هذه القصص أنار الله سبحانه وتعالى بها الطريق لجميع الأمم لتخرج من ظلمات الكفر والإلحاد إلى أنوار الإيمان والتوحيد، فقال رب العالمين على لسان الجن: "قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم".
وعلى مدار شهر رمضان نتحدث يوميا عن قصة من أحسن القصص التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى.
قال الله سبحانه وتعالى: "لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ".
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبأ، فقال: هو رجلٌ أنجب عشرة من الأبناء ستٌّ منهم استقروا في اليمن ومن ذريتهم كانت القبائل اليمنية وأربعة في الشام، وكان سبأٌ سيد قومه الذين عاشوا في نِعمٍ لا تُعدُّ ولا تحصى من كثرة الثمار والزروع ووفرة الماء وخصوبة التربة وكانوا آنذاك على دين الله متبعين شرعه وتعاليمه.
ونظرًا لوفرة المياه وجريانها بين جبليْن بوادٍّ يُسمى العَرِم أمر سبأ بإنشاء سدٍّ من الحجارة والقير وجعلوا له أبوابًا لحجز تلك المياه والاستفادة منها في الزراعة وأُطلق على هذا السد اسم سد مأرب، وكان لهم ما أرداوا فقد ازدادوا نعيمًا إلى نعيمهم وتزايد إنتاجهم الزراعي.
كانت بساتينهم ومزارعهم كالجنان وكانوا في عيش رغيد وأيام طيبة حتى أن المرأة كانت تمر بالمكتل على رأسها فيمتلئ من الثمار المتساقطة فيه من كثرته ونضجه، ولم يكن في بلادهم شيء من البراغيث ولا الدواب المؤذية لصحة هوائهم وطيب عيشهم.
ومع تعاقب السنوات وتعدد الأجيال بدأوا بالانحراف عن شريعة الحق التي كان عليها سلفهم فبطروا في معيشتهم وعبدوا غير الله إذ كانوا من عبدة الشمس، وكنتيجةٍ ذلك الكفر بالله وبنعمه سُلبوا كل تلك النعم وأصبحت بلادهم خرابًا.
أرسل الله الفأر على أصل السد، وهو الجرذ ويقال: الخلد. فلما فطنوا لذلك رصدوا عندها السنانير فلم تغن شيئا إذ قد وقع القدر ولم ينفع الحذر، فلما بدأت الجرزان تحفر في أصل السد سقط وانهار فسلك الماء القرار، فقطعت تلك الجداول والأنهار ، وانقطعت تلك الثمار ، وبادت تلك الزروع والأشجار، وتبدلوا بعدها برديء الأشجار والثمار، فبعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة والظلال العميقة والأنهار الجارية تبدلت الجنتين إلى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل.
وقال الله تعالى: "فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ"، وذلك أنهم لما هلكت أموالهم وخربت بلادهم احتاجوا أن يرتحلوا منها وينتقلوا عنها فتفرقوا في البلاد، فنزلت طوائف منهم بالحجاز ثم نزلت عندهم ثلاث قبائل من اليهود: بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير فحالفوا الأوس والخزرج.
ونزلت طائفة أخرى منهم بالشام وهم الذين تنصروا فيما بعد، فتشتتوا في البلاد وتفرقوا بعد أن كانوا يعيشون جماعة واحد في عيش رغيد.
اترك تعليق