تغيير الوزراء مهم ولكن.. الأهم تغيير ثقافاتنا فى أمور كثيرة
عندما قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بافتتاح المشروعات التنموية بجنوب الوادى وموسم حصاد القمح فى توشكى وشرق العوينات والفرافرة وعين دالة بدا غير راض عن أداء بعض الوزراء لعدم اتباعهم أسلوب المصارحة مع المواطنين وعرض حقائق الوضع الاقتصادى حتى يكونوا على وعى ودراية كاملة بالخطوات التى تتخذها الدولة لإصلاح الثقافات والسلوكيات التى ادت إلى إنهاك ميزانية الدولة، وفى هذا اللقاء دعا الرئيس السيسى الوزراء إلى عرض الحقائق على الناس مؤكدا أن المصريين إذا علموا حقيقة الوضع سيقفون بجانب الدولة ويساعدون الحكومة فى إيجاد الحلول لمشكلات كثيرة.
الرئيس السيسى عرض خلال هذا اللقاء أفكارا كثيرة حملت رؤى جديدة كان واضحا أنها غائبة عن فكر بعض الوزراء الذين مازالوا يتحركون فى فلك السياسات المعتادة والفكر التقليدى، لذلك كان تقديم الحكومة لاستقالتها وقبول الرئيس السيسى لهذه الاستقالة وتكليف الدكتور مصطفى مدبولى بتشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة أول طريق اختيار دماء جديدة لوزراء قادرين على مواكبة فكر الرئيس خلال المرحلة الجديدة المقبلة.
تكليف الرئيس للدكتور مصطفى مدبولى كان واضحا ومحدداً من خلال البيان الذى صدر عن رئاسة الجمهورية، إذا حدد التكليف أهدافاً بعينها عند اختيار أعضاء الحكومة الجديدة، على رأسها الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري في ضوء التحديات الإقليمية والدولية، ووضع ملف بناء الإنسان المصري على رأس قائمة الأولويات، خاصة في مجالات الصحة والتعليم ومواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية، وكذلك على صعيد ملفات الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب بما يعزز ما تم إنجازه في هذا الصدد، وتطوير ملفات الثقافة والوعي الوطني، والخطاب الديني المعتدل على النحو الذي يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي.
تكليفات الرئيس السيسي بشأن تشكيل الحكومة الجديدة تضمنت أيضاً مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي مع التركيز على جذب وزيادة الاستثمارات المحلية والخارجية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وبذل كل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق، وذلك في إطار تطوير شامل للأداء الاقتصادي للدولة في جميع القطاعات، وحتى لا يختل الأداء كلف الرئيس السيسي الحكومة الحالية أيضا بالاستمرار في تسيير الأعمال وأداء مهامها وأعمالها لحين تشكيل الحكومة الجديدة.
بلا شك أن طموحات وتطلعات وتوجهات المرحلة المقبلة تختلف من نواح كثيرة عن المراحل السابقة ، فلكل مرحلة تحدياتها وأولوياتها، وفى ظل وجود ثوابت فى الأولويات لا تتغير مثل محددات الأمن القومى لمصر فإن هناك أولويات تطفو على السطح وتحتل مرتبة متقدمة فى قائمة الأولويات سواء بالنسبة للمواطن أو الدولة.
فى ظل حروب الجيل الرابع التى اشتدت وطأتها خلال الأشهر الأخيرة والمحاولات المستميتة من أعداء مصر لاختراق عقول شبابها بشتى الوسائل أصبحت قضية الوعى تحتاج جهداً أكبر من الحكومة المقبلة، ليس الوعى بالمخاطر المحيطة لأخذ الحذر منها والتعامل مع الأساليب الحديثة للأعداء، ولكن ايضاً الوعى بحقائق المشكلات الداخلية التى تعانيها مصر ومنها ما هو اقتصادى واجتماعى وسياسى ودينى.
لا يخفى على الصغير قبل الكبير التحديات التى تواجهها مصر وتحتاج للتكاتف ، نحن الآن فى وقت حرب، حرب ضد الهوية، حرب ضد تماسك الدولة وصلابتها، حرب ضد العلاقة القوية بين القيادة السياسية وأبناء الشعب المصرى، تلك العلاقة التى حاولوا كثيرا اختراقها ، لكن وعى المصريين كان ومازال اكبر من محاولاتهم.
