في ربوع مصر المحروسة.. تقف العديد من المنازل والمباني الاثرية شاهدة بشموخ علي تاريخ الدولة المصرية.. ومع تقادم السنين يشعر المواطن إليها بالحنين.. ويتساءل في حزن شديد: لماذا أهملت هذه الثروة المعمارية التي ليس لها مثيل في العالم؟.. ولماذا تركناها حتي وصلت إلي هذه الحالة السيئة من الاهمال.
و"الجمهورية أون لاين" تدق ناقوس الخطر وكلها امل في سرعة انقاذ هذه المنازل التي خلدها التاريخ واسقطناها نحن علي مدار العصور الماضية من الذاكرة.
تزخر مدينة رشيد بالعديد من الاثرية والتاريخية والتي يصل عددها لـ 22 منزلا، يبوح كل منها بأسراره وهو ما وضعها كثاني اكبر مدينة تحوي اثاراً اسلامية في مصر بعد القاهرة ولعل ابرز ما يميزها منازلها التاريخية التي تتميز بتصميمات معمارية فريدة لا تجدها في مكان اخر.
يعد منزل "رمضان" واحداً من اهم المنازل الاثرية في رشيد نظراً لتصميمه المعماري الفريد من ناحية ولدوره في الاحداث التاريخية من ناحية اخري، إذ كان مقراً لسكن حاكم رشيد وقت الحملة الفرنسية ومنه انطلقت المقاومة ضد حملة فريزر.
يقع المنزل عند ملتقي شارعي بورسعيد وشارع جانبي صغير وهو أحد ستة منازل عثمانية لا تزال موجودة بهذا الحي ويرجع تاريخ بنائه إلي القرن 12 هـ ــ 18 م، وسمي باسم اخر من تملكه الحاج اسماعيل رمضان.
وقف منزل "رمضان" شاهدا علي الكثير من الاحداث التاريخية حيث كان المنزل مقراً لحاكم المدينة في العصر العثماني عثمان خجا وهو حاكم عرف بظلمه وجمعه للمال وعند دخول الفرنسيين مصر أسروا عثمان خجا ونقلوه من الاسكندرية إلي رشيد وادخلوه البلد وهو مكشوف الرأس حافي القدمين وطافوا به رشيد يزفونه بطبولهم حتي وصلوا إلي داره حيث منزل رمضان وقطعوا رأسه تحتها وعلقوه علي شباك المنزل وتركوه امام المارة بالسوق ارهاباً لأهل رشيد، ولكن هذا الفعل أتي بنتيجة عكسية كما ورد في العديد من الروايات إذ فرح اهل رشيد بهذا الإعدام لأن عثمان خجا كان شديد الظلم لأهل رشيد.
يتكون المنزل من أربعة أدوار ويطل علي الشمال والغرب بواجهتين الواجهة الشمالية بها ثلاثة مداخل أولها يؤدي إلي داخل المنزل وهو مدخل بارز يتوسطه باب ذو خوخة أما المدخل الثاني فهو بارز يتوسطه باب من ضلفتين يؤدي إلي الوكالة،وعلي المدخلين زخارف بالطوب المنجور قوامها اشكال متدرجة "شمعدان"، اما الباب الثالث فيؤدي إلي حجرة السبيل وهو معقود أيضاً.
يعتبر بيت الأديب الكبير عباس محمود العقاد واحدا من أشهر المنازل التاريخية بمدينة أسوان.. ويحمل بين جنباته العديد من الذكريات الخالدة لعملاق الادب العربي لذلك تم تسجيله ضمن التراث المعماري وفقا لقرار رئيس الوزراء رقم 2056 عام 2007.. ويحتاج منزل العقاد حاليا إلي تدخل عاجل وسريع من المسئولين لترميمه بسب تعرضه لخطر الانهيار في الفترة الاخيرة حيث بدأت أعمال الترميم منذ 4 سنوات ولكنها توقفت فجأة لعدم وجود جهة محددة تتولي اجراءات الترميم لدرجة ان البيت مازال محملا علي السقالات الخشبية طوال السنوات الماضية.
