مع قدوم هلال شهر ربيع الأول من كل عام هجري تتشوف القلوب والعقول والأبصار والأسماع للحديث عن ميلاد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حديثا نُهدى به إلى السعادة والسرور والضياء والنور ونعرف به سبل النجاة ونحوز به الفضل والجاه.
ومع اقتراب ذكرى مولده عليه السلام،وجّه الشيخ أحمد ربيع الأزهري_من علماء الأزهر الشريف وأئمة وزارة الأوقاف_عبر صفحته الرسمية بموقع فيسبوك بعشر وصايا للاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم.
وصايا الاحتفال بالمولد النبوي
فند شيخ الأزهري هذه الوصايا كالتالي:
صدقُ محبته
صدق محبته - صلى الله عليه وسلم -تكمن في أن يميل المسلم بالكلية قلبا وعقلا وسمعا وبصرا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميلاً يتجلَّى فيه إيثاره - صلى الله عليه وسلم - على كل محبوب من نفس ووالد وولدٍ، وهي محبةٌ واجبة فربنا سبحانه وتعالى قد أوجب علينا محبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتوعَّد المخالف في ذلك بقوله: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» [التوبة: 24].
كما أنه قال فيما عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكونَ أحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِه وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ». [متفق عليه]. وثمرة محبته عظيمة في الدنيا والآخرة وبها نحوز الرضون ونتذوق حلاوة الإيمان فقد ثبت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رواه أنس بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ، وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ . ».[متفق عليه].
اتباع سنته
أشار شيخ الأزهرى إلى أنه يجب أن نتبعه - صلى الله عليه وسلم - في كل ما أمر ونهى وأن نتخلق بسنته- صلى الله عليه وسلم - ، وسنة خلفائه الراشدين المهدين وأن نبتعد عن أهل البدع والأهواء والمخالفين يقول تعالى: «وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» . [الحشر:7].
فقد روى الأئمة أحمد وأبو داود وابن ماجه بسندٍ صحيح عن العرباض بن سارية السلمي - رضي الله عنه - قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»، وثمرة اتباعه أن ينول العبدُ محبةَ الله ورسوله يقول تعالى : يقول الله تعالى: « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» [آل عمران:31].
التفقه في سيرته
وذلك بأن نبحث فيما يعرف بسنن المواقف النبوية ونتأمل كيف كان يدير الأزمات ويقود الجيوش والنفوس وأن نتفقه في سيرته ونتعلم أسرار حكمته في تدبير شئون أمته وكيف كان يتصرف مع العدو والصديق والمعاهد والمؤتمن والمخالف والمعاند والزوج والولد والجار والرفيق ...إلى غير ذلك، والتفقه في سيرته من الدين وأهل التفقه أرباب اصطفاء وخير مصدقا لقوله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ » [متفق عليه].
المحبة لأهل بيته وعشيرته
فمحبة أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من العبادات التي يتقرب بها المسلم لربه سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [الشورى: 23]، والمعنى أن تودوني في قرابتي، أي تحسنوا إليهم وتبروهم، وهذا قول سعيد بن جبير وهو أحد الأقوال في تفسير الآية. وروى البخاريُّ في صحيحه عن ابن عمر، عن أبي بكر رضي الله عنه قال: «ارقُبُوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته". قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه: «يخاطِبُ بذلك الناسَ ويوصيهم به، والمراقبةُ للشيء: المحافظةُ عليه، يقول: احفظوه فيهم، فلا تؤذوهم ولا تُسيئوا إليهم».
الذود عنه ونصرته
رسولنا عزيز على الله وعزيز على أحبائه الين يعلمون أن الفلاح والنجاح في نصرته على كل من يتعرض له بالطعن والمسبة يقول تعالى : «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ» [الأعراف: 57]، فعلق الفلاح بالنصرة، فمن لم ينصره، فليس من المفلحين. وفي هذا العصر نصرة النبي- صلى الله عليه وسلم - أن يكون لنا قوة ومنعة ومنجزًا علميا ومعرفيا يجعل أعدائنا وأعداء نبينا - صلى الله عليه وسلم - يفكرون ألف مرة قبل التعرض لجنابه الشريف.
