يترقب الشارع المصرى ما سوف تسفر عنه مناقشات لجنة الحوار الوطني حول موضوع الدعم، وهل سيستمر الدعم العينى ام سيتحول إلى نقدى، ام المزج بينهما فى منظومة واحده، لما تمثله قضية الدعم من أهمية لقطاع كبير وشريحة عريضة من الشعب المصرى، ولما لها من تأثير على الحالة الاقتصادية والاجتماعية ومستوى معيشة الفرد والأسرة.
"الجمهورية أون لاين" طرحت السيناريوهات الثلاثة التى تم طرحها على طاولة الحوار الوطنى على الخبراء والمتخصصين، وهى الابقاء على الدعم العينى أو إلغائه واستبداله بالدعم النقدى أو المزج بين النظامين.
أكد عدد من الخبراء والمتخصصين أن لكل من هذه الانظمة الثلاث مميزاته وعيوبه، وبالتأكيد أن الحوار الوطنى سيستمع لكافة الآراء للوصول إلى السيناريو الأفضل للمواطن ويخدم عملية التنمية فى مصر.
يقول د.محمد يونس عميد كلية تجارة جامعة الأزهر السابق أن الدعم يمس 70% من عدد السكان فى مصر حيث توجد شريحة جديدة من السكان تُصنف على أنهم فقراء ومحدودو الدخل وهم فى أشد الحاجة إلى هذا الدعم، خاصة فى ظل ارتفاع الأسعار وتزايد معدلات التضخم التي نشهدها حاليًا فقد وضعت القيادة المصرية نصب عينيها الفقراء ومحدودي الدخل، كما انحازت للحياة الكريمة للفقراء وسعت لتوسيع مظلة الضمان الاجتماعي لتوفير السلع الأساسية والتموينية والاستراتيجية لهؤلاء الفقراء ومحدودى الدخل، منوها إلى أن الفقراء لديهم قدرة محدودة على شراء السلع ولا يوجد لديهم أى مدخرات لأن دخلهم لا يكفى.
أوضح انه ضد إلغاء الدعم والذى يجب أن يبقى، لأن نسبة مخصصاته لا تشكل حجمًا كبيرًا فى الموازنة العامة للدولة وبالتالى القيادة السياسية لن تلغي الدعم لانها منحازة تمامًا لصالح الفقراء ومحدودي الدخل وهذه الشريحة تمثل حوالي 70% أو 60% من إجمالي عدد السكان وهي تعتبر قوة مهمة في عوامل الإنتاج.
أضاف أن شريحة محدودي الدخل تساهم في القيمة المضافة والناتج المحلي لذا يجب علينا رعايتها والانحياز لها.. مشيراً إلي أن دور الحكومة هو تعويضهم من خلال توسيع مظلة الضمان الاجتماعي ومنافذ بيع القوات المسلحة ومنافذ البيع بأسعار مناسبة.
واضاف انه يمكننا استبدال الدعم العيني بالدعم النقدي حيث إن المواطن الفقير أو محدود الدخل يعرف احتياجاته وأولوياته لذلك يجب توسيع مظلة الضمان الاجتماعي في قطاع الصحة والتعليم والرواتب التي يحصلون عليها من الشئون الاجتماعية.
من جانبها تقول د.أمل شمس استاذ علم اجتماع بجامعة عين شمس ان قرار مجلس الحوار الوطني بشان الدعم "الغائه/ بقاءه/ نسبي" وتحويله من دعم عيني الي دعم نقدي قرار جيد يخدم مصلحة الشعب المصري ولكن يجب وجود مرونة في التعامل مع هذا الملف فمن المفترض ان يقدم الدعم لمن يستحق لان احيانا يتم اعطاء هذا الدعم لمن لا يستحق كفئة اصحاب الأعمال الحرة ورجال الاعمال وبناء علي هذا جاءت فكرة مفردات المرتب لمعرفة الحد الأقصي للأجور ويتم فصل من لا يستحق عن بطاقات التموين باعتباره لا يستحق.
