الخبير الدولي و الأستاذ بجامعة حلوان و رئيس شعبة الميكانيكا
يبدأ الرئيس الامريكي دونالد ترامب زيارته في 13 مايو الجاري للمنطقة وتشمل حتي كتابه هذه السطور كلا من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة, فيما تعلق إسرائيل آمالا قليلة ان تكون ضمن تلك محطات.. فعليا الزيارة، تشكل حدثًا دبلوماسيًا واقتصاديًا مهما، حيث ستركز على الاستثمارات الكبيرة بين الجانبين، والقضايا الأمنية، والجهود الرامية الي استعادة الهدوء والاستقرار في المنطقة بعد احداث السابع من اكتوبر ٢٠٢٣.
تأتي الزيارة وسط ظروف جيوسياسية معقدة تشمل تصاعد التوترات في المنطقة، خاصة مع استمرار الصراع في غزة والتوترات مع إيران، إلى جانب تحديات اقتصادية عالمية مرتبطة بأسواق الطاقة والتجارة. ومن المقرر أن يعقد ترامب قمة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، مما يبرز الطابع السياسي والاقتصادي للزيارة ويعكس الأولوية التي توليها إدارته لتعزيز الشراكة مع دول الخليج.
علي الصعيد السياسي، فان من بين الأهداف البارزة، محاولة توسيع الإتفاق الأبراهيمي، الهادف إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، مع إمكانية تضمين السعودية كمشارك جديد. ومع ذلك، تظل تداعيات ازمة غزة حائلا امام هذا التوسيع، خاصة بسبب الصراع في غزة، حيث يؤكد القادة السعوديون على ضرورة حل الدولتين، وهو ما لا يتماشى مع موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية. كما من المتوقع أن تتناول الزيارة قضية إيران، حيث يبدو من المرجح أن يعود ترامب إلى ممارسة " اقصي الضغوط" لتنفيذ رؤيته في وجود ايران منزوعة السلاح النووي.
واستبقت الزيارة المهمة عدداً من الخطوات المثيرة للجدل بعضها قد يؤثر سلبا على النتائج المرجوة منها خاصة ترامب الذي يعتمد مقياس واحد فقط للنجاح وهو حجم المكاسب المالية والاقتصادية المتحققة وأخطرها خطة "عربات جدعون" الساعية إلى اعادة تكدس سكان قطاع غزة في الجنوب مع الحدود المصرية مما يزيد من حدة الأزمة مع القاهرة ويفتح الباب أمام اعادة احتلال القطاع. فضلا عن طرح مشروعها القديم "ممر داوود" الذي سيربط "إسرائيل" بالفرات، ويطوق الحدود العراقية، وهو الممر الذى يُعد منفذا بريا لإسرائيل، يفض عزلتها وحصارها ويصلها بالعالم الغربي. علي الجانب الاخر كان هناك بعض الاشارات الايجابية منها، اعلان جماعة الحوثيين وقف استهداف السفن الامريكية في البحر الاحمر بعد وساطة قامت بها سلطنة عمان التي تستضيف في الوقت نفسه المباحثات بين واشنطن طهران -الراعي الرسمي لجماعة الحوثي باليمن- حول ملفها النووي المثير للجدل.. تحاول عمان تأمين نجاح الزيارة من خلال علاقاتها المتميزة مع طهران لإثبات قدرتها على لعب دور الوسيط الجاد وربما البديل لأطراف أخرى أثبتت عدم جديتها وتلاعبها في أزمات المنطقة. وهنا تبدو ملاحظة مهمة أنه في الوقت الذي قامت فيه اسرائيل بشن غارات قوية واستهدفت لأول مرة مطار صنعاء الدولي، يعلن ترامب عن توقفه الفوري لاستهداف جماعة الحوثي، وكأنه يريد أن يقول لزعماء المنطقة أن رؤيته للمنطقة لا تتطابق تماما مع رؤية تل ابيب، وهناك الكثير من التباين بينهما كشفه لحظة اعلان الرئيس الأمريكي بدء المفاوضات مع ايران اثناء جلوسه في مكتبه بالبيت الابيض مع بنيامين نتنياهو أمام الصحفيين والمراسلين الأجانب الذين شعروا بمدى التغير الذي بدي علي ملامح نتنياهو .
وفي سياق متصل وتمهيدا لإنجاح الزيارة استعادت المفاوضات زخمها مجددا بين الوسطاء وحركة حماس لإجبارها على تسليم كافة الرهائن وخروجها من المشهد العسكري في القطاع، وكجزء من هذه الضغوط، عملت الإدارة الامريكية خلال الساعات الماضية على تغيير مواقف تركيا وقطر تجاه حماس. واستمرارا لسياسة تغيير الاسماء التي اتبعها الرئيس الامريكي في خليج المكسيك الي خليج امريكا، يعتزم الرجل تغيير اسم الخليج الفارسي المتعارف عليه في خرائط الامم المتحدة الي الخليج العربي، وهو مطلب لو تعلمون عظيم لدول الخليج العربي.
أيضا تتميز الزيارة بأجندة اقتصادية طموحة تهدف إلى تعزيز الشراكة التجارية والاستثمارية، ومن المتوقع الإعلان عن صفقة أسلحة مع السعودية بقيمة 3.5 مليار دولار، تشمل صواريخ جو-جو متوسطة المدى ومعدات داعمة، في إطار تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.
كما التزمت الإمارات بإطار عمل استثماري مدته 10 سنوات بقيمة 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة، في حين تسعى السعودية لاستثمار مبالغ ضخمة قد تصل إلى تريليون دولار في مجالات الدفاع والبنية التحتية والطاقة. وأعلنت شركة ترامب عن مشاريع في الإمارات وقطر، مما يشير إلى توسيع التعاون الاقتصادي ليشمل قطاعات متنوعة بعيدًا عن النفط والأسلحة.
من الجدير بالذكر أن الزيارة قد تؤدي إلى خلق فرص عمل كثيرة في الولايات المتحدة، حيث ذكر الرئيس الامريكي أن الاتفاقيات الاستثمارية ستؤدي إلى "خلق وظائف هائلة في يومين أو ثلاثة".
علي كل الاحوال، فان ترامب الذي تخطي يومه المائة بقليل في البيت الابيض، لم يحقق أي نجاحات تذكر في أجنداته الخارجية خاصة مع تعثر مفاوضات السلام في اوكرانيا التي سبق ووعد بإنهاء الصراع هناك خلال ٢٤ ساعة بعد توليه السلطة، لذلك فهو يضع آمالا كبيرة علي تلك الزيارة لتحقيق نجاحات تدعم موقفه سواء علي صعيد السياسي في انهاء الصراع في غزة او الوصول الي اتفاق ملزم حول ملف ايران النووي يحقق فيه الكثير من مطالب العرب واسرائيل، وكذلك علي الصعيد الاقتصادي حيث اشعل للتو حربه التجارية مع الصين التي تعتمد علي أكثر من ٨٠% من نفط الخليج، وتشير التوقعات إلى أن الزيارة ستعزز التنسيق السياسي بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وقد تكون محورًا لمواجهة التحديات العالمية والإقليمية، مثل الصراعات الجارية والتنافس مع قوى دولية أخرى.. لذلك لن يكون من المستغرب أن نجد صفقة من نوع ما في الأجواء سيتم اطلاقها اثناء زيارته يحاول من خلالها جني المزيد من الصفقات مع دول الخليج حتي لو كان ذلك ظاهريا وفعليا ضد طموحات حليفه نتنياهو.