هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

معًا للمستقبل

العرب وروح أكتوبر..ماذا تغيّر ؟!

 

ظنى أن استضافة مصر لمفاوضات صعبة وشاقة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل قبل يومين بالقاهرة ، وتحديدًا السادس من أكتوبر 2025، تمهيدًا لوقف الحرب الظالمة في غزة..لم تكن حدثًا عابرًا بل رمزية مهمة تعمق ذكريات النصر العظيم الذي نحتفل بذكراه الثانية والخمسين هذه الأيام..والسؤال هنا: أليس هذا هو قدر مصر التي تحملت، ولا تزال، العبء الأكبر في الدفاع عن قضية فلسطين منذ ظهورها، رغم مزايدات رخيصة من هنا، ومحاولات عبثية للقفز على دورها من هناك..!!
والسؤال: ماذا سيفعل العرب وخصوصًا الدول التي تملك أوراق ضغط على ترامب وإدارته المنحازة بل المتعصبة لتل أبيب؛ لمنع الأخير من الانحياز كالعادة للرؤية الإسرائيلية وشطحات نتنياهو الذي يعلم القاصي والداني أنه لا يعدم الوسيلة لإفشال كل صفقة تفاوض لممارسة مزيد من الإبادة والتطهير في غزة، وتنفيذ مخططاته وأوهامه بضم الضفة وإعلان السيادة عليها بدعم ترامب الذي كان أول من نقل سفارة أمريكا للقدس في ولايته السابقة، ناهيك عن إطلاق يد نتنياهو للعربدة في لبنان تارة وسوريا تارة أخرى واليمن تارة ثالثة، ومناوشة تركيا ومصر لابتزازهما.. وهل العرب جاهزون لدعم مصر بقوة لتجنب أي تصعيد قد يدخل المنطقة برمتها لنفق المواجهة الشاملة التي لن ينجو من أوزارها أحدٌ..؟! 
التاريخ ليس مجرد حكايات تروى للتسلية بل دروس وعبر تستفيد منها فقط الأمم الحية التي تجيد ليس فقط قراءة الأحداث بل مواجهة التحديات والمخاطر التي لا تزال تحدق بنا وبأمتنا، وفهم الحاضر انطلاقًا من الماضي واستشرافًا للمستقبل والسؤال هنا: هل يجيد العرب قراءة التاريخ، وهل يتعلمون من دروسه، ثم وهذا هو الأهم: هل هم مستعدون اليوم لتقديم ما قدموه لأنفسهم غداة نصر أكتوبر..هل هم على قلب رجل واحد، ينتظرهم مصير واحد دون استثناء..؟! 
هل أمتنا اليوم على قدر نصر أكتوبر وتضحياته وعظمته..هل حافظ الورثة على تفوق الآباء ومكتسباتهم..الإجابة قطعاً لا تحتاج إلى دليل..فمن يدقق في أحولنا في العقود الأخيرة يدرك بوضوح أننا تراجعنا وأفرغنا النصر من مضمونه..شغلتنا زهوة النصر وأهملنا مقتضيات الحفاظ عليه.. وكان حرياً بنا ألا نفرط فيه وألا نغفل عنه لحظة واحد..لماذا خبت فينا روح أكتوبر كل هذه المدة..؟!
كم تمنينا أن تسري مثل هذه الروح الوثابة في المنظومة العربية، فتسارع لتحقيق التكامل الشامل، وتوظيف أوراق القوة، وما أكثرها، للحفاظ على وجود أمة باتت في مهب أطماع اليمين الإسرائيلي الذي لا يخفي أطماعه في أراضينا من المحيط إلى الخليج
كنا نرجو لو تجاوبت الأمة وخصوصًا الدول القادرة منها، مع دعوات مصر لتكوين ناتو عربي يحمي الأرض ويحقق الردع ويحفظ للأجيال القادمة حقها في البقاء والاستقرار والرفاهية والأمن، ناهيك عن حسن توظيف الموارد لإحداث نهضة حقيقية في التعليم والبحث العلمي والصحة والأمن الغذائي والمائي، ناهيك عن تغيير ثقافة المواطن ليجيد التعامل مع العصر؛ فيصير منتجًا مبدعًا وينعكس سلوكه في التعامل مع الممتلكات العامة ومع القمامة وانفلات الأسعار وفوضى الأسواق.