أضافت ان هذا الدعم فكرة جيدة للمواطن الذي يستحق ان تسانده وتدعمه الدولة ويجب وجود دخل فعلي. ومعرفة من يستحق الدعم ومن يكون خارج الدعم، يبقي خارج التصنيف مع الاخذ بعين الاعتبار القوة الشرائية للجنيه حيث من كان لا يستحق منذ عام أو عامين أصبح الآن يستحق نتيجه لزيادة الاسعار والتضخم.
أقترحت د. أمل دراسة خط الفقر وعدد المستحقين وغير المستحقين وتصنيف الناس لطبقات تكون واضحة ومعروفة ومعلنة للجميع فيجب ان يكون الدعم النقدي مشروط ومقيد لتلبية الاحتياجات الاساسية للاسرة، فبعض الناس تاخذ سلع لا تريدها وبعض التجار يقومون بتوفير بعض السلع، علي طريقة "هو ده الموجود"، كذلك في الخبز، فان اعطاء النقود بدلا من السلع سيكون جيدا للبعض من المواطنين.
الدعم العينى هو الحل الأنسب
أكد الدكتور رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهره ان نظام الدعم شهد جدلاً واسعاً هذه الفترة حيث يتواجد نوعان رئيسيان هما الدعم النقدى والدعم العينى موضحاً ان دعم السلع يجب ان يكون أكثر وضوحاً وتحديداً.
واشار إلى ان معظم دول العالم تعتمد بشكل كبير على الدعم النقدى لآن هذه الحكومات تعتمد على سياسات رقابية تمكنها من فرض الالتزامات علي التجار وهذا ما يعرف بالتنافس الكامل حيث يساهم فى ضمان توفير السلعة الأساسية والاستراتيجية لمواطنيها بجودة واسعار مناسبة، وتتيح المنافسة الكاملة فى منظومة اقتصادية تتميز بعدد كبير من التجار الذين يعرضون السلع وعدد ضخم من المستهلكين الذين يسعون لشراء هذه السلعة ويتميز التجار بتقديم اسعار عادلة لجذب الزبائن.
واصل: يلاحظ ان عند وجود مائة تاجر يقدمون سلعة معينة، إذا قام خمسون تاجرا برفع سعر هذه السلعة سيختار المشترى البائع الأرخص، والتاجر الذى يرفض المنافسة العادلة سيكون أمام خيارين: إما خفض سعره ليكون فى متناول المستهلكين او الانسحاب من السوق لدخول تجار جدد يقدمون اسعار عادلة.
وأضاف ان المواطنين المصريين مستاءون من ارتفاع الأسعار والسلع الغذائية الأساسية في الأسواق حيث تتمحور المشكلة حول ظاهرة احتكار وسيطرة عدد محدود من التجار علي السلع الأساسية مثل: الدجاج واللحوم والأغذية وهذه الأعداد القليلة تفرض أسعارا مرتفعة دون أي ضغط من الحكومة مما تتيح الفرصة لاستغلال الموقف ورفع الأسعار.
وأوضح ان قلة من التجار قد يتفقون فيما بينهم لرفع الأسعار مما يؤدي إلي تحول الاحتكار من حالة قلة إلي احتكار مطلق.
ولفت إلي ان النظام النقدي يؤثر سلباً علي المواطن المصري حيث يجد الكثيرون صعوبة في التأقلم مع تقلبات الأسعار.
وأكد ان نظام النقد العيني أسهم في توفير بعض السلع الأساسية للمواطن مثل الأرز والخبز والسكر والزيت.
والدعم النقدي لا يصلح لمصر رغم ان الحكومة تسعي إلي تطبيق هذا النظام وان لجنة الحوار تضم عدداً كبيراً من الاقتصاديين الحكوميين وليس الشعبيين!!.
وتساءل. لماذا يلغي الدعم علي الرغم ان أغلبية دول العالم تطبق الدعم ولكن بطرق مختلفة وليس علي السلع فقط فالولايات المتحدة الأمريكية تطبق الدعم في التعليم وتتيح فرص أفضل للطلاب بريطانيا تطبق دعماً في القطاع الصحي.