التمسك بشريعته
فالتمسك بشريعته تخلق وأدب ورضا ومحبة وانقياد وإذعان وهدي وقيم وحقوق ووجبات وجزاء وعقاب وطاعة والتزام ورد الحكم له عند المنازعة والإشكال مصدقا لقول الواحد الديان : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» [النساء: 59]، وقوله : «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» [النساء: 65].
الرحمة والرفق بأُمته
ومن علامات صدق الاحتفال بمولده أن نكون من الرفقاء والرحماء؛ لأن من لايرحم لا يرحم، ورسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو رسول الرحمه «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» [الأنبياء: 107]، وقال له ربه «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» [آل عمران:159 ] وهو الرءوف كما نعته ربه «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» [التوبة: 128] وهو الذي أخبرنا فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ»، قَالَ قَتَادَةُ : إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ رُفَقَاءُ رُحَمَاءُ .. فما أحوجنا في خضم هذه الصراعات أن يرحم بعضنا بعضا وأن يرفق بعضنا ببعض وعندها نكون صادقين في الاحتفاء بمولده.
التخلق بسماحته
إذا أردنا أن نحتفي بمولده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا بد أن نكون من أهل سماحته ، سماحة مع الزوج والولد والجار وعند البيع والشراء وعند النزاع والخصومة ، نريد عفوا وبرا وإحسان فها هو أنس بن مالك - خادم الرسول - صلى الله عليه وسلم – يبرز ملمحا من سماحة الرسول فيقول: «خدمت النبي عشر سنين، فما قال لي: «أفٍّ» قط، ولا قال لي لشيء صنعتُه: لم صنعتَه؟ ولا لشيء تركتُه: لما تركتَه؟ وكان لا يظلم أحدًا أجرَه» [ رواه أبو داود]، وتقول عائشة - رضي الله عنها -: «ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط بيده، ولا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيل منه شيء فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهكَ شيء من محارم الله، فينتقم لله» [ رواه أبو داود وابن ماجه والدارمي].
السعي لزيارته
نحن وصلنا عصر الجفاء مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أن البعض منا يعتمر أو يحج ولا يذهب لزيارة الرسول وأذكر أن أحد الأشخاص جاء لأحد العلماء سائلا : هل حجى يبطل إن لم أذهب لزيارة الرسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة؟ فقال الشيح حجك ليس باطلا، لكنك أنت الباطل!
فمسجده محل قبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشد إليه الرحال وبه روضته الشرفة وهي من الجنان وبزيارة قبره يكون الفوز بشفاعة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقد روى البزار والدارقطني بإسنادهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» الحديث قواه السبكي ووافقه الحافظ السيوطي.وحسنه بشواهده الذهبي.
الصلاة عليه وطلب رفقته وشفاعته
من أعظم الأشياء إحتفاءا بمولده الكريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أن نكون عليه من المصلين؛ لأن الصلاة والسلام عليه من أفضل القربات، ومن أجل الطاعات، قال الله –تعالى-: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» [سورة الأحزاب: 56]. والصلاة معناها الدعاء والدعاء نوع من أنواع الطلب ويكون من أدنى إلى أعلى وعليه فمعنى صلاة الله على نبيه رحمته ورضوانه ومن الملائكة دعاء واستغفار، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره.
وللصلاة عليه فوائد عظيمة وقد ذكر ابن القيم تسعا وثلاثين فائدة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه «جلاء الأفهام في فضل الصلاة على خير الأنام»، ورفقة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقنضي منا كثرة السجود فعن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: « سل؟ ". فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: «أو غير ذلك" قلت: هو ذاك. قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» [رواه مسلم والنسائي وأبو داود.].
اترك تعليق