هذه القصص أنار الله سبحانه وتعالى بها الطريق لجميع الأمم لتخرج من ظلمات الكفر والإلحاد إلى أنوار الإيمان والتوحيد، فقال رب العالمين واصفا حال الجن بعد سماع القرآن: "قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم".
وعلى مدار شهر رمضان نتحدث يوميا عن قصة من أحسن القصص التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى.
كان سليمان عليه السلام يمنع الجن والمردة من أن يقوموا بأعمالٍ تؤذي الناس، ويشغلهم بأداء أعمالٍ شاقة تلهيهم عن بني البشر.
قال الله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٍۢ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍۢ رَّاسِيَٰتٍ ۚ ٱعْمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ}.
كان الجن يعمل لسليمان ما يشاء من مساجد للعبادة، وصور من نحاس وزجاج، وقِصَاع كبيرة كالأحواض التي يجتمع فيها الماء، وقدور ثابتات لا تتحرك من أماكنها لعظمهن، وقلنا يا آل داود: اعملوا شكرًا لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره، وقليل من عبادي من يشكر الله كثيرًا، وكان داود وآله من القليل.
روى الحافظ ابن عساكر بالإسناد عن ابن عباس موقوفًا أن سليمان نبي الله عليه السلام كان إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول: كذا، فيقول: لأي شىء أنت؟ فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء أنبتت، فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخرنوب، قال: لأي شىء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، فقال سليمان: اللهم أخف عن الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنَحتَها عصا فتوكأ عليها حولا والجن تعمل فأكلتها الأرضَة فَتَبَيَّنَتِ الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين، ويقال إن الشياطين ينقلون إلى الأرضة الماء والطين حيث كانت.
قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}.
وذكر القرطبي في تفسيره أن أول من بنى بيت المقدس هو داود عليه السلام وقد مات ولم ينته من بنائه، فأوصى سليمان عليه السلام بأن يستكمل بناءه، فأمر سليمان الجن أن يتموا بناءه وكانوا منقادين له، وحينما دنت وفاة سليمان طلب من أهله ألّا يخبروا الجن بوفاته سنة كاملةً حتى يستكمل الجن بناء بيت المقدس، وقيل أن سليمان عليه السلام دعا ربه أن يُعمي عن الجن خبر موته حتى تعلم الإنس وتُوقن أن الجن لا يعلمون الغيب، ولو كانوا يعلمونه ما لبثوا في العذاب المهين سنة كاملة.
ويقال إنه كان عمر نبي الله سليمان عليه السلام حين توفاه الله اثنتين وخمسين سنة، ولبث عليه الصلاة والسلام في الملك أربعين سنة ودفن في بيت المقدس في فلسطين.
اترك تعليق