رحل عن عالمنا هذا الاسبوع الكاتب الروائي الفرنسي من أصل تشيكي ميلان كونديرا ، الذي عاش 94 عاما في عالم مضطرب ملئ بالمشاكل في بلده الأصلي ، رحل الى فرنسا وحصل على الجنسية الفرنسية عام 1981 ، وعاش كونديرا ينشد الأمان والهدوء ويرفض اجراء المقابلات الصحفية ، لأن كل ما أراد أن يقوله كتبه في أعماله الأدبية .
في رصيد كونديرا أربعة أفلام روائية طويلة مأخوذة عن رواياته ، وتسعة أفلام قصيرة وأربعة مسلسلات وفيلم تليفزيوني وحيد ، وكانت البداية في وطنه الأصلي عام 1965 بفيلم "لا أحد سوف يضحك" وهو كوميديا سوداء عن أستاذ جامعي يؤجل كتابة مقالة في الفنون الجميلة حتى يبتعد عن المشاكل التي تترتب على قول الحقيقة ، وفي عام 1969 قدمت السينما التشيكية فيلمين عن قصتين من أعمال كونديرا ، فيلم "المزحة" ويكشف خلاله عن جزء من سيرته الذاتية في الخمسينات عندما كان أستاذا للأدب العالمي في أكاديمية السينما في براج ، وقد تم طرده من الحزب الشيوعي التشيكي بسبب ميوله الفردية ، وكانت تهمة خطيرة في ذلك الوقت ، ويحكي الفيلم عن التأثير المدمر للقمع الذي يدفع الانسان الى الانتقام من الآخرين .. أما الفيلم الثاني فيحمل عنوان "أنا الاب الحزين" ، ويتحدث فيه أيضا عن حياته البائسة ورغبته في الانتقام من الفتاة التي لم تبادله الحب .
بعد سنوات من اقامة كونديرا في فرنسا ، تحولت روايته الشهيرة "كائن لاتحتمل خفته" الى فيلم روائي طويل عام 1988 من اخراج فيليب كوفمان وبطولة دانيال دي لويس وجولييت بينوش ، ويحكي الفيلم قصة طبيب يعيش في براج ، يقع في حب فتاة ريفية ثم يتعرف على فتاة أخرى من المدينة ويشاركون في أحدث براج عام 1968 ، ويتم القبض عليهم بعد الغزو السوفييتي ويفقد الطبيب عمله ويضطر الى السفر للخارج.
تعرضت حياة ميلان كونديرا لمواقف مأساوية سواء في وطنه الأصلي أو في فرنسا ، فهو في تشيكوسلوفاكيا يتم طرده مرتين من الحزب الشيوعي ، ويتم منع كتبه من التداول في المكتبات ويمنع من التدريس بأكاديمية السينما .. وبعد هجرته لفرنسا عام 1975 ينشر كتابا بعنوان "الضحك والنسيان" عام 1979 تصادره السلطات الشيوعية في براج ويتم اسقاط الجنسية عنه .. وفي فرنسا عام 1988 عندما يحقق فيلم "كائن لاتحتمل خفته" نجاحا كبيرا ، يسقط جدار برلين في العام التالي ، ويفقد الغرب العدو الشيوعي التاريخي وتنهار أنظمة شرق أوروبا ويتفكك الاتحاد السوفييتي ، ويتوقف الغرب عن الاهتمام بالمثقفين والأدباء الذين تمردوا على الشيوعية في بلادهم الأصلية وهاجروا الى غرب أوروبا كما فعل كونديرا ، رغم أنه كان من الطليعة الذين رفضوا الشيوعية وتوقعوا سقوطها ، لكنهم في فرنسا تجاهلوه ولم يجد أحدا يرشحه لنيل جائزة نوبل حتى رحيله .