في رسالة قوية بعث بها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي الي اثيوبيا في الاسبوع الماضي اكد فيها ان مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام نهج إثيوبيا غير المسئول .. وأشار الرئيس الي ان مصر انتهجت علي مدار الـ 14 عاماً الماضية من التفاوض المدني مع اثيوبيا اتسم بالحكمة والرصانة وساعد فيه بكل جدية الي التو لاتفاق قانون ملزم بشأن السد الاثيوبي يراعي مصالح الجميع الا ان كل هذه الجهود قوبلت بتعنت لا يفسر الا بغياب الاراده السياسية والسعي لفرض الامر الواقع.
وكشف الرئيس انه ثبت بالدليل الفعلي صحة مطالب مصر والسودان بضرورة وجود اتفاق قانوني وملزم لتشغيل السد حيث تسببت إثيوبيا من خلال ادارتها غير المنضبطه للسد في احداث اضرار بدولتي المصب نتيجة التدفقات غير المنتظمة التي تم تصريفها دون أي اخطار أو تنسيق مع دولتي المصب.
أكد خبراء الموارد المائية أن فتح بوابات سد النهضة من قبل إثيوبيا بشكل أحادي أعاد أزمة مياه النيل إلي الواجهة من جديد.
أشاروا الي أن هذا التطور يسلط الضوء علي خطورة إدارة الأنهار العابرة للحدود بشكل غير منسق. خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تؤثر علي معدلات الأمطار والجريان السطحي في الهضبة الإثيوبية.
أوضح الخبراء أن أنظمة الرصد والتنبؤ في البلدين مطالبة بأن تكون في أعلي درجات الجاهزية لاستيعاب هذه التدفقات المفاجئة.
قال د. أحمد فوزي دياب. الخبير المائي. إن المشاهد الأخيرة لفيضان المياه في مصر ليست مرتبطة بفيضان طبيعي. بل نتيجة سوء إدارة من الجانب الإثيوبي.
وأوضح أن "السلطات الإثيوبية" قامت بملء بحيرة السد بشكل كامل قبل موسم الأمطار. وحين هطلت الأمطار لم يعد السد قادرًا علي استيعاب كميات إضافية من المياه. مما اضطرهم إلي فتح بوابات الطوارئ.
وأضاف أن "بوابات الطوارئ" لا تُفتح إلا عند وجود خطر داهم علي جسم السد. وكان من المفترض تشغيل التوربينات لتوليد الكهرباء. لكن هذا لم يحدث. وعندما فُتحت البوابات فجأة تجاوزت تصريفات المياه 700 متر مكعب في الثانية.
وأشار إلي أن هذا التدفق الفجائي تزامن مع فيضان الهضبة الاستوائية وكميات المياه القادمة من النيل الأزرق ونهر عطبرة. ما تسبب في غرق مناطق في مصر والسودان.
أكد د. عباس شراقي. أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بـ جامعة القاهرة. أن الفيضانات التي اجتاحت السودان جاءت في توقيت غير معتاد أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر وهي فترة يفترض أن تشهد انخفاضًا في معدلات الأمطار لا زيادتها.
قال إن معدل الأمطار الطبيعي في النيل الأزرق يبلغ 300 مليون متر مكعب يوميًا. لكن التصريف خلال الفترة الماضية تجاوز 750 مليون متر مكعب.
أوضح أن 4 بوابات طوارئ تولت تصريف هذه الكميات الضخمة في ظل توقف التوربينات. رغم إعلان إثيوبيا تشغيلها. مضيفًا أن وزارة الري السودانية أعلنت حالة الإنذار الأحمر بعدما تجاوز منسوب النيل في الخرطوم 17 مترًا وهو مستوي خطير يهدد السكان والبنية التحتية.
وكشف شراقي أن "السد الإثيوبي يعاني من أعطال منذ إنشائه» فإثيوبيا أعلنت اكتمال الملء في سبتمبر 2024. لكن من أصل 13 توربينا لم يُثبت سوي 4 وهي متوقفة. ما يفسر فتح بوابات الطوارئ بشكل مفاجئ".
وأضاف "أن تصريف 750 مليون متر مكعب يوميًا شكّل ضغطًا كبيرًا علي سد الروصيرص. وأن خفض التصريف لاحقًا إلي أقل من 400 مليون أنقذ الموقف مؤكداً أنه لو لم يكن السد العالي موجودًا. كانت مصر ستواجه كارثة وغرق مساحات زراعية واسعة".