تقول رشا عبدالعزيز العقاد حفيدة الاديب الراحل إن بيت العقاد تم انشاؤه علي مساحة 220 مترا في شارع عباس فريد بوسط مدينة اسوان، ويتكون من 3 طوابق بنظام الحوائط الحاملة المقامة بالأحجار والاسمنت اما السقف فهو مقام من الخرسانة المسلحة وتم تسجيله ضمن التراث المعماري لذلك لا نستطيع ترميم هذا المنزل بأنفسنا ويجب موافقة السلطات المختصة علي اي اجراءات للترميم قبل الشروع في تنفيذها.
اوضحت ان الطابق الاول للبيت يتكون من صالون كان يعقد فيه العقاد لقاءاته اليومية مع اصدقائه وتلاميذه خلال فترة تواجده بأسوان حيث كانت هذه اللقاءات تقام بشكل يومي في البداية ولكن مع تقدم عباس العقاد في العمر اصبحت اللقاءات تقام 3 مرات اسبوعيا فقط.. علاوة علي وجود غرفة للسفرة واخري للجلوس مع اسرته علاوة علي غرفة لوالدة العقاد رحمها الله اما الطابق الثاني يتكون من غرفة للنوم ومكتب للعقاد شهد تأليفه لكتاب حقائق الإسلام وأباطيل خصومة والذي تم نشره في عام 1957.
قالت حفيدة العقاد إن العمل في انشاء المنزل بدأ في عام 1948 وانتهي البناء بالكامل في اواخر عام 1949، وسكن العقاد لأول مرة المنزل في اول زيارة له لمدينة اسوان في شتاء 1950 وكان يتردد عليه حتي وفاته في عام 1964.
اشارت إلي أن منزل العقاد معرض للانهيار في اي لحظة بسبب قيام احد الجيران بأعمال ازالة مما ادي إلي حدوث تشققات وتصدعات في اجزاء كبيرة من المنزل ووعدنا المسئولين في اسوان منذ بضعة سنوات باجراء ترميمات لهذا المنزل وبالفعل تم وضع سقالات خشبية في المنزل لتحميل السقف حتي لا ينهار علينا ومنذ ذلك الوقت لم يحدث اي جديد ومازال الوضع كما هو عليه.
وناشدت المسئولين سرعة التدخل لترميم منزل الاديب الكبير عباس العقاد حتي لا يتعرض للانهيار في اي لحظة.
قنا ــ عبدالمنعم منصور
يعد قصر مكرم باشا عبيد المفكر القبطي ووزير المالية ووزير المواصلات في حكومات الوفد وفي وسط مدينة قنا صرحاً تاريخياً ضخماً يعود بناؤه لأواخر القرن التاسع عشر ومسجل كأحد الآثار التاريخية ذات الطراز المعماري الفريد لما يحتويه من رسوم وزخارف رائعة واطلق عليه الاهالي قصر الوحدة الوطنية عندما قال مكرم باشا عبيد مقولته الشهيرة نحن مسلمون وطنا ونصاري دينا.
اكد الخبير الاثري ايمن هندي ان قصر مكرم باشا عبيد يعد من أهم القصور التاريخية التي تم بناؤها في الفترة ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ومبني علي الطراز الايطالي حيث نفذ اعمال البناء مهندسون ايطاليون ويتضح ذلك من الرسومات والنقوش داخل القصر وخارجه.
والقصر كان حتي سنوات قليلة يستخدم كمدرسة ابتدائية تحت اسم مدرسة سيدي عمر الابتدائية وسبق أن قام بشرائه اكثر من مشتر بغرض ازالته وبناء برج في وسط المدينة إلا أن أجهزة الحكم المحلي رفضت ترخيص البناء لانه مبني اثري فقام احد المشترين بهدم اجزاء من القصر وبعدها بفترة نشب حريق في القصر وتم العثور علي جراكن بنزين داخله مما يؤكد ان الحريق بفعل فاعل وتسبب الحريق في انهيار اجزاء من السور ومن داخل القصر.
اضاف ان القصر يحتوي علي رسوم وزخارف، وتوجد به تفاصيل معمارية مميزة مثل البرافانات، والاعمدة ذات الطراز الكورنثي والمداخل الرخامية اما السلم الرئيسي فهو علي الطراز "المروحي" مزين بزخارف خشبية علي طراز "الركوكو" و"الباروك" واسقف القصر المعلقة تحتوي علي زخارف ورسوم.