هذه الروح قادرة على صنع الفارق هنا في بلد الانتصارات، بإنهاء البيروقراطية المتجذرة في تربتنا والتي أفرزت منذ زمن طويل إدارة ثقافة لا تتجاوب مع التطوير بقدر ما تعيق فرص التقدم، وهو ما أنتج مشكلات كبيرة تسببت في تأخير الاستفادة المثلى من فرص الاستثمار وحرمان الوطن من فرص التقدم والإنتاج الحقيقي.
ذاكرة النصر ربما تخفت أو تذوي لكنها أبداً لا تموت بل تبقى كامنة تنتعش حيناً وتتوارى أحياناً..لكنها لا تنسى أبدا كيف كسرنا غطرسة إسرائيل وجيشها الذي زعم أنه لا يقهر..والدليل ما يرويه تاريخنا القريب حين انتفض هذا الشعب مستدعياً مخزونه الحضاري وروحه الحضارية لتخرج ملايينه للشوارع، رافضة حكم جماعة الإخوان الفاشية ولم ترجع إلا بإزاحتها عن حكم مصر ..هنا أراد الشعب فاستجاب الجيش ثم استجمع الاثنان هذه الإرادة في حفر قناة جديدة ومشروعات قومية عملاقة انتظرنا أن تكون منصة إطلاق متجددة لروح أكتوبر لكننا للأسف غرقنا في التراخي واللامبالاة والجدل التافه وظهرت فينا روح كسولة ليست روحاً مصرية أصيلة و لا تمت لنصر أكتوبر بأي صلة.
فماذا حدث إذن..ألسنا من صنع ثورة 30 يونيو بكل نجاحاتها..ومن أنجز القناة الجديدة بكل صعوباتها..ومن أصلح منظومة الكهرباء بكل تهالكها.. ومن أقام شبكة طرق عملاقة نباهي بها الدنيا..ومن أصلح منظومة الخبز الذي طالما قاتل بعضنا بعضاً لأجل رغيف سقط بسببه ضحايا وشهداء..؟!
سر النجاح هل يكمن في روح العسكرية المنضبطة التي لا تقبل بالنجاح بديلاً..وتأبى التراخي والتواكل والعشوائية والروتين العقيم الذي تسبب في مآسينا.؟!
ظني أن الروح العالية هي سر كل نجاح لقواتنا المسلحة..وكل إنجاز تحرزه في زمن قياسي وجودة عالية..وهي سر بقاء وتماسك هذه الدولة والحفاظ على مقومات وجودها حتى اليوم..فإذا كان ذلك كذلك فلماذا لا نستنسخ أو نستلهم أو نبث هذه الروح في كل موقع وكل مشروع وكل مؤسسة من مؤسسات الدولة..حتى لا نضيع طاقات وجهوداً هائلة بسوء الإدارة وغياب الإعداد والتدريب والمحاسبة.؟!
وإذا سلمنا بأن ظروف أمتنا اليوم تشبه إن لم تزد سوءاً عن ظروف ما قبل أكتوبر 73 من استنزاف وضياع للهيبة والحقوق فإن السؤال: أليس ما يهدد وجودنا أكبر من أن نغض الطرف عنه..ألسنا في مرمى نيران القوى الدولية التي تحارب فوق أرضنا معاركها هي وليس معاركنا نحن ....أليس ما يحاك بنا ويراد لنا من تقسيم وتقزيم واستلاب صريح لمقوماتنا ومواردنا أسوأ مما كنا عليه قبيل نصر أكتوبر العظيم..أليست غطرسة نتنياهو المدعوم أمريكيًا وغربيًا وإصراره على إفشال كل محاولات وقف الحرب وحقن الدماء وإعادة الإعمار وإحلال السلام، كافية لقرع أجراس الخطر على مسامعنا نحن العرب حتى نفيق قبل أن نخرج نهائياً من التاريخ ونصبح أثراً بعد عين ..أليست الأخطار التي تهددنا هنا وهناك أدعى لاستعادة روح أكتوبر التي ألفت بين قلوب العرب جميعاً؛ فناصروا مصر وسوريا، وتسابقوا لإمدادها بالمقاتلين والعتاد والسلاح وبكل دعم لوجيستي وسياسي لا محدود..ألا يكفي ما يحاك ضد أمتنا لاستنهاض روح العروبة والإرادة المنتصرة ..ماذا ننتظر بعد الذي رأينا بأعيننا من ضياع دول وتجهيز المسرح لاستدراج أخرى لفخ معارك مفتعلة للإجهاز على ما تبقى من جيوشنا ودولنا التي نجت من فخاخ الخريف العربي ؟!.