تضيف العشر الاواخر من رمضان دائما مزيدا من السحر والنور على النظر والتأمل في ايات القران الكريم بشكل قد لا تستشعره في أيام اخر .. وسيظل العقل البشري هائما حائرا مندهشا امام تلك القوى الكامنة في القران الكريم ..سواء تلك القوى الظاهرة او الباطنة على السواء وسيظل عاجزا عن كشف عالم الاسرار المتجددة فيه مع كل يوم تشرق فيه الشمس وسيظل يلهث ويلهث باحثا عن مزيد من الانوار الكاشفة والملهمة التي تضيئ حياة البشرية جمعاء..
من العجيب ان الاشراقات القرانية لا تقتصر على أصحاب العقول والقلوب المؤمنة فقط ولا العباقرة دون البسطاء ولا المؤمنين دون الكفار والملاحدة والمشركين ويكفي لاي مراقب بسيط ان يتابع ما يحدث من تفاعلات بشأن القران الكريم سيلمس بسهولة جوانب ساطعة من عظمة القران الكريم وتأكيدات لا تقبل الشك انه قران كريم تنزيل من حكيم خبير لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..
تأمل ما يجري من مشاهد غريبة متناقضة متعارضة ومدهشة إزاء القران الكريم على الساحة مؤخرا فجأة تتصاعد حمى العداء للقران الكريم ويتم حرق نسخ من المصحف في هذه الدولة او تلك..مشاهد تعكس درجات عالية من الاسلاموفوبيا..الخوف من الإسلام .. في الوقت نفسه يمتلئ الفضاء الالكتروني بعشرات بل مئات الوقائع عن أناس تعتنق الإسلام وتدخل في دين الله افواجا بسبب اية من ايات القران او ملمح اعجازي علمي من الايات المبهرة في خلق الله والكون وكشف القران الكثير من اسرارها قبل العلم الحديث والأبحاث المتقدمة في تلك المجالات..
ولعله مما يدخل في باب الاعجاز المبهر والمدهش ان كثيرا من حالات اعتناق الإسلام كانت رد فعل على حملات الكراهية غير المبررة التي تقوم بها جماعات اليمين المتطرف وغيرها من قوى تدعمها لتشويه صورة الإسلام والمسلمين ..أناس استفزهم ما يتم ترويجه من ادعاءات واكاذيب ضد الإسلام والمسلمين فبحثوا بأنفسهم عن الحقيقة فهداهم الله واهتدوا الى الحق واشهروا اسلامهم بكل قوة وفخر أيضا واصبحوا مدافعين حقيقيين وصادقين عن الإسلام كدين من عند الله..لم تكن حالات فردية بل هناك اسر بأكملها .. لم يتوقف الامر عند اشخاص عاديين بل ان العلماء والمفكرين والباحثين في مقدمة الصفوف.. وهذه ظاهرة لفتت انظار مراكز البحوث الغربية ووضعوها تحت مجهر البحث والفحص لمعرفة حقيقية ما يجرى وللاجابة على تساؤلات مهمة في مقدمتها لماذا الإسلام هو اكثر الأديان انتشارا واسرعها رغم الحملات الضارية التي يتعرض لها؟! وما الموقف بعد تزايد اعداد المسلمين بصورة كبيرة في المجتمعات الغربية في الفترة الأخيرة؟ البعض يتحدث عن قوة الصوت الإسلامي وتأثيره في الديموقراطية الغربية وفقا لالياتها حتى اصبح المسلمون رقما صعبا لا يمكن تجاهله في المعارك الانتخابية سواء الرئاسية او التشريعية او على مستوى المحليات والولايات..
كثير من الحالات لم يكن الفضل فيها لجهود دعوية او لحملات تصحيح المفاهيم او رد المكائد عن الإسلام والمسلمين او حتى حملات المؤسسات الإسلامية الكبرى والصغرى لتقديم وشرح ما يمتلكه الإسلام من قيم ومبادي إنسانية رفيعة لخدمة البشرية والارتقاء بها في كل زمان ومكان..
** القوة الروحية والحضارية والإنسانية في القران الكريم تفرض وجودها وتنشر ظلالها الفيحاء على ارجاء الكون يتنسم عبيرها من يريد ان يستمتع ويجذب سحرها أصحاب العقول والمفكرين ليتعرفوا على اسرارها ومكامن القوة فيها..
واذا كانت مشاهد العنف والعدوان السافر على القران قد اغضبت الكثيرين الا انهم يتجاهلون القوة الأخرى التي اثارتها سواء على المدي البعيد او القريب..مما يمكن ان ندخله في باب رب ضارة نافعة ..
لعل في المقدمة السؤال الكبير المطروح في هذا الصدد لماذا يحرقون القران الكريم ؟ لماذا القران تحديدا اذا كان العلمانيون والملحدون لا يؤمنون باي من الكتب السماوية ولا يعترفون أصلا بوجود اله خالق للكون ومرسل المرسلين بمناهج لاصلاح وعمارة الكون؟
أيضا صاحب ذلك دراسات صريحة حول القران الكريم ومحاولات جادة لترجمته ترجمة صحيحة للتعرف على الحقائق من وجهة نظر قرانية بحتة وليس من وجهة نظر المترجمين وأصحاب الهوى والغرض او حتى وجهة نظر المؤسسات المعادية للاسلام سواء دينية او أيديولوجية فكرية او حتى سياسية وغيرها؟وهو ما اعتبره خدمة حقيقية للقران الكريم رغم انف الحاقدين والمتربصين ووجه اخر من أوجه الاعجاز اذ يجبر الأعداء قبل الأنصار على كشف الحقائق وفضح محاولات التزييف والعبث بالعقول على مدار التاريخ..