الإسكندرية ليست العاصمة الثانية فحسب لكنها مدينة المشاهير ومهد العظماء ونشأتهم.. بعضهم نال حظه من العناية التراثية والثقافية بمكان نشأته والبعض الآخر ضربه الاهمال وسقط مع الزمن.
ومن مشاهير الاسكندرية قسطنطين "كفافس" الشاعر اليوناني المصري المعاصر والذي يطلق عليه روح الاسكندرية النابض وولد بشارع ضيق كان يطلق عليه اسم شرم الشيخ والان يحمل اسمه ويحرص العشرات من اليونانيين علي زيارة منزله اعتزازا بتاريخه حيث ألف ما يقرب من مائتي قصيدة شعرية ونال العديد من الجوائز ومات وهو اخرس بعد ان اصيب في السنوات الاخيرة من عمره بمرض سرطان الحنجرة وهو ما أعجزه عن الكلام.. وحولت وزارة الثقافة منزله لمتحف يضم قصائده وجوائزه وبالرغم من عدم استكمال تعليمه لظروفه العائلية حيث توفي الده وهو طفل ولديه ثماني اشقاء فإنه علم نفسه بنفسه فأتقن الانجليزية والفرنسية والايطالية.
ولم يكن لمنزل سيد درويش فنان الشعب وصاحب العديد من الاغاني الشهيرة حظ حيث اصاب منزله بمنطقة كوم الدكة بالعطارين الاهمال وتحول لخرابة وعاني من الاهمال علي الرغم من المطالبة بالحفاظ عليه وعلي الرغم من ذلك يحرص ابناء الثغر علي احياء ذكراه في موعدها بمنطقة كوم الدكة لتذكير الشباب به.
لم ينل ايضا شاعر العامية الشهير بيرم التونسي بالسيالة حظه من الحفاظ عليه وكان يتردد عليه فيه أم كلثوم وزكريا احمد وغيرهم الا ان العقار اصابه الاهمال وهدم ليحل محله برج سكني وبالطبع لم يعد يتذكره ابناء المنطقة ولم يبق من ذكري بيرم التونسي سوي اسمه علي الشارع.
لم يختلف الحال بالنسبة لمنزل عبدالله النديم خطيب الثورة العرابية بغرب الاسكندرية الذي ألف ما يقرب من 7 آلاف بيت شعري وروايتين والمكون من اربعة طوابق وتعرض للتصدع والشروخات وانتشرت الروائح الكريهة منه وبدأت أعمدته في الانهيار ولا يزال اهالي الاسكندرية يطالبون بانقاذه.
اما منزل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فلا يزال شامخا بشارع القنواتي بباكوس بعدما تم انقاذه علي فترات.
تقول حنان شلبي وكيل وزارة الثقافة السابقة إن العقار شهد مولد جمال عبدالناصر وعاش به حتي المرحلة الابتدائية وكان يعاني من الاهمال وتم بيعه بعد ان اتم عبدالناصر دراسة المرحلة الابتدائية بثلاثة آلاف جنيه، ثم قرر الرئيس أنور السادات تحويله لمتحف وتم شراؤه بـ 30 الف جنيه وترك بعد ذلك لظروف البلاد وهجر من جديد حتي قررت الدولة اعادة احياء الفكرة في عهد وزير الثقافة حلمي النمنم ليتحول لمتحف بتكلفة قدرها مليون و350 الف جنيه حيث تم تزويده بمكتبة تضم 1636 كتاب يتناول تاريخ مصر وتزويد المتحف بقاعة بوسائط متعددة وافلام تسجيلية عن حقبة عبدالناصر ويقع مساحته علي 160 متر وبه خمس حجرات ومكتبة سمعية وبصرية ويقع العقار بأرض مساحتها 380 مترا وتم استغلال باقي مساحة العقار بمسرح مكشوف ويفتح المتحف ومكتبته أبوابهم بالمجان لأهالي المنطقة والاطفال الراغبين في القراءة والتعلم.
