هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

معًا للمستقبل

..وكانت دائما صوتا للشعب


هناك أيام لا تنسى في خريطة العمر؛ بوصفها علامات فارقة تحدد مصير الإنسان وتبنى مستقبله؛ فمثلاً كانت فرحتى فرحتين في عام 76؛ ذلك أني تخرجت فيه ضمن الدفعة الثانية لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، وفي أكتوبر من العام نفسه قام الصحفي الكبير الراحل محسن محمد بتعييني محررًا بجريدة الجمهورية التي نحتفل هذا الأيام بذكرى تأسيسها الحادية والسبعين، دون وساطة بعد أن تدربت بها طيلة العام الذي تخرجت فيه، وقد  قضيت بها عمري ، وبدأت فيها مسيرتي محررًا ثم رئيس قسم، فنائب رئيس تحرير؛ فنائبًا أول لرئيس التحرير، ثم رئيسا لتحرير كتاب الجمهورية فرئيسًا لمجلس الإدارة.. ثم قدمت استقالتي طواعية بعد أحداث يناير المشؤمة.
والجمهورية ربما تكون الجريدة الوحيدة التي كتب فيها السادات وشغل منصب رئيس مجلس إدارتها بعد أن قدم 300 جنيه وقتها كضمانة شخصية حتى توافق إدارة المطبوعات على إصدارها ثم عمل مديراً عاماً لها؛ فرئيساً لمجلس إدارتها، وأصدر عبد الناصر رخصتها موقِّعًا طلب إنشائها، ثم خطّ بقلمه افتتاحيتها الأولى...ثم افتتح الرئيس مبارك مطبعتها ومبناها الجديد بشارع رمسيس.
محطات تاريخية تعيدنا لذكريات قاربت على نصف القرن، جرت فيها مياه كثيرة وتحولات تاريخية عظيمة ورغم أن "الجمهورية" ابنة ثورة يوليو وإحدى ثمراتها فإنها لم تشتهر أو تكسب شعبيتها من كونها صنيعة تلك الثورة وأحد منجزاتها فحسب بل عرفت بحسبانها صحيفة الشعب، تقدم خدمات متميزة لقرائها الذين أحسوا بفطرتهم الصافية إزاءها بأنها تجاوب صادق وصائب لكل ما يجول في نفوسهم من آمال وآلام وطموحات وأحلام ، وأنها ساعدهم الأيمن في نيل حقوقهم ودرء الظلم عنهم عبر التواصل الجاد مع المسئولين نيابة عنهم وهو الدور الذي نهض به بامتياز خطها الساخن (139 جمهورية) الذي انفردت به "الجمهورية" على سائر الصحف ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي كله؛ فمندوبوه لا يكلون ولا يملون في استقبال شكاوى الجمهور واستغاثاته يطوفون بها على المصالح والأجهزة الحكومية المختلفة، ويطرقون أبواب المسئولين والوزراء بحثاً عن حق تأخر عن صاحبه، أو دفعاً لمشقة قد لا يطيقها ذوو الحاجة.. وهم حين يفعلون ذلك يؤدون أول رسالة "الجمهورية" التي تقدم للناس كافة، فضلاً على قرائها، ما يحتاجون إليه في أعمالهم ومعاملاتهم ورحلاتهم وأسفارهم..فأين ذهب "الخط الساخن"؛ الرقم المميز والخدمات المتفردة..؟!
من يتأمل مسيرة الجمهورية وتاريخها يجدها صوتاً للشعب ومدافعاً عن قضاياه، اهتمت بشواغل الوطن وهموم المواطن وأحلامه وطموحاتها.. تتحسس نبضه، وتستشرف طموحاته وتلبي احتياجاته وتتبنى مطالبه ومظالمه لتضعها بين أيدي المسئولين حتى ارتقت يوماً أعلى درجات المجد وازداد الإقبال عليها حتى وصل توزيعها لأكثر من 850 ألف نسخة، وقد شهدت أرقام التوزيع زيادة على أيدي الأساتذة الكبار: محسن محمد وسمير رجب ومحفوظ الأنصاري. 
 والسؤال: لماذا حققت الجمهورية تلك القفزة الكبيرة في أرقام توزيعها ..والجواب يعيدنا إلى ما انتهجته الصحيفة من خط تحريري متميز، أخلصت فيه لقرائها ورسالتها وسايرت الأحداث الكبرى التي مرت بها البلاد وناصرت قضاياها المصيرية؛ فناضلت ضد الاستعمار ومدت يد العون لحركات التحرر الوطني في سائر قارات الدنيا، وقاومت القوى الإمبريالية وتكتلاتها وانحيازاتها الظالمة ضد الشعوب المستضعفة ودعت إلى سياسة عدم الانحياز وروجت للمبادئ الاشتراكية، كما دافعت باستماتة عن حق شعب فلسطين وقضيته.
