لا شك أن من أخطر القضايا التي تهدد بلادنا.. التعديات المستمرة علي الأراضي الزراعية حتي اننا فقدنا أكثر من مليوني فدان من أخصب الأراضي الزراعية خلال الـ 50 عاماً الماضية.. وقد زادت وتيرة التعديات علي الأرض الزراعية بعد أحداث 25 يناير 2011 وانتشار الفوضي وغياب الدولة وتواطؤ المسئولين بالمحليات.
وقد كشفت الحكومة أن حجم التعديات علي الأرض الزراعية منذ 2011 وحتي الآن بلغ حوالي 100 ألف فدان.
وأشارت إلي أن تكلفة استصلاح الفدان الواحد في الصحراء تتراوح بين 150 و200 ألف جنيه وفي هذه الحالة تحتاج الدولة إلي 19 مليار جنيه لتعويض الـ 100 ألف فدان التي تم البناء عليها بشكل عشوائي. بينما تشير تقارير أخري إلي ضياع أكثر من 350 ألف فدان.
والغريب أن التعديات مستمرة حتي الآن رغم كل الجهود التي تقوم بها الدولة لإزالة التعديات مما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي التحذير من هذا الأمر موجهاً نداءه للمواطنين والحكومة بالعمل علي الحفاظ علي ما تبقي من الأرض الزراعية حتي لا تزيد فاتورة استيراد السلع من الخارج. وبالتالي تزداد الديون المستحقة علينا.
أكد دكتور عبدالعظيم أحمد عبدالعظيم - أستاذ ورئيس قسم الجغرافيا كلية الآداب جامعة دمنهور - ضرورة تطبيق عقاب رادع علي المسئولين المقصرين والمتورطين في المحليات لا يقل عن الطرد من الوظيفة أولاً ثم العقاب القانوني. وكذلك مراجعة المختصين في مجال الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية لمتابعة تطورات حالة التغير في خرائط استخدامات الأرض والغطاء الأرضي.
فمركز دعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء وهيئة الاستشعار عن بعد وأكاديمية البحث العلمي وغيرها من الهيئات تستطيع توفير وتحليل "مرئية فضائية" كل أسبوع. ومن خلال التغير الأسبوعي يتم رصد التغيرات أولاً بأول وإزالتها خلال ساعات.
أضاف أيضاً ضرورة نزع ملكية الأراضي التي يتم تجريفها. بحيث يتم وضع يد الدولة عليها. وكذلك استرجاع مناطق التعديات العمرانية خارج حدود الأحياز العمرانية للمدن والقري. والاستعانة بخبراء الزراعة لتخصيب تربتها مرة أخري. حتي إذا لم تكن بذات الكفاءة التي كانت عليها من قبل.
يري دكتور جمال صيام - أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة - أن حل مشكلة التعديات في القري والمدن يتطلب إتاحة التوسع الرأسي علي المباني الموجودة بالفعل وذلك بزيادة ارتفاعات المباني بالقري حتي ثلاثة أو أربعة طوابق لاستيعاب جزء من الزيادة السكانية دون التعدي الأفقي علي مزيد من الأراضي.
أكد أيضاً ضرورة إحكام الرقابة علي المحليات والجمعيات الزراعية وتطبيق القانون بقوة وحزم علي الجميع دون استثناء. والقضاء علي فسادها والرشاوي والمحسوبيات وغيرها من أسباب وسبل اختراق القانون. وكذلك يجب إعادة الانضباط إلي المنظومة الزراعية. وكذلك يجب أن تستمر الدولة في إنجاز مشروعات تعمير الصحراء فهي قطعت شوطاً جيداً في هذا الصدد.
ويجب أيضاً أن يتم بناء العديد من القري الجديدة في الامتدادات الصحراوية للقري الموجودة حالياً وأن تتوفر بها المرافق وفرص العمل. وبالإضافة إلي ذلك لابد من الحرص علي تخصيص أماكن للسكن ضمن مشروعات استصلاح الأراضي مثل مشروع الدلتا الجديدة. بالإضافة إلي توفير حوافز لتشجيع المواطنين إلي الانتقال إليها والعمل بها.
أوضح دكتور عمر محمد علي - أستاذ الجغرافيا بجامعة حلوان - أن الحفاظ علي الأراضي الزراعية من التعديات يمثل قضية قومية استراتيجية. خاصة وأن استصلاح الأراضي يكون مكلفاً جداً ولا يؤتي بنتائج مجدية من حيث الإنتاج. ومع ذلك وبما أن البشر في جمهورية مصر العربية يعيشون علي مساحة لا تتجاوز 4% من إجمالي مساحتها وهي التي تحتوي علي الأراضي الخصبة وأن باقي مساحة مصر والتي تبلغ 96% هي عبارة عن صحراء.
