في عالمٍ باتت فيه البيانات تُحدد موازين القوة بين الأمم، يقدم كتاب الاستعمار الرقمي للدكتور أسامة منير، قراءة فكرية عميقة لفهم التحولات الجذرية التي أحدثتها الثورة الرقمية في بنية النظام العالمي، من خلال تحليل العلاقة بين التكنولوجيا والسيادة، وبين المعرفة والهيمنة، حيث يتتبع الكتاب الجذور التاريخية لتطور التكنولوجيا الرقمية، موضحًا كيف تحوّل الفضاء التقني المحايد إلى فضاء سيبراني ذي أبعاد سياسية واستراتيجية ، كما يسلط الضوء على نشأة مجتمع المعلومات العالمي بوصفه ساحة جديدة لإعادة إنتاج الهيمنة عبر التحكم فيتدفق المعلومات، وتوجيه الرأي العام، وصياغة أنماط السلوك الجماعي.
ويتناول المؤلف في تحليله التحولات في موازين القوة الجيوسياسية، وصعود مفهوم القوة السيبرانية كمحدد جديد للأمن القومي، مع إبراز التناقضات بين وعود التحرر الرقمي وواقع التبعية التقنية الذي تعيشه الدول النامية، انطلاقا من فرضية أن التحول الرقمي، رغم ما يتيحه من فرص للتنمية والتقدم، قد أوجد شكلًا جديدًا من الاستعمار يقوم على السيطرة على البيانات والخوارزميات، واحتكار المعرفة التكنولوجية من قِبل القوى الكبرى والشركات التكنولوجية العملاقة.
في النهاية، يقدم الكتاب رؤية نقدية تدعو إلى بناء سيادة رقمية مستقلة، تُعيد التوازن بين التطور التكنولوجي ومتطلبات العدالة المعرفية، وتطرح مسارًا بديلًا لمواجهة الاستعمار الرقمي في صورته الجديدة.
اترك تعليق