هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

د. حاتم صادق

الخبير الدولي و الأستاذ بجامعة حلوان و رئيس شعبة الميكانيكا

المثل الايراني!

 

تبقي إيران، هي الطرف الوحيد في المنطقة الذي دفع بالكامل فاتورة حساب حرب السابع من اكتوبر ٢٠٢٣. فعلى مدى ما يقرب من العام ونصف الماضيين، تم تدمير العديد من وكلائها وشركائها في الشرق الاوسط التي استثمرت فيهم منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وبداية من حماس في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان، ونظام بشار الأسد في سوريا، بالإضافة الي الحوثيين في اليمن قد تم تدميرهم أو هزيمتهم او على الاقل خروجهم مؤقتا من المشهد السياسي او العسكري.

اما طهران فهي نفسها قد تلقت ضربات عسكرية موجعة وغير مسبوقة، تبين أنها اول دولة في التاريخ يتعرض برنامجها النووي المتقدم ومتعدد المراحل الي هجوم حاسم تحت اشراف وتنفيذ أكبر دولة في العالم- الولايات المتحدة- جنبا الي جنب مع دولة اقليمية- اسرائيل- في تطبيق حرفي لعقيدة "بيجين"- مناحيم بيجين رئيس وزراء اسرائيل من ١٩٧٧ الي ١٩٨٣- الذي دعي الي تدمير اي محاولة للحصول على السلاح النووي من جانب دول المنطقة.

وعلي الرغم من إن تقييم نجاح الضربة الامريكية- الإسرائيلية ضد المشروع النووي الإيراني هو فن أكثر منه علما. يعتمد على فسيفساء من مصادر استخباراتية متعددة وصور الأقمار الصناعية، وبيانات أجهزة الاستشعار المتنوعة، والمراقبة السيبرانية، والأصول البشرية، والعينات الميدانية. الا انه يجب أن ينظر إلى ما هو أبعد من الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الايرانية الفردية الي اشياء قد تبدو معنوية مثل تضرر الهيبة وسقوط الاذرع وفضح المستور حول اوهام القوة التي كانت تصدرها آلة الدعاية في طهران عما تمتلكه من ادوات ردع لم يرها أحد طوال فترة المعارك.

لكن وسواء اتفقنا او اختلفنا على قانونية الضربة، فهي دون شك مهدت الطريق للدبلوماسية في الشرق الأوسط. ومع ضعف طهران نتيجة خسائرها المباشرة في الداخل او الخارج عن طريق ضرب أذرعها، فان لدى واشنطن ومن ورائها تل ابيب الآن فرصة للتوصل لاتفاق نووي قوي مع الجمهورية الإسلامية لتحجيم برنامجها النووي بشكل دائم - وربما ايضا لتسوية سياسية يمكن أن تعيد تشكيل المنطقة بأكملها بصورة أفضل وأكثر استقرارا بعد تقليم مخالب طهران التي اشاعت الفوضى شمالا وشرقا وجنوبا لأكثر من ٤٠ سنة.

والان لم يعد المهم هو تقييم الضربات التي تعرض لها النووي الايراني، ولكن الاسئلة الاهم التي يجب على المحللين الإجابة عليها ليس ما خسرته إيران بقدر ما تتعلق بما لا تزال تمتلكه، وما الذي ستختار القيام به بعد ذلك، وما هي المسارات المتبقية لوقف اختراقها النووي - إما من خلال الدبلوماسية أو الإكراه أو الوقاية.

