أشار الدكتور مختار مرزوق_العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر_إلى قوله تعالى:"يا أيها الذين ٱمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا اعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".
وتابع:"قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا شَابَهَهَا وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي مَعْنَاهَا رَدٌّ عَلَى غُلَاةِ الْمُتَزَهِّدِينَ ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَطَالَةِ مِنَ الْمُتَصَوِّفِينَ ; إِذْ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ قَدْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ ، وَحَادَ عَنْ تَحْقِيقِهِ".
ففى قَوْلُهُ تَعَالَى : وَلَا تَعْتَدُوا قِيلَ : الْمَعْنَى لَا تَعْتَدُوا فَتُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَالنَّهْيَانِ عَلَى هَذَا تَضَمَّنَا الطَّرَفَيْنِ ; أَيْ : لَا تُشَدِّدُوا فَتُحَرِّمُوا حَلَالًا ، وَلَا تَتَرَخَّصُوا فَتُحِلُّوا حَرَامًا ; قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ التَّأْكِيدُ لِقَوْلِهِ : تُحَرِّمُوا ; قَالَهُ السُّدِّيُّ وَعِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُمَا ; أَيْ : لَا تُحَرِّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَشَرَعَ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
كما استند إلى قَولَ الطَّبَرِيُّ : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ طَيِّبَاتِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَنَاكِحِ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِحْلَالِ ذَلِكَ بِهَا بَعْضَ الْعَنَتِ وَالْمَشَقَّةِ.
وَلِذَلِكَ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّبَتُّلَ عَلَى ابْنِ مَظْعُونٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ ، وَأَنَّ الْفَضْلَ وَالْبِرَّ إِنَّمَا هُوَ فِي فِعْلِ مَا نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَيْهِ ، وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَنَّهُ لِأُمَّتِهِ ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى مِنْهَاجِهِ الْأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ ، إِذْ كَانَ خَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ آثَرَ لِبَاسَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ عَلَى لِبَاسِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ إِذَا قَدَرَ عَلَى لِبَاسِ ذَلِكَ مِنْ حِلِّهِ ، وَآثَرَ أَكْلَ الْخَشِنِ مِنَ الطَّعَامِ وَتَرْكَ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ حَذَرًا مِنْ عَارِضِ الْحَاجَةِ إِلَى النِّسَاءِ .
اترك تعليق