في قلب محافظة الفيوم، تبرز قرية تونس كنموذج حي لتكامل الفن والتراث والثقافة مع المجتمع المحلي. منذ عقود، شهدت القرية تحولات فنية مميزة بفضل جهود رواد الفن والمبادرات المجتمعية، حتى أصبحت اليوم مركزًا نابضًا بالأنشطة الفنية والثقافية، يجذب الفنانين والزوار من مختلف أنحاء مصر والعالم.
أوضح الفنان إبراهيم عبلة، مؤسس مؤسسة عبلة للفنون بقرية تونس، أن تاريخ القرية مرتبط بسيدة سويسرية اسمها إيفلين بوري، التي قدمت لتونس بعد زواجها الثاني من ميشيل، واهتمت بفنون الفخار وتطويرها، مستفيدة من الطين المحلي الذي كان الأطفال يستخدمونه للعب. وأضاف عبلة أن إيفلين ساهمت في تقديم تقنيات جديدة مثل الحرق والفلزات، ما ساعد على استدامة الأعمال الفنية لفترات أطول، وأسهمت في جعل الفخار والتراث المحلي محورًا ثقافيًا وفنيًا.
وتابع عبلة أن القرية شهدت مشاركة مجموعة من الفنانين المعماريين والأدباء والممثلين، من بينهم محمد عبلة، نبيل تاج، حسن سليمان، عبد العزيز مخيون، الذين ساهموا في دمج الفن مع البيئة المحلية، وإحياء العمارة التقليدية وتطويرها بما يتماشى مع المعايير الحديثة. وأضاف أن العلاقة مع المهندس حسن فتحي رحمه الله أسهمت في بناء منازل ذات طابع معماري فريد، معتمدًا على الحرفيين المحليين، ما جعل القرية نموذجًا للتفاعل المثمر بين الزوار وأهل البلد.
وأكد إبراهيم عبلة أن المؤسسة أسست مركز الفيوم للفنون، الذي توسع على مدار السنوات، ليشمل ورشًا فنية ومعارض متنوعة. وفي عام 2009، تم افتتاح المتحف الأول من نوعه في أفريقيا والشرق الأوسط لمتحف الكاريكاتير المصري، والذي يضم أكثر من 500 عمل أصلي لأهم الفنانين، ويهدف إلى الحفاظ على تاريخ الكاريكاتير ونقله للأجيال القادمة.
وأشار عبلة إلى أن المؤسسة تابعة حاليًا لوزارة التضامن الاجتماعي، وتسعى لمواصلة رسالة محمد عبلة، من خلال تنظيم أنشطة فنية وثقافية للأطفال، وإطلاق برامج المنح، وتنظيم ورش في الفنون العامة والكاريكاتير. وأضاف أن المؤسسة تعمل على استغلال قوة مصر الناعمة، ليصبح الفن رسالة تتجاوز الثقافات واللغات والمشكلات، مشيرًا إلى أن آخر المهرجانات كان الدورة الخامسة من مهرجان كاريكاتونس، والذي استقبل أكثر من 500 عمل فني من فنانين من كل أنحاء العالم، مع استضافة السفراء والمكرمين من الدول الفائزة بالجوائز.
كما أشار إبراهيم عبلة إلى برنامج المنح "نقطة انطلاق"، الذي يُنفذ بالتعاون مع مؤسسة ساويرس، ويمنح تسعة شباب فنانين مصريين تحت سن الثلاثين فرصة للعمل والإبداع على منحة مدفوعة بالكامل، مع التزامهم بأن يكونوا فاعلين في المجتمع الذي يعيشون فيه. وأضاف أن الفترة الثلاثة أشهر القادمة ستشهد مجموعة ورش فنية في الفضاء العام لتعزيز الفن المجتمعي وجعله حالة مستدامة وملهمة للجميع.
وأكد عبلة أن الفخار ما زال يمثل جزءًا أساسيًا من هوية قرية تونس، وأن التطوير الذي قدمته إيفلين بوري أضاف بعدًا إبداعيًا جديدًا للحرف التقليدية، مما ساعد على إبراز القرية كمركز سياحي بيئي وفني، وكنموذج للتفاعل المثمر بين الفن والمجتمع.
واختتم إبراهيم عبلة حديثه بالتأكيد على أهمية محافظة الفيوم كمحافظة نموذجية، تحتوي على تنوع طبيعي بين بحر وصحراء وخضرة، مشيرًا إلى أن المشروع ساهم في تعزيز تأثير الفن والثقافة على المجتمع المحلي، وتقديم نموذج للتعليم والإبداع والتفاعل الإيجابي مع البيئة المحيطة.
اترك تعليق