محافظة الغربية توجد بها ثورة معمارية وتاريخية من القصور والفلل الاثرية معظمها مهددة بأخطار مختلفة منها قصر الاميرة فريال الذي تم اغلاقه منذ اكثر من 20 سنة ولم تتدخل وزارة الاثار لإنقاذه، مما يستدعي تدخل المسئولين لإعادة الروح لهذا القصر.
ويعتبر من أهم تلك القصور التاريخية بالمحافظة قصر الاميرة فريال بطنطا والذي يواجه العديد من المخاطر.. حيث إنه مغلق منذ سنوات حتي اصبح مرتعا للفئران واكوام الاتربة التي شوهته.. ناهيك عن حالته المعمارية السىئة التي جعلته يحتاج إلي تدخل عاجل لترميمه خاصة انه ظل يستخدم كمدرسة مما عرضه لانتهاكات كثيرة، وبعد نقل المدرسة اهملت وزارة التربية والتعليم القصر إلي أن أصبح في حالة سيئة جدا.
يعد قصر الاميرة فريال تحفة معمارية فائقة الجمال والروعة.. ويتميز بالبنايات النادرة التي تعبر عن طراز الباروك والركوك التي ظهرت في عصر النهضة في أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر بسمات العمارة الإسلامية.
يعود بناء هذا القصر إلي النصف الاول من القرن العشرين حيث بناه عبدالحميد باشا بهجت احد اعيان مديرية الغربية في العقد الثاني من القرن الماضي.. وفي اربعينيات القرن الماضي اطلق علي القصر اسم روضة الاميرة فريال تكريما للأميرة التي قدمت بصحبة والدها الملك فاروق في ذلك الوقت لزيارة مدينة طنطا.. ثم باعه صاحبه في اواخر ايامه إلي الدماطي باشا الذي باعه لأحد التجار في طنطا وهو رشيد توكل وهو شامي الاصل ثم انتقلت ملكيته لأحد ابنائه والقصر مسجل حاليا في الشهر العقاري باسمه ولكنه قام بعرض القصر للبيع او الايجار بسبب عدم قدرته علي الاستفادة منه خاصة بعد سوء حالته التي تحتاج إلي تكاليف باهظة لترميمه واعادته كما كان.
يحاول ملاك القصر رفع قضايا متعددة للحصول علي احكام قضائية لهدم القصر واقامة مول تجاري عليه.
مازال بيت الزعيم أحمد عرابي بقرية هريه رزنه مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية يقف شامخا وشاهدا علي عصر من اهم عصور وفترات حكم الدولة المصرية.. في هذا المكان كان يعيش عرابي الذي خطط وقاد واحدة من الثورات التي غيرت وجه الحياة بمصر.
يعتبر منزل الزعيم عرابي اهم مبني تاريخي في المحافظة، وعمره 200 عام، شهد علي مرور الزمان حيث ولد به وشهد طفولته وشبابه وتدرجه في المناصب ما شهد بطولاته ونكباته.
والمنزل موجود بطرازه القديم وعلي جدرانه الداخلية اطر خشبية "تحمل وثائق تاريخية" منها خطاب تكليف محمود سامي البارودي رئاسة الوزارة التي استمرت نحو اربعة أشهر اضافة إلي خطاب من الخديو توفيق بنفي عرابي وحالته قديمة ومتهالكة إلا أنه مازال صامدا يحكي التاريخ رغم انهيار بعض اجزائه ويحتفظ المنزل بشكله القديم وبابه الخشبي ويضم المنزل ثلاث حجرات، وفي الغرفة الرئيسية مصطبة طينية طولها متران وعليها مرتبة من القطن مغطاة بملاءة تعود إلي ما يقرب من 50 عاما، كما يقصد منزله العديد من السياح.
وقامت الآثار بترميم منزل عرابي ضمن خطة تهدف إلي ترميم وتطوير منازل ومقار اقامة زعماء الامة بمختلف محفاظات مصر حفاظا عليها ولكي تكون نبراسا تقتدي به الاجيال القادمة اضافة إلي دور هذه المتاحف النوعية في تنشيط حركة السياحة.
اترك تعليق