بقلم/ أحمد سليمان
[email protected]
من كان يتصور يوماً أن تعترف بريطانيا (المملكة المتحدة) بالدولة الفلسطينية المستقلة؟ بينما بريطانيا هى صاحبة وعد بلفور، التى اختارت الأراضى الفلسطينية لتكون وطناً قومياً لليهود، وصار يطلق عليها المثل الشهير " من لا يملك منح من لايستحق".
ومن كان يصدق أن فرنسا ـ إحدى دول العدوان الثلاثى على مصر فى 29 سبتمبر 1956 ـ مع بريطانيا وإسرائيل تعترف بالدولة الفلسطينية وبهذه الطريقة الرائعة التى نقلتها وسائل الإعلام العالمية؟
ومن كان يصدق أن دولاً كانت معروفة بولائها ودعمها المستمر لدولة الكيان المحتل مثل استراليا وإسبانيا ومعهما كندا ومن قبلها دول أوروبية أخرى مثل النرويج والدنمارك وإيرلندا وسلوفينيا تقدم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبهذه السلاسة؟
ومن كان يصدق حتى وقت قريب أن تجرى القوات المسلحة المصرية مناورات عسكرية مع القوات المسلحة التركية؟، ومن كان يصدق أن يحدث تقارب مصرى إيرانى لدرجة أن تكون مصر وسيطاً بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لإعادة التعاون بين إيران والوكالة؟
ومن كان يصدق أن تتحالف المملكة العربية السعودية مع دولة باكستان الإسلامية النووية بعد أيام قليلة من الزيارة المفاجئة التى قام بها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى للمملكة ولقائه الأمير محمد بن سلمان ولى العهد ورئيس الوزراء السعودى؟
ومن كان يصدق أن تكتظ شوارع العواصم الاوروبية بملايين البشر دعماً للقضية الفلسطينية وحل الدولتين الذى تصر مصر عليه كحل وحيد للصراع الأبدى فى الشرق الأوسط؟
ومن كان يصدق أن تصبح إسرائيل معزولة ومنبوذة ومحتقرة بهذا الشكل من دول العالم وشعوبها ورياضييها وفنانيها وكبارها وصغارها؟.
من كان يصدق أن يتغير ميزان القوى فى منطقة الشرق الأوسط ليكون فى صالح مصر؟ هذا الميزان الذى كان يميل بقوة لصالح دولة الاحتلال بإصرار كبير من جانب الولايات المتحدة ، التى كانت ومازالت حريصة على ألا يحدث تفوق عسكرى مصرى على دولة الاحتلال لدرجة منع بيع أسلحة بعينها لمصر ومنحها لدولة الاحتلال لضمان التفوق التسليحى للإبنة المدللة للولايات المتحدة الأمريكية حتى لا تتعرض للهزيمة إذا حدثت مواجهة عسكرية، كما حدث فى حرب السادس من اكتوبر المجيدة.
لقد رزقنا الله برئيس وطنى مخلص أمين استطاع قلب ميزان القوى لصالح مصر بتنويع مصادر السلاح فأصبحت القوات المسلحة المصرية مصدر رعب كل لحظة لحكومة الاحتلال وجنرالاتها الذين قال أحدهم إنه لو قامت حرب بين مصر ودولة الاحتلال فإننا "مش هناخذ فى إيد المصريين غلوة"، كما كان رئيسنا على قدر التحدى واستطاع خلال عشر سنوات بناء اقتصاد قوى تمكن من الصمود أمام الهزات الاقتصادية العالمية، بل وتحقيق معدلات نمو مرتفعة مع توقعات من المؤسسات الدولية بارتفاع معدل النمو الاقتصادى المصرى خلال العام المقبل.
من كان يصدق أن تفشل محاولة حكومة الاحتلال فى اغتيال قادة حماس المتواجدين فى دولة قطر على الرغم من أن جهاز الموساد هو من خطط، وحكومة الاحتلال هى من نفذت، وبعلم من يدعمها ويحميها فى كل المحافل وبصفة خاصة فى مجلس الأمن؟ بينما نجحت محاولاتهم السابقة فى اغتيال اسماعيل هنية قائد حركة حماس السابق أثناء تواجده فى إيران ، وحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبنانى، ومن قبلهما اغتيال عدد كبير من قادة حزب الله فيما سميت "عملية البيجر"؟ الكل يعرف الآن سبب فشل هذه العملية.
