تتنافس القنوات الفضائية في عرض أحدث المسلسلات التي تجذب المشاهدين. لكن ما نلاحظه في السنوات الأخيرة هو تحول كبير في طبيعة بعض هذه الأعمال الدرامية، التي أصبحت تعكس ما أسميه "مسلسلات السلبية"، وهي أعمال تروج للعنف والخيانة والمؤامرات الخسيسة، وتجعل من الشخصيات الإجرامية أبطالًا يُقتدى بهم، بينما تُصوّر الإنسان الصادق الأمين على أنه شخص ساذج أو أبله. و ان السلوك الاجرامي بمختلف صوره هو الطريق الى كسب المال والنجاح فى الحياة بل فى بعض الاحيان تنقل لنا صورة مبالغ فيها من القصور والسيارات الفارهة – نعم هى موجودة- ولكن فى حالات معدودة وليست هى القاعدة العريضة فى المجتمع و ليس السبيل الى تحقيق ذلك هو السلوك الإجرامي كما تحاول ان تكرس الدراما فى بعض المسلسلات
في الماضي، كانت الدراما المصرية والعربية بشكل عام تعكس قيم المجتمع وتقاليده، مثل التسامح والتعاون ومراعاة حقوق الجار والرحمة بالضعيف و كانت تحمل رسائل إيجابية، وتسلط الضوء على القيم الإنسانية التي تربينا عليها. لكن اليوم، نجد أن العديد من المسلسلات تعتمد على قصص مليئة بالعنف والخداع، حيث يتم تقديم الشخصيات التي تنتهك القانون وتتلاعب بالآخرين على أنها "أبطال" بينما الشخصيات التي تتمسك بالأخلاق والقيم تُصور على أنها ضعيفة أو ساذجة
هذا التحول في الدراما ليس مجرد تغير فني أو إبداعي، بل هو انعكاس لتحولات أعمق في المجتمع. فالأعمال الفنية تؤثر بشكل كبير في تشكيل وعي الأفراد، خاصة الشباب، الذين قد يتأثرون بهذه النماذج السلبية ويبدأون في تقليدها.
أن المجتمعات الغربية، التي توصف بالمتقدمة والمتحضرة، قد أخذت منا قيم التسامح والتعاون ومراعاة حقوق الآخرين، وطبقتها في حياتها اليومية. هذه القيم التي كانت جزءًا من عاداتنا وتقاليدنا أصبحت الآن جزءًا من ثقافتهم، وساهمت في بناء مجتمعات متطورة. بينما نحن نبتعد عنها شيئًا فشيئًا، ونستبدلها بقيم سلبية تروج لها الدراما الحديثة.
أن الدراما ليست مجرد أعمال فنية للترفيه، بل تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل الثقافة المجتمعية وتوجيه العادات والتقاليد. وعندما تروج الدراما للسلوك الإجرامي بصورة المختلفة، ذلك يؤدي إلى تدهور القيم المجتمعية
إن المسؤولية تقع على عاتق صناع الدراما في مصر، حيث يجب أن يدركوا أن لديهم دورًا أساسيًا في بناء المجتمع وليس هدمه. فبدلًا من تكريس مسلسلات السلبية، يمكن تقديم أعمال تبرز الجوانب الإيجابية في المجتمع،. فالمشاهد بحاجة إلى محتوى يحثه على التطور والإبداع، وليس إلى محتوى يغذي السلبية.
في النهاية، الدراما ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي مرآة تعكس واقع المجتمع وتؤثر فيه. فلنحرص على أن تكون هذه المرآة نظيفة، تعكس أفضل ما فينا، وتساهم في بناء مجتمع أفضل للأجيال القادمة. تبقى الدراما سلاحًا ذا حدين، فإما أن تُستخدم لترسيخ القيم الإيجابية، وإما أن تتحول إلى وسيلة لنشر السلبية والانحراف. ويبقى السؤال الأهم: متى يعود الفن المصري إلى دوره الريادي في تعزيز الأخلاق والقيم المجتمعية بدلًا من هدمها؟