بعض الباحثين اقترب من القضية بصورة اكثر واعمق وحاول الإجابة عن سؤال مباشر ومحدد وهو ما الذي يعنيه القرآن ؟!
وجاء السؤال عنوانا لكتاب مهم نشر في طبعته الأولي عام 2017 وهو من تأليف جاري ويلز كاتب ومؤرخ أمريكي متخصص في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية حصل علي جائزة بوليتزر للأدب الواقعي عام 1993 والميدالية الأمريكية للعلوم الإنسانية عام 1998وهو حاليا أستاذ فخري للتاريخ بجامعة نورث وسترن الأمريكية.
لفت نظري ماكتبته الأستاذة ميادة العفيفي في الاهرام في ابريل العام الماضي تحت عنوان كيف يقرأ الغرب القران الكريم ..
كتاب جاري ويلز مليء بالاعترافات الصريحة حول الموقف الغربي المناهض للقران والمبني على أوهام واكاذيب بلا اطلاع او معرفة حقيقية عن الإسلام والقران ويعترف أيضا بالتاثير القوي للقران عليه شخصيا ويدحض حجج من يرمون القران بالمشاركة في صناعة الإرهاب ..
يقول ويلز: لقد مر وقت طويل لم يكن علي الأمريكي العادي معرفة الكثير عن الإسلام لكن هذا لم يعد الحال لقد أخطأنا في أطول حرب في تاريخنا" الحرب علي الإرهاب" دون معرفة الحقائق الأساسية عن الحضارة الإسلامية التي نتعامل معها نحن نتلقي باستمرار معلومات كاذبة عن الإسلام تزعم انه دين عنف بالأساس وأن القرآن هو مجرد كتيب للإرهابيين، ولكي نقيم هذه الادعاءات علينا علي الأقل أن يكون لدينا بعض المعرفة بالقرآن.
ويضيف: "لم أقرأ القرآن من قبل وقد فوجئت بعدد من سألتهم حولي ممن تخصصوا في الدراسات الدينية أو السياسية بانهم فعليا لم يقرأوا القرآن ويبدو أن هذا يصب في صالح المحرضين ضد الإسلام لانهم بسهولة يخبرونك بما ليس فيه... مما يجعلنا ساذجين أمام العبارات الجامحة التي تقال عن الإسلام. "
يؤكد ويلز انه عندما قرأ القرآن فوجئ تماما بكون الإسلام "دين شامل" للجميع ولا يقصي أحدا فهو أكثر شمولية من اليهودية أو المسيحية فالمختارون في القرآن هم جميع الموحدين بدءا من سيدنا آدم فصاعدا فلا يوجد شعب مختار بل البشرية كلها باستثناء المشركين التوحيد مقابل الشرك هذه هي القضية في جميع آيات القرآن."
هدف الكتاب من وجهة نظر ويلز أن يقرأه غير المسلم بعقل متفتح وتعاطف وفي نفس الوقت بفهم متعمق في محاولة لاستكشاف لماذا وصفه الكثير من غير المسلمين-البابا فرانسيس بابا الفاتيكان علي سبيل المثال- بانه كتاب ملهم يرشد الناس علي مر العصور وانه كتاب السلام، وهي التصريحات التي لاقت وقتها انتقادات حادة من قبل اليمين المتطرف في الغرب وصلت إلي حد اتهامه بكونه غير كفء لحمل مسئولية الفاتيكان!
يكتب ويلز" علي مر السنين مررت علي ترجمات مختلفة للقرآن وبدأت في القراءة ووجدت نفسي إلي حد كبير تائها بشكل لا إرادي في تجربة روحية عميقة"..
هذه واحدة من الدراسات والشهادات الكثيرة التي تكشف مدى قوة تأثير القران الكريم على من يتلقاه سواء كان عربيا ام اعجميا مؤمنا كان ام كافرا..وهي حقيقة لازمت نزول القران منذ يومه الأول على الأرض وفي دنيا البشر ولعل اصدق مثال ما حدث من مشركي مكة وصناديد قريش وحديثهم عن القران واعجازه ونفيهم ان يكون من قول بشر او من فعل السحرة او غيرهم ويكفي شهادة الوليد بن المغيرة وقوله المشهور عن القران : والله ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان اسفله لمغدق وانه يعلو لا يعلى عليه.
روى الترمذيّ عن عليّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:«ألا إنها ستكون فتنة. فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبّار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم.هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق (لا يبلى) على كثرة الردّ ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجنّ إذ سمعته حتى قالوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ. من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم»..
حقا ان هذا القران لا تنقضي عجائبه..
أكثروا من الدعاء في هذه الأيام المباركة واسألوا الله من فضله..لعل ليلة القدر تصادفكم وتكونوا فيها من الفائزين ..
والله المستعان..