طالب بضرورة استمرار دعم السلع الأساسية للفئات الأكثر احتياجاً. منوها إلي ان الدعم العيني من أفضل الأساليب حالياً حيث يساهم في تخفيف الأعباء علي المواطنين وفي نفس الوقت يحقق التوازن ويعززه في السوق لتوافر السلع الأساسية للمواطنين.
وأشار الي أن تطبيق الدعم النقدي قد يكون له تأثير سلبي في حال الزيادة المستمرة في الأسعار مما يؤثر سلباً علي مستوي المعيشة خصوصاً مع استمرار التضخم وانخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية.
الدولة مسئولة
ومن جانبه يقول الدكتور عمرو يوسف استاذ الاقتصاد والتشريعات المالية والضريبية المساعد بأكاديمية الاسكندرية للإدارة والمحاسبة أن ما بين الدعم السلعي والدعم النقدي تتجلي أهمية استحداث طرق فعالة لضمان وصول الدعم إلي مستحقيه بغض النظر عن نوع الدعم المقدم تعتبر الدولة مسئولة عن توفير هذه المنظومة كجزء من الحماية الاجتماعية مما يفرض عليها أعباء إضافية علي موازنتها المالية في ظل محدودية الموارد وزيادة الحاجات.
أضاف أن التحديات المرتبطة بالدعم تتعلق بعدم وصوله إلي المستحقين الحقيقيين، وعلي مدار السنوات سعت الدولة لتنقيح قوائم المستفيدين ورصد معايير معينة لاستبعاد غير المستحقين مثل امتلاك سيارة حديثة أو حيازة زراعية.
أوضح ان توجيه الدعم من سلعي إلي نقدي يمثل جزءًا مهمًا في حل هذه المشكلة ولكن لنجاح هذا النظام يجب توافر عدة شروط وهي تنقيح قوائم المستحقين يجب وضع آليات دقيقة لفصل غير المستحقين حيث يمكن استخدام بيانات الاستهلاك كمعيار رئيسي وضبط الأسعار. فمن الضروري مراقبة الأسعار بشكل صارم لتفادي أي انفلات قد يحدث نتيجة تطبيق الدعم النقدي يجب أن يكون هناك نظام رقابي فعال يشمل الدولة ومنظمات المجتمع المدني بالإضافة إلي تعزيز الوعي الشعبي لمراقبة الأسواق. مؤكدا أنه إذا تم دعم هذه الأطر وتطبيقها بشكل جيد يمكن أن تنجح منظومة الدعم النقدي وتحرر الدولة من قيود مراقبة الدعم السلعي كما هو الحال الآن.
الحصن الآمن
ويقول الدكتور جمال حماد استاذ علم الإجتماع الإقتصادي بكلة الاداب جامعة المنوفية ان دعم الدولة للمواطنين يمثل الحصن الآمن من تقلبات الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها مصر خاصة في ظل الاخطار السياسية الدولية والحروب التي تدور حولها هذه الايام.
أضاف أن دعم الدولة للمواطنين الاكثر احتياجا لتوفير السلع الاساسية اصبح منظومة لا يستطيع المواطن الاستغناء عنها منذ بدايتها في القرن الماضي حيث تمثل نوعا من التكافل الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها. مشيرا إلي تفكك هذه المنظومة بالتدريج عبر الزمن كدعم الصحة والتعليم والمواصلات وغيرها. علاوة علي دعم السلع الغذائية والخبز الذي يتحرك سعرهم باستمرار نتيجة لعوامل اقتصادية كثيرة.
أوضح أن إلغاء الدعم أصبح أمراً واقعاً ويتم بالتدريج ولهذا لابد ان يضع الدارسون في الحوار الوطني هذا الامر نصب اعينهم وايضا تأثير الالغاء علي الاحوال المعيشية للمواطنين.
