هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

بالبنط العريض

تحطمت نظرية إسرائيل الأمنية


في مثل هذه الأيام من كل عام, ومنذ 52 سنة يحاول الإعلام الإسرائيلي تقديم رواية مغلوطة حول هذه حرب السادس من أكتوبر 1973, والتي انتصرت فيها مصر انتصارا ساحقا على إسرائيل, فرغم كل ما حدث بالفعل على أرض الميدان و يقول أن المصريين كسروا أنف العدو المتغطرس وقضوا على أسطورة الجيش الذي لا يقهر ونسفوا خط بارليف الحصين, وعبروا القناة إلى سيناء و استردوا الأرض لاحقا, ولقنوا العدو درسا لن ينساه, مازال هناك من يردد أن إسرائيل انتصرت في هذه الحرب!, و كأنهم يتحدثون عن حرب أخرى غير حرب السادس من أكتوبر 1973 !! ورغم الكوارث التي ذكرها قادة الحرب الإسرائيليين في مذكراتهم عما وصفوه بأسوأ أيام حياتهم ومنهم قيادات بارزة مثل إيلي زعيرا رئيس المخابرات العسكرية " أمان" والذي سجل روايته في كتاب بعنوان " حرب يوم الغفران: الأسطورة مقابل الواقع" (1993)، وتحدث عن الخسائر و الخلل الذي أصاب الجيش الإسرائيل جراء مباغتة الجيش المصري له بتوجيه ضربة موجعة, وغير إيلي زعيرا قادة كثر تحدثوا عن أهوال هزيمتهم في هذه الحرب, ورغم كل هذا مازال أفيخاي أدرعي المتحدث باسم جيش الإحتلال يدون على موقع "إكس" يوم السادس من أكتوبر كل عام و يهنئ إسرائيل بانتصارها في حرب يوم الغفران كما يطلقون عليها؟! ، وبمراجعة تدوينات أدرعي طوال الخمس سنوات الماضية ستجدها تقريبا متشابهة, سأعرض نصا إحداها قال فيها إن إسرائيل حينها "بوغتت في أقدس أيامها، يوم الغفران"، وفق تعبيره، قائلاً إنها بدأت "بمفاجأة كبيرة، وانتهت بنصر عسكري إسرائيلي", و لا أحد يعرف في العالم عن أي نصر يتحدث أدرعي فقد عبر الجيش المصري إلى سيناء و استرد الأرض و فرض إرادته و في الحروب المنتصر يفرض إرادته على المهزوم ومصر في هذه الحرب بسطت يدها كل البسط ,وقد تجد بعض المحللين والكتاب الصهاينة في الغرب يتبنون رواية أدرعي المكذوبة 

بالنسبة للمصريين والعرب لم يكن حرب السادس من أكتوبر 1973 مجرد  معركة عسكرية خاضتها مصر وحققت فيها أعظم انتصاراتها، بل كانت اختبارا حقيقيا لقدرة الشعب المصري على تحويل الحلم إلى حقيقة.

من يفتش وراء غطرسة العدو الصهيوني سيكتشف أنها مرض متأصل في الشخصية الإسرائيلية, وسأثبت هنا بدليل من داخل إسرائيل, كتاب بعنوان  "الغطرسة"، صدر فى يوليو 2021، مكون من 652 صفحة للمؤرخ العسكرى الإسرائيلى البروفيسور يوآف جيلبر القائد السابق للواء المظليين الإسرائيلي والمستشار الأكاديمي بكلية القيادة والأركان الإسرائيلية وأستاذ التاريخ العسكري في جامعة حيفا, الكتاب هو الجزء الثالث والأخير من سلسلة دراسات، أدرجها جيلبر تتناول فيها الجيش الإسرائيلي في السنوات ما بين نهاية حرب يونيه 1967 واندلاع حرب أكتوبر 1973، يتحدث الكتاب عن غطرسة القوة التى نشأت بعد حرب 1967 بين القيادات الإسرائيلية، وأدت إلى هزيمتهم النكراء فى حرب أكتوبر، المؤلف و هو عسكري شارك في الحرب يعترف بما وصفه هزيمة إسرائيل النكراء, وناقش جوانب من أسباب هزيمة إسرائيل فى حرب السادس من أكتوبر، نافيًا اقتصارها على فشل الاستخبارات الإسرائيلية، وأوضح جيلبر أن المصريين حطَّموا نظرية إسرائيل الأمنية, قائلا نصا: "حرب يوم الغفران أثبتت فشلاً ذريعًا بسبب الافتقار الإسرائيلي إلى فهم التغييرات التي مرت بها الخصوم إلى جانب ظروف الساحة الجديدة, لقد كانت حربًا حقيقية، على كل الفجيعة والحزن والمعاناة والتساقط التي شهدتها". 

ويبدو أن الإسرائيليين جيلا بعد جيل يتوارثون هذه الغطرسة, فعلى سبيل المثال لم يتنازل رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو عن لغة الغطرسة والتعالي التي تحدث عنها جيلبر في كتابه, فنتنياهو يردد ليل نهار جملة " نحن نغير الشرق الأوسط" و الحقيقة أنه كشف الوجه الحقيقي الإمبريالي لإسرائيل بأنها دولة منبوذة ارتكبت جرائم إبادة جماعية و تطهير عرقي في حق الفلسطينيين. 

سيظل انتصار السادس من أكتوبر 1973 ملحمة يذكرها التاريخ العسكري في العالم, حتى ولو عاش الإعلام الإسرائيلي حالة فقدان اختياري للذاكرة, وحتى لو لم يتذكر من انتصر ومن انهزم في هذه الحرب, و حتى لو تناسى مشهد الأسرى الإسرائيليين وهم عائدون يرتدون ببيجامات كستور المحلة, كل سنة و مصر قوية ومحمية.