عندما اشتد العذاب علي المسلمين بمكة امر رسول الله صلي الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة إلي الحبشه فرارا من أذي قريش وكانت اول من قالت سمعا وطاعة هي هند ام سلمة وزوجها عبدالله بن عبد الاسد رضي الله عنهما فهاجرا اليها.. فعن ام سلمه رضي الله عنها قالت: ¢لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جوار وأمنا علي ديننا وعبدنا الله ولانؤذي. فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلي النجاشي هدايا. فجمعوا ¢أدما ¢كثيراً¢.. مما اضطرها الرجوع هي وزوجها إلي مكة من أرض الحبشة.

لما عاد أبوسلمة قد أذته قريش من جديد وأثناء ذلك بلغة أسلام الكثير من الانصار من بني النجار بالمدينة فخرج مهاجرا اليها وقد عانت ام سلمة ألما شديدا في هذه الهجرة حيث قالت: لما أجمع أبوسلمة للخروج إلي المدينة رحل لي بعيرة ثم حملني عليه وحمل معي ابني سلمه ثم خرج يقود البعير فلما رأته رجال بني المغيرة بن مخزوم قاموا اليه ونزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد الذين قالوا لن نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من زوجها ثم قالت :فتجاذبوا ابني سلمه بينهم حتي خلعوا يده وهو طفل صغير فاضطر زوجها أبوسلمة ان يهاجر وحده حتي يكون بجوار رسول الله ويحارب معه ضد قريش.

ظلت أم سلمة وحدها بمكة بجوار ابنها سلمة لعله يرجع لها يوما.. وقد حرمت منه لأكثر من عام كامل تتلوي بين شوق الأمومة وحنانها ولوعة فراق زوجها والنبي العظيم.. وكانت خلال هذا العام تجلس بجوار الكعبة من الصباح وحتي المساء لا تبالي بحر الشمس ولا لهيب الرمال تبكي وتشكو بثها وحزنها إلي الله وعندما أيقن أهل عشيرتها بانها لن تتراجع عن عقيدتها الجديدة أعادوا لها ابنها وقالوا لها الحقي بزوجك إن شئت.. فأخذت ابنها وهاجرت به إلي المدينة.. وبذلك تكون هذه هي هجرتها الثانية لذلك سميت ¢بذات الهجرتين¢.

تعتبر أم سلمة هي أول امرأة مسلمة تدخل المدينة مهاجرة من مكة ولهذا فازت بالسبق الاول إلي التضحية في سبيل الله.
أمام رهبة التحدي المكي وقسوة الايذاء للمسلمين كان الجهاد الحقيقي.. حيث ألهمها عقلها الراجح أن طلبت من ابي سلمة ان يسهم مع المجاهدين في جهادهم ليكون له الفضل والسبق في ميدان الجهاد أو الاستشهاد الأعظم في سبيل الله.. فيكتب له اجر الصديقين والشهداء.

فاستجاب أبوسلمة لداعية الجهاد.. وخرج قوي القلب ثابت الوجدان ليتصدي لقريش ويروعها ويرعب سفهاءها ويزرع الخوف في اعماق قلوبهم اجمعين.

حقق المسلمون وفيهم أبوسلمة نصرا مابعده نصر.. واسعدت ام سلمة المجاهدة بهذا النصر المبهر وخاصة في معركة بدر حيث أيد الله عباده بنصره وكتب سبحانه وتعالي للفئة القليلة المؤمنة النصر علي الفئة الكثيرة الباغية.

عاد أبوسلمة إلي المدينة مصابا بالعديد من الجراح التي كانت دليلا علي شجاعته.. وقامت ذات الهجرتين بتمريضه وتضميد جراحة حتي شفي.. ثم بثت روح العزيمة فيه من جديد من أجل الجهاد جعلته يسرع إلي الصف مجاهدا في سبيل نصرة دين الله.
في السنة الرابعة للهجرة بلغ النبي عليه افضل الصلاة والسلام ان كفار قريش عازمون علي محاربته في دار هجرته وكانت معركة¢احد¢ وعاد ابوسلمه وقد اثخنته الجراح والتي لم ينفع معها اي دواء ولم تطل الحياة بابي سلمه فما هي الا مدة وجيزة حتي انتقل إلي جوار ربه شهيدا راضيا مرضيا عنه.. وقد ترك وراءه ارملته ذات الهجرتين ام سلمة المجاهدة الثابتة الايمان الراجحة العقل هي وصغاره الأربعة لرعاية الله.

لأنها هي وزوجها ابوسلمه رضي الله عنهما.. قد منحا الدعوة كل ما يملكانه من مال ونفس وتضحيه فأبدلها الله خير من زوجها.. خاصة وانها عندما توفي ابوسلمه دعت قائلة ¢اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها¢..وقد استجاب الله لها ولما انقضت عدتها مرت الايام وشاء الله ان يكرم ذات الهجرتين وان يعوضها عن أبوسلمه البطل الشجاع المؤمن فأمر رسول الله ان يتزوجها وأن يرفعها إلي مراتب أمهات المؤمنين.

شهدت مع رسول الله ¢صلي الله عليه وسلم¢ الكثير من الغزوات وعاشت بعد رسول الله وشهدت خلافتي أبوبكر وعمر.. وحضرت خلافة عثمان بن عفان ووقفت معه أثناء الفتنة حتي مقتله.

وظلت تروي الأحاديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي توفاها الله وهي في التسعين من عمرها رضي الله عنها.