقات.
يضيف أستاذ الطرق إن مدة القيادة اليومية لمستخدم السيارة .يجب ألا تزيد عن 8 ساعات .لكن "المطبق" أو الذي لم ينم .يكون مجهدا طوال عدد ساعات القيادة. مما قد يفقده توازنه وتقع حادثة تحت تأثير هذا الاجهاد.خصوصا أن بعض الطرق تفتقد إلي الإضاءة وليس معقولا أن يتم إنارة جميع الطرق الخارجية.لافتا في هذا الصدد إلي إمكانية استخدام العواكس وليس شرطا الإضاءة المباشرة خصوصا في الشوارع الخالية لتقليل نسبة وقوع الحوادث التصادمية.
من ناحية آخري. يستنكر د. صلاح نقص عدد اللوحات و الإرشادات المرورية أو اهمالها مما يتسبب في إعاقة الطرق بالمركبات التي فقدت ضالتها .وبدوره يتسبب في وقوع حوادث.
أيضا يؤكد أن مسألة صيانة الطرق مهمة جدا بصفة دورية .خصوصا بعد الانشاءات .بما يشمل أعمدة الإنارة والعواكس والمحددات عند المنحنيات .مشيرا في نهاية حديثه إلي أن تشديد العقوبات مهم جدا مع المنع من القيادة لمدة معينة علي حسب نوع الحادث .ومتابعة تطبيق القانون من خلال الكاميرات الديجتال و الأقمار الصناعية وغيرها .مستنكرا في هذا الإطار أيضا إعطاء رخصة للمتهم بالقتل الخطأ في حوادث الطرق .وذلك بعد قضاء مدة عقوبته .ويقول : "هذا ليس له معني" .
يشير د. فتحي الكومي .أستاذ العلوم الطبية الشرعية وكشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية : إلي أن نوع المركبة أو ماركتها ليست القضية في مسألة حوادث السيارات .بينما القضية الحقيقية هي البشر أنفسهم .خصوصا بعد تطوير شبكة الطرق .كما أن أغلب السيارات في الشوارع الآن علي درجة نسبية جيدة من الحداثة.ومع ذلك ما زالت هناك تصادمات .بدليل أن الغرب حاليا يتجهون إلي قيادة السيارة إلكترونيا بدون سائق لأن العنصر البشري هو المسئول قائلا إنه ليس من المنطقي توجيه الناس بضرورة القيادة بنفسية سليمة و ابتسامة حتي يتمكن من وصوله بسلام.
ويشدد علي أن تحليل تناول المواد المخدرة والمسكرة للسائق لابد أن يكون تحت اشراف طبيب لا ممرض أو أي شخص عادي .بالإضافة إلي أهمية تطبيق الاختبارات النفسية كشرط لاستخراج رخصة القيادة حيث أن الثبات الانفعالي مهم جدا أثناء القيادة والشخص الغير سوي لم يستطع التحكم في نفسه وسينشغل بسلوك غيره من السائقين وينفعل علي إثره .وقد يصدم المارة بسبب عدم تركيزه أو قد يكون "خلقه ضيق" لن يتمكن من تقدير المسافات و الرؤية الصحيحة خلال القيادة خاصة إذا كان تحت تأثير المخدر مما يؤدي إلي وقوع التصادمات علي الطرقات.
ويؤكد الكومي أن النظر في الموبايل أو الحديث فيه يفقد قائد السيارة رد الفعل الصحيح عند حدوث أي سلوك مفاجيء نتيجة لعدم الثبات الانفعالي. فالحوادث تقع ليس بسبب السائق بالتحديد بينما بسبب ما يقابله علي الطريق. ففي النهاية السواقة أخلاق وهي الجملة المكتوبة داخل وحدات المرور لأنها تعني فن التعامل مع الآخرين.
اترك تعليق