فقد اتجهت الدولة أيضاً إلي استصلاح الأراضي الصحراوية بعدد كبير من المشروعات الضخمة والعظيمة مثل مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان ومشروع توشكي ومشروع الدلتا الجديدة ومشروع شرق العوينات والتي تعد مشروعات واعدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي. ولكن يظل من الضروري الحفاظ علي الأراضي الخصبة من التدعي لأنها تمثل كنوزاً لا مثيل لها.
أشار إلي أنه للأسف الشديد خلال فترة الانفلات الأمني التي عقبت ثورة يناير تم التعدي علي قرابة 350 ألف فدان من الأراضي الزراعية الخصبة وتبويرها. مشيراً إلي ضرورة عمل حملات توعية للمصريين بقيمة الأراضي الزراعية وأهمية الحفاظ عليها وحمايتها وتنميتها. وأن المحافظة علي الرقعة الزراعية تمثل المحافظة علي الحياة للأجيال القادمة.
وفضلاً عن ذلك فقد اهتمت الدولة بإعادة تخطيط الحيز العمراني بالتصوير الجوي لإزالة التعديات علي الأراضي الزراعية. حيث يمثل الزحف العمراني علي الأراضي الزراعية خلايا سرطانية سريعة التكاثر والقتل للرقعة الزراعية.
أكد دكتور محمد سعد علي - قسم الزراعة بدون تربة بمركز البحوث الزراعية - أن مفتاح الحفاظ علي الأراضي الزراعية وتنميتها يتمثل في دعم وتشجيع الفلاح المصري خاصة أنه يعاني من الانخفاض الشديد في السعر الذي يبيع به محصوله مقارنة بالجهد والتكاليف المبذولة خلال عملية الزراعة والاعتناء والرش بالمبيدات والأسمدة. وبالتالي فلابد أن توفر الدولة دعماً للفلاحين والمحاصيل مثل دعمها لرغيف العيش وغيره. مشيراً أيضاً إلي ضرورة أن يكون هناك مراكز تتبع وزارة الزراعة تتولي شراء المحاصيل من المزارعين بأسعار مناسبة وتدعمها وتعيد بيعها للمواطنين. كما أكد أيضاً ضرورة دعم أسعار الأسمدة والمبيدات.
شدد أيضاً علي ضرورة أن تعود الدولة لتطبيق نظام الدورة الزراعية بحيث تحدد للفلاحين المحاصيل والنوعيات والمساحات التي يزرعونها وفقاً لحاجة الأرض وحاجة السوق لتحقيق الاكتفاء الذاتي. وكذلك توعية الفلاحين بالأساليب الزراعية المناسبة. خاصة وأن زراعة بعض المحاصيل بالقرب من بعضها يتسبب في تفشي الأمراض فيها مثل زراعة الباذنجان بجوار الطماطم والتي تتسبب في إصابة الطماطم. وبالتالي تكبد المزيد من التكاليف المتمثلة في المبيدات. مشيراً أيضاً إلي ضرورة تدريب الفلاحين والعاملين في الزراعة علي الطرق الصحيحة لنقل المحاصيل حفاظاً عليها من الهلاك. خاصة أن الفاقد قد يزيد علي 30% من المحاصيل خلال نقلها.
أشاد باهتمام الدولة بإقامة بعض المشروعات لزيادة إنتاج الأراضي الزراعية مثل مشروع تطوير الري الحقلي وتبطين وتغطية الترع والمشروع القومي الذي يتبناه الرئيس السيسي لإنتاج بذور الخضر والتقاوي محلياً وزيادة جودتها بدلاً من استيرادها.
حتي منتصف القرن الماضي كانت القاهرة بها مئات الآلاف من الأفدنة من أخصب الأراضي الزراعية وكانت تنتج كميات هائلة من الخضروات والفاكهة تكفي احتياجات سكان القاهرة بل ويتم تصدير الفائض إلي الخارج.
كانت منطقة الهرم تضم آلاف الأفدنة حتي أنك تستطيع أن تشاهد الأهرام الثلاثة وأنت في ميدان الجيزة.. وللأسف الشديد تم تبوير جميع الأراضي الخصبة حتي لم يعد بها فدان واحد بعد أن زحفت عليها المساكن العشوائية حتي انك لا تستطيع أن تشاهد الأهرامات وأنت علي بعد أمتار قليلة منها!!
وما حدث في منطقة الجيزة حدث في مناطق أخري في القاهرة الكبري مثل بولاق الدكرور وأرض اللواء والمهندسين وعين شمس وعزبة النخل والمطرية والمرج وأبوزعبل وغيرها.. وفقدنا كل هذه الأراضي الخصبة وأقمنا بدلاً منها مناطق عشوائية نعاني منها كثيراً الآن!!
اترك تعليق