ومع أن الجمهورية أريد لها في البدء أن تكون صحيفة رأي.. لكنها سرعان ما تجاوبت مع سنن التطور ومستجدات العصر ومتطلباته ولم تقتصر على هذا اللون الصحفي على أهميته فتحولت كغيرها من بنات زمانها إلى صحافة الخبر الذي تربع على عرش الصحافة وقتها،  ويممت وجهها شطر قرائها لتشبع نهمهم في معرفة ما يجري حولهم من أحداث متسارعة تتحكم في حاضرهم وتصنع مستقبلهم، ولم تقف في مسيرة تطورها عند حدود "الخبر" فقط بل قدمت لقارئها معلومات متنوعة ذات إيقاع سريع تفيده في حياته اليومية وتزيد معرفته بما يجري في العالم من حوله..وهكذا انتقلت "الجمهورية" بقدرة مدهشة من جريدة للثورة إلى جريدة للشعب تدافع عن حقوقه وتتبنى قضاياه وتخاطب جمهوراً عريضاً في مساحته العددية والمكانية والحضارية؛ جمهوراً متنوعاً يجد ضالته المنشودة على صفحاتها وفي أبوابها المختلفة.
 خاطبت الجمهورية منذ خرجت للنور جميع فئات المجتمع مع انحياز واضح للبسطاء منهم، بما تقدمه صفحاتها المتنوعة وملاحقها المتخصصة، ورغم أنها صدرت في أجواء صحفية شديدة التنافسية سرعان ما أثبتت كفاءتها، وانطلقت تؤدي رسالتها على مدى أكثر من نصف قرن، ترصد ما يجري حولها من أحداث على الصعيدين العربي والعالمي؛ ذلك أن الله قيض لها كوكبة من الصحفيين والكتاب العظام الذين ازدادت بهم شهرتها وذاع صيتها وعلا شأنها، وتعاقب على رئاسة مجلس إدارتها وتحريرها نخبة متميزة وشخصيات ذوو شأن من رجال الثورة والسياسة والأدب والثقافة والصحافة، نذكر منهم الرئيس الراحل أنور السادات، حسين فهمي، جلال الدين الحمامصي، أحمد قاسم جودة، كامل الشناوي، صلاح سالم، إبراهيم نوار، إسماعيل الحبروك، طه حسين، موسى صبري، ناصر النشاشيبي، كمال الدين الحناوي، حلمي سلام، مصطفى بهجت بدوي، فتحي غانم، عبد المنعم الصاوي، محسن محمد، وسمير رجب  ومحمد أبو الحديد، ومحمد على إبراهيم وعلى هاشم وقد حافظت الجمهورية على توزيعها ومكاسبها حتى وقعت أحداث يناير 2011، فتعاقب على رئاسة مجلس إدارتها الزملاء: خالد بكير ومصطفى هديب وجلاء جاب الله وسعد سليم إياد أبو الحجاج والمهندس طارق لطفي، بينما تعاقب على رئاسة التحرير الزملاء: جمال عبدالرحيم وسيد البابلي وفهمي عنبة وعبد الرازق توفيق وأحمد أيوب.  
تاريخ طويل قطعته الجمهورية لتسطر تاريخًا يستحق أن يروى بأمجاده وإنجازاته، لنستلهم منه الدروس والعبر في أوقات صعبة، تحتاج فيه صحافتنا وإعلامنا كله أن تعيد قراءة المشهد الجديد بمتغيراته وتحدياته التي تهدد بسحب البساط من تحت أقدامها وأكبر دليل ما نراه اليوم من تطور مذهل لوسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية تصدرت فيه "البود كاست" مثلا المشهد بأرقام مشاهدات عالية جدًا؛ خصمًا من رصيد  الإعلام التقليدي كله، تمامًا كما فعلت الصحافة الإلكترونية في بداياتها ثم ظلت تكسب يومًا بعد يوم أرضاً جديدة وتتسع رقعتها وتجتذب قراءً جدداً، وتستحوذ على نصيب متزايد من السوق الإعلانية تسندها عوامل عديدة تجعلها أكثر انطلاقاً وجاذبية وأقل كلفة ومشقة وأسرع وصولاً للحدث وملاحقة لمستجداته ..والسؤال: هل نحن مستعدون لمواجهة هذا الفيض المنهمر من الوسائل الجديدة للإعلام ..هل نحن مؤهلون للمواجهة ببنية تكنولوجية وكوادر مدربة ورؤية استشرافية لآفاق هذا العالم المتطور ..؟