إذا كانت هناك نقطة مضيئة في التعامل العالمي مع جائحة كورونا، فهي بالتأكيد نيوزيلندا. ففي حين اتسم تعامل الحكومات بالتذبذب حول كيفية الاستجابة لحالات الإصابة بالفيروس، ضربت نيوزيلندا مثالا للتعامل الصارم مع الأزمة، مدفوعة بالعلم. عندما بدا أن حالات الإصابة الجديدة في مختلف دول العالم قد أصبحت خارج نطاق السيطرة، كانت التدابير التي اتخذتها نيوزيلندا قد آتت أُكلها.
بدأت الدولة فرض الحجر الصحي الإلزامي على جميع السياح القادمين للبلاد في 15 مارس الماضي، وكانت وقتها واحدة من أكثر السياسات صرامة في العالم، على الرغم من وجود ست حالات إصابة فقط على الصعيد الوطني. وبعد 10 أيام فقط، فرضت الدولة حظرًا شاملاً على مستوى الدولة، بما في ذلك وقف السفر الداخلي. كانت قيود المستوى 4 تعني أن محلات البقالة والصيدليات والمستشفيات ومحطات البنزين هي التجارة الوحيدة المسموح بها؛ تم تقييد سفر المركبات؛ واقتصر التفاعل الاجتماعي على أفراد الأسرة فقط.
جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا، البالغة من العمر 39 عامًا، تسلك طريقًا خاصًا بها. فأسلوبها في القيادة يعتمد على التعاطف، وهي تغري الناس بالاعتماد على أنفسهم في الأزمة. رسائلها واضحة ومتسقة أو، بكلمات بأخرى، واقعية وتدعو للهدوء في نفس الوقت. ولا تتعامل مع شعبها على المستوى العاطفي فحسب، بل تعمل بشكل جيد.
قالت رئيسة الوزراء في بيان للأمة في 14 مارس: "يجب أن نكافح بالعمل الجاد وأن نبدأ مواجهة الوباء مبكرا.
يشعر الناس أن أرديرن لا توجه لهم مواعظ، حسبما تشير التقارير. ربما لا يفهم الناس تمامًا لماذا اتخذت الحكومة هذا القرار أو ذاك، لكنهم يعرفون أنها تقف في ظهرهم، فهناك ثقة عالية فيها بسبب هذا التعاطف.
إنها "تجيد التواصل مع الناس"، فهي حاصلة على شهادة في الاتصالات. أحد ابتكارات أردرين هو الدردشات المباشرة على الفيسبوك التي يمكن أن تحمل طابعا رسميا وتتضمن معلومات مفيدة.
أبدت تعاطفها مكع القلق والانزعاج عند سماع "صافرة الإنذار" التي تلقاها جميع النيوزيلنديين، لإبلاغهم بأن الحياة، التي كانوا يعرفونها، قد انتهت مؤقتًا. قدمت مفاهيم مفيدة، مثل "الخوف على من سيكونون في دائرة حياتك دائما طوال تلك الفترة وكيف تحافظ عليهم"، ونبهت إلى أن الإنسان يجب أن يتصرف كما لو كان مصابا بالفعل بكوفيد 19، والتفكير تجاه من هم خارج دائرة القرابة. وبررت تلك السياسات الصارمة بأمثلة عملية، متسائلة: "هل من الأفضل أن تبقى في منزلك أم أن تسافر وتنقلب بك السيارة؟؟"
وقالت أردرين إنها تتوقع أن يستمر الإغلاق لعدة أسابيع، وأن ترتفع الحالات بشكل حاد حتى بعد أن بدأ النيوزيلنديون يتحصنون في منازلهم. وبسبب طبيعة الفيروس التاجي، "لن نرى الفوائد الإيجابية للجهد الذي نبذله من أجل العزلة الذاتية ... لمدة 10 أيام على الأقل. لذلك لا تثبط عزيمتك ".
ويشير تقرير على موقع ناشيونال جيوجرافيك، إلى أن أردرين تعقد جلسات إحاطة يومية أكثر رسمية وتقليدية مع كبار المسؤولين والصحفيين، وهي تضع لمستها الشخصية على هذه الجلسات. ويقول الكاتب آرون جالي "إن ترامب كان يقدم إحاطاته، ولكن هذا العرض مختلف"، في إشارة إلى تعليقات الرئيس الأمريكي المتكررة ضد الصحفيين: "لم تقم جاسيندا بأي حال من الأحوال بالهجوم على صحفي". (عندما نسي أحد المراسلين سؤاله لدى استدعائه للتحدث، قالت أردرين مازحة أنها تشعر بالقلق لعدم حصوله على قسط كاف من النوم).
"إنها لا تروج لمعلومات مضللة، ولا توجه اللوم لأحد؛ "تسعى لتلبية مطالب الجميع في نفس الوقت لأنها تقدم ملاحظات مطمئنة"
أردرين مثيرة للاهتمام –فهي رائدة عالميًا في إضفاء الشعور بالارتياح عندما "تدردش" مع ملايين الناس بشكل عرضي! – وذلك لطبيعة نهجها الذي قرنته بسياسات أدت إلى نتائج حقيقية رائدة على مستوى العالم.
منذ شهر مارس، كانت نيوزيلندا الفريدة من نوعها التي تبنت هدفًا وطنيًا لا يقتصر فقط على تسطيح منحنى حالات الإصابة بالفيروس، كما كانت تهدف معظم البلدان الأخرى، ولكن كان الهدف هو القضاء على الفيروس تمامًا. تم إجراء اختبارات كوفيد-19 على نطاق واسع. لم يكن النظام الصحي مثقلا. وبلغت الحالات الجديدة ذروتها في أوائل أبريل. وتوفي اثنا عشر شخصًا، من بين حوالي 5 ملايين نسمة.
وكمجموعة من الجزر المعزولة نسبيًا جنوب المحيط الهادئ، كانت نيوزيلندا في وضع مواتٍ لاستئصال الفيروس. فالجلوس على حافة العالم يمثل ميزة كبيرة، حيث تصبح لديك فرصة لمراقبة ما يجري، ولكن من الخارج.
حكومة أردرين اتخذت إجراءات حاسمة على الفور. فرضت حظرًا وطنيًا في وقت سابق بكثير من تفشي المرض مقارنة بالدول الأخرى، وحظرت المسافرين من الصين في أوائل فبراير، قبل أن تسجل نيوزيلندا حالة واحدة من الفيروس. أغلقت حدودها أمام جميع غير المقيمين في منتصف مارس، ووقتها لم يكن لديها سوى عدد قليل من الحالات، حيث قدمت صحة الناس على الاقتصاد.
وتشير آخر الإحصاءات إلى أن نيوزيلندا سجلت إجمالي 1497 إصابة، وان عدد حالات الإصابة الجديدة يقل عن 10 حالات يوميا. وبلغ مجموع الوفيات 21 حالة مما يجعلها من أدنى المعدلات بين الدول المتقدمة.
هذا النجاح، بالطبع، ليس من صنع أردرين وحدها، فهو نتاج جهد جماعي مثير للإعجاب من قبل مؤسسات الصحة العامة، وسياسيي المعارضة، والنيوزيلنديين ككل، الذين التزموا إلى حد كبير بقيود التباعد الاجتماعي.