حينما النبي صلي الله عليه وسلم نزل المدينة كان لكلثوم بن الهدم مربدا فأخذه النبي صلي الله عليه وسلم واتخذه مسجدا وهو مسجد قباء الذي أسس علي التقوي من أول يوم.

ولما استقر النبي- صلي الله عليه وسلم- في دار أبي أيوب بدأ ببناء مسجده- صلي الله عليه وسلم- وبني حجر أزواجه حول المسجد. وفي أثناء ذلك مات أسعد بن زرارة أحد النقباء رضي الله عنه.. وقد أسس النبي- صلي الله عليه وسلم- تسعة بيوت حول المسجد في الجهة الجنوبية والشرقية والشمالية.. وقد أخذ النبي- صلي الله عليه وسلم- في تأسيسها واحدًا بعد الآخر فبني أولا بيتًا لسودة بنت زمعة. كما بني بيتًا ثانيًا لعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما. فهما زوجتاه حين الهجرة وبعد ذلك كان- صلي الله عليه وسلم- كلما أحدث أهلا بني بيتًا. واستمر هكذا حتي بني سائر البيوت. وعددها تسعة.

والأرض التي أقيمت فيها البيوت كانت مملوكة لحارثة بن النعمان الخزرجي رضي الله عنه وكان يتنازل لرسول الله- صلي الله عليه وسلم- عن الأرض بقدر الحاجة. فكلما بني النبي بزوجة تنازل الحارث لرسول الله عن أرض لإقامة بيت لها فيه.. وأول البيوت تأسيسا هو بيت سودة وثانيها هو بيت عائشة الذي يلي الروضة مباشرة من جهة الشرق. وفيه دفن رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو الذي يعرف الآن بالحضرة النبوية وقد أقيم فوقها قبة خضراء بعد وفاته- صلي الله عليه وسلم- وبعدها كان بيت سودة بنت زمعة رضي الله عنها ملاصقًا لبيت عائشة من جهة الشرق. وقد بني النبي- صلي الله عليه وسلم- بيتًا لابنته.

وبعد نزول النبي- صلي الله عليه وسلم- جاءه عبد الله بن سلام رضي الله عنه وهو وقتئذ من أحبار اليهود وكبرائهم فأسلم وكتم إسلامه وطلب من النبي- صلي الله عليه وسلم- أن يسأل اليهود كيف هو فيهم؟.. وقد سألهم النبي- صلي الله عليه وسلم- فأثنوا عليه خيرا فلما علموا بإسلامه أساؤوا إليه وشتموه.

بدأ تلاحق المهاجرين بعد ذلك من مكة. وآخي النبي- صلي الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار. وكتب الموادعة بين المسلمين واليهود. وبعد قدومه شرع الأذان. وعلم أصحابه كيف يقومون به. كما وقع لبعض الصحابة الحمي فدعا النبي- صلي الله عليه وسلم- فأبعدها الله عن المدينة إلي الجحفة. وولد للمسلمين أول مولود في المدينة عبدالله بن الزبير بن العوام فكان أول مولود في أول دولة للمسلمين مؤذنا بعصر جديد.

آخي الرسول- صلي الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار.إذ قال لهم: تآخوا في الله أخوين أخوين. ليتحقق الترابط. والتكافل فيما بينهم.. ولم تكن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فقط. وإنما كانت تتم أحيانًا بين مهاجر ومهاجر. فلقد آخي النبي- صلي الله عليه وسلم- بينه وبين علي بن أبي طالب. وآخي بين عبدالله بن الزبير وعبدالله بن مسعود. وآخي بين عمه حمزة وبين زيد بن حارثة وكل هؤلاء مهاجرون.

وابتدأت المؤاخاة في مسجد رسول الله- صلي الله عليه وسلم- عند أول مجيئه- صلي الله عليه وسلم- وكانت تتجدد كلما ظهر مسلم جديد. أو جاء المدينة مؤمن مهاجر.. وهذا ترسيخ لقيم التَّكافل الاجتماعي بين المسلمين علي اختلاف أنسابهم وأعراقهم. فيتآخي الغنيُّ والفقير ويتقاسمان ما يملكان.