مناهجنا الدراسية تحتاج إعادة نظر بهدف إدخال مواد دراسية تتناول محددات الأمن القومى، وبناء الوعى بمختلف اشكاله ، وتغيير ثقافات خاطئة موروثة فى التعامل مع قضايانا المختلفة، وتناول قضايانا الاقتصادية بشكل أكبر وأكثر نضجاً حتى يصبح أطفالنا وشبابنا على دراية بكل ما يحيط بهم على أرض الواقع ، كما يجب تغيير النظرة لدى الاسر عن كليات القمة ، فالكليات التكنولوجية اصبحت هى كليات القمة ، والدولة خطت خطوات كبيرة فى هذا الاتجاه وظهر ذلك جليا عند افتتاح الرئيس السيسى لمشروع الحوسبة السحابية الحكومية بالعاصمة الإدارية الجديدة وحديثه عن ضرورة تغيير الأسر لفكر تعليم ابنائها والتفكير فى وظائف المستقبل وهو الاتجاه الذى يجب أن تعمل عليه الحكومة بكل قوة خلال المرحلة المقبلة.
نحتاج فكراً جديداً من خارج الصندوق لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية واستغلال ثروات مصر البشرية والسياحية والترويج السياحى لها وبصفة خاصة زيارات نجوم ونجمات العالم فى المجالات الفنية والرياضية والسياسية لمصر ومدنها الساحلية ومناطقها الأثرية، وأيضاً فتح أسواق جديدة بالخارج وزيادة معدل التصنيع للتصدير فى مختلف الصناعات وتوطين صناعات بعينها استغلالا لموقع مصر الاستراتيجى الذى يربط أفريقيا بآسيا وأوروبا والذى لم نستغله الاستغلال الأمثل حتى الآن فى تحقيق دخل قومى بالعملات الأجنبية.
منظومة الصحة تحتاج إستكمال المسيرة التى بدأت منذ عشر سنوات بمبادرات كان فى مقدمتها مائة مليون صحة والتأمين الصحى الشامل وصحة المراة ونور حياة ومواجهة التقزم والامراض غير السارية، وغيرها ، مع الاهتمام بالتصنيع الدوائى الذى يحظى باهتمام خاص من القيادة السياسة لما له من أثر كبير فى تقليل فاتورة استيراد الدواء، بل والاكتفاء الذاتى منه وتصدير الأنواع التى عليها إقبال من الدول العربية والأفريقية.
ملف المشاركة السياسية وبصفة خاصة من الشباب يحتاج مجهودا اكبر من الحكومة المقبلة حتى يعتاد الشباب على المشاركة المجتمعية ودخول المعترك السياسى ليكون جاهزا للمشاركة فى صنع القرار عندما يُطلب منه ذلك، بخلاف الوعى بالقضايا السياسة وعدم ترك الساحة لمن يستغلونها لمصالح شخصية أو توجهات غير وطنية.
يضاف إلى القضايا ذات الأهمية الكبرى خلال المرحلة المقبلة قضية الثقافة والوعى وترسيخ الخطاب الدينى المعتدل بلا غلو ولا إفراط ولا تفريط ، مع التأكيد على قيم المواطنة حتى تشب الأجيال القادمة على الاسس السليمة لبناء مجتمع متماسك صلب يستطيع مواجهة التحديات المستقبلية أياً كانت.
هناك ثقافات اعتدنا عليها وصار من الصعب التخلى عنها فى حياتنا اليومية خاصة ما يتعلق بالتعامل مع السلع والأغذية والخدمات التى تقدمها الدولة، لذلك وجب زيادة حملات التوعية بتغيير هذه السلوكيات لترشيد الاستهلاك وتوفير مبالغ كانت تهدر بلا داع فى الاسرة لمجرد عدم التفكير فى نمط حياتنا بشكل مختلف يتوافق مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية الحالية والمستقبلية.
الدكتور مصطفى مدبولى المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة يقرأ جيداً فكر الرئيس السيسى، ويعلم تماما المطلوب من حكومته المقبلة لتلبية أهداف الدولة المصرية وأيضاً تلبية طوحات واحتياجات المصريين الذين عاهدوا الرئيس السيسى منذ اليوم الأول على الوقوف معا لإعادة بناء الجمهورية الجديدة والانطلاق بها نحو مستقبل أفضل وسط منطقة ملتهبة تنعم فيها مصر بالأمن والامان والاستقرار ، وهذا فى حد ذاته حلم كان بعيد المنال قبل عام 2014.
[email protected]