اما الدعم النقدي - حسب د. حماد - فلابد ان يراعي المسئولين تغيرات قيمة العملة التي يرتبط تسعير المنتج علي اساسها ففي ظل عدم ثبات قيمة الجنيه وانخفاض قيمته لابد ان يكون المبلغ الذي يتم دعم الفرد به متغيراً. وليس ثابتاً مع مراعاة انه من الممكن ان لا يستفيد به المواطن في شراء السلع الاساسية ويشتري سلع أو خدمات اخري تعتبر ضرورية له وهكذا لن تضمن الدولة تقيد المواطن باستهلاك قيمة الدعم في الاساسيات.
طالب د. حماد ان يكون الدعم النقدي موجها لتلبية الاحتياجات الاساسية بمنظومة محكمة.
فعلي سبيل المثال لو ان قيمة الدعم للفرد 1000 جنيه شهريا كيف سيحصل عليها لو كان موظفا أو علي المعاش أو بدون عمل وهل سيوجهها إلي شراء الخبز والزيت والسكر الخ ؟ ام انه قد يلبي بها احتياجات اخري؟.
تساءل. هل ستقوم الدولة بإنتاج سكر وزيت والسلع التموينية وتدفع المواطن للحصول عليها مجانا بكميات مناسبة "وهو ما تقوم به وزارة التموين الآن" وان لم يحصل عليها تروح عليه.
هل ستضاف قيمة الدعم النقدي علي فيز المواطنين معاشات أو ضمان اجتماعي أو بنوك كل شهر ويترك المواطن حر يلبي بها احتياجاته الأخري؟.
هناك العديد من التساؤلات التي يجب علي لجنة الحوار الوطني والدولة الاجابة عليها وطرحها للنقاش العام مع الخبراء حتي تستطيع الوصول للمنظومة السليمة التي تلبي احتياجات المواطنين وتحفظ اموال الدولة وتعطي الدعم لمن يستحق فعليا.
كما طالب بدراسة الابعاد الاجتماعية التي قد تنشأ من أي قرار مهم جدا، فأي تغيير في أي منظومة يربك المجتمع وينشأ بسببها خلل اجتماعي قد يسبب مشاكل مجتمعية جديدة نحن في غني عنها الآن.
لفت إلي ضرورة التوسع في الانتاج والتصنيع والتصدير وجلب العملة الاجنبية والحفاظ علي قيمة العملة المحلية واستقرار الاسواق حتي نتجنب اي انخفاض في قيمة الجنيه لمدة طويلة من الزمن.
لا غني عن الرغيف
يقول فتحي عبدالعزيز وكيل وزارة التموين السابق أن إلغاء الدعم العيني أمر صعب تنفيذه لأنه يجب أن تضع الوزارة البديل المناسب لتعويض المواطن عن ذلك، لأن أكثر من 70% أو 80% من مستخدمي البطاقة التموينية من أصحاب المعاشات ومحدودي الدخل وفي منظومة التموين يحصلون علي رغيف الخبز بـ 20 قرشا حاليا بينما الرغيف السياحي يصل سعره الي 2 و3 جنيهات للرغيف وإذا تم إلغاء البطاقة سيتم وصول الرغيف الواحد الي خمس جنيهات.
طالب بإعادة النظر في ادارة ملف الخبز بالاسلوب السليم الذي يناسب الحكومة وجميع المواطنين وإذا تم استغلال المخابز المتاحة لدي الدولة لتوفير رغيف العيش الجيد للمواطنين فلن يضطر المواطن للشراء من القطاع الخاص.
وأكد عبد العزيز أنه لابد من وجود أشخاص لديهم كافة الخبرات لإدارة الملف بالطريقة الصحيحة التي تتناسب وتحافظ علي الحالة الإقتصادية للمواطن الفقير، وأنه لا يمكن استبدال رغيف العيش بأي شئ حتي وان تحسن المقابل المادي ودخل المواطن، مؤكدا اننا لا نستطيع إلغاء الدعم العيني بسبب ارتفاع بعض السلع الآخري كاللحوم والدواجن والألبان وغيرهم.
ولفت إلي أن الدولة تصرف الخبز المدعم لـ 80% من المواطنين والرغيف الذي كان سعره 5 قروش وأصبح الآن بـ 20 قرشا وسوف يباع بالوزن بدلا من عدد الارغفة.
اترك تعليق