وخيارات النظام الإيراني، مازالت متعددة وواسعة. فهو يمكن أن يعود إلى طاولة المفاوضات. من ناحية أخرى، يمكن وتحت تأثير الضربات أن يندفع للحصول على قنبلة نووية بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، الشرعية وغير الشرعي.. وقد يقع ردها النهائي أيضا في مكان بينهما: بمعني قد تحاول طهران، على سبيل المثال، إخفاء المواد والمكونات النووية بينما تنخرط علنا في محادثات غير مثمرة. قد تحاول إطالة أمد مثل هذه المفاوضات، على أمل إجراء تغييرات في القيادة كلا من إسرائيل والولايات المتحدة بينما تقدم برنامجها بهدوء بطرق يمكن أن تصوره على أنه مدني. ومع ذلك، سيتعين على طهران في المدى القريب اختيار كيفية تخصيص مواردها المحدودة. وستتنافس إعادة بناء برنامجها النووي وقواتها الصاروخية والدفاعات الجوية والبنية التحتية والوكلاء الإقليميين على التمويل المحدود. ومن المرجح أن تعطي إيران الأولوية لإعادة بناء قدراتها الصاروخية والدفاع الجوي، والحد من نقاط الضعف أمام الاستخبارات الإسرائيلية، والتكيف مع الحرب المتقدمة التي تمارسها ضدها حتى من قبل سلسة اغتيالات علمائها النوويين.

في كل الاحوال، تظل الدبلوماسية هي الطريقة المفضلة لإنهاء طموحات إيران النووية بشكل دائم. وهناك بالفعل استراتيجيات أخرى، مثل المزيد من العمل العسكري او الاستخباراتي الداخلي، لكنها تنطوي على مخاطر وتكاليف أعلى.

ومع ذلك، يمثل ضعف إيران الحالي ودخول اذرعتها في مرحلة الموت الاكلينيكي فرصة نادرة لإنشاء نظام إقليمي جديد بالكامل، وفتح الباب أمام توسيع السلام والأمن في جميع أنحاء الشرق الأوسط – بما في ذلك التوصل إلى حل محتمل في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين هناك، وصنع سلام أوسع مع اخر جار لإسرائيل – سوريا- كل ذلك في إطار ترتيبات أمنية دائمة تحيد التهديدات الإيرانية العديدة.

ولكي تنجح مثل هذه الصفقة الكبرى، سيتعين على إيران أن تتخلى إلى الأبد عن تخصيب اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم والسماح بعمليات تفتيش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وستحتاج طهران أيضا إلى الحد بشكل كبير من برنامجها الصاروخي - وفقا لإطار نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ - وبرنامجها لإطلاق الأقمار الصناعية، الذي يعمل كغطاء لتطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

كما يمكن أن تشمل مثل تلك الصفقة أيضا ترتيبات أمنية إسرائيلية مع سوريا ولبنان، تلتزم فيها دمشق وبيروت بتحييد الجماعات المسلحة في أراضيهما، بما في ذلك حزب الله ووكلاء إيران الآخرين، والفصائل الفلسطينية المسلحة، وفروع تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف أيضا باسم داعش. ويجب الاقرار بأن هذه الصفقات ستحافظ على السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان وحرية عمل إسرائيل ضد التهديدات المتطورة. سيكون الهدف هو أن تتحول عمليات وقف إطلاق النار هذه تدريجيا إلى اتفاقيات هدنة ومعاهدات عدم حرب واتفاقيات سلام كاملة في نهاية المطاف.

لسنوات، حذر الخبراء من أن أي مواجهة مع إيران قد تشعل حربا إقليمية، وزعزعة استقرار أسواق الطاقة العالمية، وجر القوات الأمريكية إلى صراع طويل. ومع ذلك، لم يحدث أي من هذه النتائج. يبدو أن الضربة الامريكية الإسرائيلية ستكون هي الصيغة الصحيحة للتدخل الامريكي القادم في اى مناطق او بؤر صراع على مستوي العالم. ولا شك أن الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا التي يمكن ان تصبح اي منهما الى مثل قادم يدرسون كيف جمعت إسرائيل والولايات المتحدة المعلومات الاستخباراتية، وتصدت لقدرات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار الإيرانية، وقمعت الدفاعات الجوية، واستهداف القادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين. ويبقي انه إذا وافقت طهران وواشنطن على اتفاق - حتى لو كان يغطي القضايا النووية فقط - فإن الحملة العسكرية ستكون مثالا ناجحا على عقيدة ترامب المتمثلة في "السلام من خلال القوة".