الأَيَّامُ الْعَشَرَةُ الأَوائلُ من ذِي الْحِجَّةِ هي أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا عَلَى الإطْلَاقِ، ولا شَكَّ أنَّ الزَّمَنَ إذا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فيه أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ في غَيْرِهِ، وإذَا أَحَبَّ اللهُ تعالى عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ اسْتَعْمَلَهُ في الأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ بأَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ لِيُعْطِيَهُ أَفْضَلَ الثَّوَابِ وخَيْرَ الْجَزَاءِ، وإذَا مَقَتَ اللهُ عَبْدًا اسْتَعْمَلَهُ في الأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ بأَسْوَأِ الأَعْمَالِ؛ ليُضَاعِفَ لَهُ السَّيِّئاتِ فَبَادِرُوا جَمِيعًا – أَيُّهَا المسلمون والمسلمات - إلى الطَّاعاتِ، وتَزَوَّدُوا بالْخَيْرَاتِ .
يوضح لنا فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عيد عبد الفتاح، أستاذ اللغويات ووكيل كلية اللغة العربية بالقاهرة أفضل الأعمال التي يُتقرب بها العبد فى هذة الايام المباركة استجابة إلى الله تعالى قُومُوا لَيَالِيَ أَفْضَلِ أَيَّامِ الدُّنْيَا؛ فَقَدْ قَالَ – صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الجَسَدِ".
أَكْثِرُوا من الذِّكْرِ في أَفْضَلِ أَيَّامِ الدُّنْيَا؛ فإنَّكُمْ إِذَا ذَكَرْتُمُ اللهَ ذَكَرَكُمْ اللهُ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ (ت95هـ): "إِنِّي لَأَعْلَمُ حِينَ يَذْكُرُنِي اللَّهُ" فَقِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ تَعْلَمُ؟ فَقَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة/152]، فَإِذَا ذَكَرْتُ اللَّهَ ذَكَرَنِي".
وفي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ جَاءَ الأَمْرُ بِذِكْرِ اللهِ في أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة/203]، وجَاءَ الذِّكْرُ في أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج/28]. قَالَ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ: "الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ مِنَى، ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، وفِيهَا يَوْمُ النَّحْرِ".
أَكْثِرُوا من الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم- في أَفْضَلِ أَيَّامِ الدُّنْيَا؛ فإِنَّهَا سَبَبٌ لِذَهَابِ الْهُمُومِ وتَفْرِيجِ الْكُرُوبِ ومَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ؛ فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (الرَّاجِفَةُ: هِيَ النَّفْخَةُ الْأُولَى الَّتِي يَمُوتُ لَهَا الْخَلَائِقُ، وَالرَّادِفَةُ: هِيَ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي يَحْيَوْنَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ».
قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ (أي: كَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ دُعَائِي الَّذِي أَدْعُو بِهِ لِنَفْسِي؛ فإنَّ الصَّلَاةَ من الْخَلْقِ مَعْنَاهَا الدُّعَاءُ)، فَقَالَ: «مَا شِئْتَ».
قُلْتُ: الرُّبُعَ (أَيْ: أَجْعَلُ رُبُعَ أَوْقَاتِ دُعَائِي لِنَفْسِي مَصْرُوفًا لِلصَّلَاةِ عَلَيْكَ؟) قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قُلْتُ: النِّصْفَ (أَيْ: أَجْعَلُ نِصْفَ أَوْقَاتِ دُعَائِي لِنَفْسِي مَصْرُوفًا لِلصَّلَاةِ عَلَيْكَ؟) قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ (أَيْ: أَجْعَلُ ثُلُثَيْ أَوْقَاتِ دُعَائِي لِنَفْسِي مَصْرُوفًا لِلصَّلَاةِ عَلَيْكَ؟) قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا (أَيْ: أَصْرِفُ جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي كُنْتُ أَدْعُو فِيهِ لِنَفْسِي لِصَلَاتِي عَلَيْكَ؟) قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ».
فَإِذَا صَرَفْتَ جَمِيعَ أوْقَاتِ دُعَائِكَ لِنَفْسِكَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم- كُفِيتَ مَا يَهُمُّكَ من أُمُورِ دِينِكَ ودُنْيَاكَ؛ لأنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم- أَفْضَلُ لِلْمَرْءِ مِنَ الدُّعَاءِ لنَفْسِهِ.
صِلُوا الأَرْحَامَ في أَفْضَلِ أَيَّامِ الدُّنْيَا؛ فَقَدْ قَالَ – صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"، وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ (أَسْرَعُوا إِلَيْهِ)، وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثًا، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ".
أَكْثِرُوا من الصَّدَقَاتِ وأَعْمَالِ الْبِرِّ في أَفْضَلِ أَيَّامِ الدُّنْيَا؛ فَقَدْ سَأَلَ – صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ يَوْمًا عَنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ الْيَوْمِيَّةِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْمُجِيبَ.
قَالَ – صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا.
قَالَ – صلى الله عليه وسلم-: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا.
قَالَ – صلى الله عليه وسلم-: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا.
قَالَ – صلى الله عليه وسلم-: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم-: "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ".
صُومُوا الْيَوْمَ التَّاسِعِ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ؛ فَقَدْ قَالَ – صلى الله عليه وسلم-: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ"، وأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ فِيهِ؛ فَقَدْ قَالَ – صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ!
اترك تعليق