ومن كان يصدق حدوث أشياء كثيرة يصعب حصرها، تمثل مصر فيها حجر الزاوية والعنصر الأساسى والمحرك الرئيسى لها ولكل أحداث تقع خلال الفترة القليلة الماضية وتحاول بها إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط، بل وتغيير فكر ورؤى الكثير من دول العالم تجاه العديد من القضايا الدولية.
المتابع لكل ما يحدث من حولنا يجد مصر تفعل كل شئ لتغيير العالم، فالتحركات الحثيثة للدبلوماسية المصرية منذ السابع من أكتوبر 2023 كانت سبباً رئيسياً لتغيير نظرة رؤساء الدول والحكومات والشعوب تجاه القضية الفلسطينية، حتى أن السفير الفرنسى بالقاهرة إيريك شوفالييه قال عقب اعلان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أمس بمقر الأمم المتحدة اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية إن الزيارة التى قام بها الرئيس ماكرون للعريش أثناء زيارته التاريخية لمصر واطلاعه على حقيقة الأوضاع الفلسطينية ومنع قوات الاحتلال دخول شاحنات المساعدات المتجهة إلى الفلسطينيين كان سبباً رئيسياً لاتخاذ فرنسا هذا القرار.
ولعل الصورة المنتشرة للدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء والدكتور بدر عبد العاطى وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج مع الرئيس الفرنسى ماكرون عقب اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية تعبر بصدق عن الفرحة المصرية بما وصلت إليه الجهود المصرية لخدمة القضية الفلسطينية.
وما من مناسبة تحدث فيها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى عن القضية الفلسطينية إلا وأكد فيها أن القوة العسكرية لن تكون حلا للصراع بمنطقة الشرق الأوسط، وأنه لا حل لهذا الصراع إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع ضرورة وقف إطلاق النار فوراً وإنفاذ المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطينى والافراج عن الرهائن والمعتقلين.
وتأتى كلمة السيد الرئيس التى ألقاها نيابة عنه الدكتور مصطفى مدبولى بمقر الأمم المتحدة أمس تصب فى الاتجاه ذاته، فقد قال السيد الرئيس إنه آن الأوان لكى يتحمل المجتمع الدولى مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية، وان حل الدولتين ليس فقط خيارا سياسيا او التزاما اخلاقيا ولكنه ايضا ضرورة أمنية.
ومنذ ايام وعندما وجد السيد الرئيس السيسى حكومة الاحتلال تتمادى فى غيها وتنفذ سياسة الإبادة الجماعية وجه كلامه للشعب الإسرائيلى بأنه سيكون هو المتضرر لو خرجت الأمور عن السيطرة، لأن اتفاقية السلام بين مصر ودولة الاحتلال أصبحت على المحك، وبعد هذه الرسالة المباشرة من السيد الرئيس للداخل الإسرائيلى خرجت تظاهرات بعشرات الألوف أمام منزل رئيس حكومة الاحتلال تطالبة بوقف الحرب فوراً والافراج عن الرهائن، كما أصبح رئيس حكومة الاحتلال هدفاً لسهام المعارضين السياسيين لسياساته فوجهوا إليه عبارات الاعتراض العلنية داخل الكنيست، ووصلت هذه العبارات إلى حد وصفه بالجبان والفاشل والقاتل والباحث عن المجد الشخصى دون اعتبار لأرواح الرهائن.
إن مصر الكبيرة تقوم فعلاً الآن بتغيير شكل الشرق الأوسط وأفكار ورؤى وتوجهات العديد من دول العالم، كما تعيد تشكيل ميزان القوى فى المنطقة، ولا نستبعد قريباً حدوث اتفاقية سلام بين المملكة العربية السعودية وإيران بجهود مصرية، وأن تعود العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين مصر وإيران، وظهور تحالفات عسكرية واقتصادية تقودها مصر فى القريب العاجل.
اترك تعليق