قال د. إسلام قناوي. أستاذ القانون الدولي والفقيه الدستوري. إن ما قامت به إثيوبيا من فتح بوابات السد دون إخطار مسبق "يمثل مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي. وخرقًا للمواثيق والأعراف المنظمة للأنهار الدولية. ويعطي لمصر والسودان كامل الحق في اتخاذ إجراءات حاسمة دفاعًا عن حقوقهما المائية".
وأوضح أن القانون الدولي يشترط الإخطار المسبق والتنسيق الكامل مع دول المصب قبل أي إجراءات من دول المنبع. "هذا الشرط غير قابل للتجاوز".
أشار قناوي إلي أن المفاوضات مع إثيوبيا وصلت إلي طريق مسدود.
وأضاف أن مصر والسودان مارستا ضبط النفس لسنوات طويلة. واعتمدتا علي القنوات الدبلوماسية لتفادي التصعيد. لكن الإصرار الإثيوبي علي الإجراءات الأحادية يمثل تهديدًا صريحًا للاستقرار في حوض النيل الشرقي.
وأكد أن "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يتحمل مسئولية حفظ السلم والأمن الدوليين. وأن لمصر والسودان وفقًا لميثاق الأمم المتحدة الحق في اتخاذ تدابير مشروعة لحماية مصالحهما الجيوسياسية".
أوضح قناوي أن القانون الدولي للمياه يضع قواعد واضحة لتوزيع الموارد المائية بشكل عادل ومستدام. ويدعو إلي ما يُعرف بـ "دبلوماسية المياه" التي تهدف إلي خفض التوترات وبناء الثقة بين الدول. "لكن حين تفشل هذه الدبلوماسية. يصبح اللجوء إلي محكمة العدل الدولية أو حتي خيارات الردع المشروعة مطروحًا .
قالت د. إيمان زهران. أستاذ العلوم السياسية بجامعة جامعة القاهرة: "إثيوبيا استغلت حالة الفوضي عقب أحداث الربيع العربي. وبدأت في اتخاذ قرارات أحادية توظفها سياسياً لخدمة أجندات داخلية وخارجية. متجاوزة القوانين والأعراف الدولية الملزمة".
أوضحت أن السياسات الهيدروليكية لأديس أبابا خلال الفترة الماضية تعكس "حالة من الانفراد" في إدارة عمليات الملء والتخزين والتفريغ للسد. دون أي اتفاق أو تشاور مع مصر والسودان.
وأضافت: "الوضع في السودان هو الأخطر. فكل من سد الروصيرص وسد سنار لهما سعة تخزينية محدودة مقارنة بحجم الفيضانات. وهما يقعان مباشرة في مصب مياه السد الإثيوبي".
وأكدت زهران أن مصر تُحسن إدارة المياه علي كافة المستويات الهيدروليكية والسياسية. وهو ما انعكس علي صلابة الموقف المصري خلال أزمة الفيضان الأخيرة.
وأضافت: "الاستشراف الهيدروليكي المصري نجح في اختبار إدارة المياه وتجنب أزمة الفيضان» فلم يحدث سوي ارتفاع طفيف في المنسوب أدي إلي غرق بعض أراضي طرح النهر. وهي ليست مناطق سكنية. ومن المتوقع عدم خروج المياه عن مسارها طوال أكتوبر".
وختمت: "القاهرة تمتلك دوماً سيناريوهات بديلة لتوظيف الأزمات المحتملة في خلق فرص نوعية للمستقبل. بفضل التصميم الهندسي السد العالي القادر علي حجز 162 مليار متر مكعب من المياه. إضافة إلي مفيض توشكي. وقناطر فارسكور وادفينا علي فرع رشيد التي تسمح بتصريف المياه نحو البحر المتوسط".
وحذرت من أن إثيوبيا تتحرك ضمن استراتيجية عسكرة المياه مستغلة هشاشة الأطر القانونية الإقليمية والدولية رغم وجود أكثر من 3600 معاهدة دولية لتنظيم وتقاسم المياه.
قال د. منجي علي الوزير المفوض وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة: "إن إثيوبيا فاجأت العالم بإقدامها علي فتح بوابات السد دون إخطار دولتي المصب في مغامرة مثّلت تحدياً سافراً لقواعد القانون الدولي".
وأوضح أن ما بدا قراراً فنياً في ظاهره. كان في جوهره خطوة سياسية متعمدة. إذ خرقت إثيوبيا اتفاق الخرطوم وأعراف القانون الدولي التي تنص علي الانتفاع المنصف وعدم التسبب في ضرر جسيم. إضافة إلي الإخطار المسبق.
وأضاف: أديس أبابا تجاهلت حتي اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة الموقع عام 2015. الذي يفرض التشاور والتنسيق قبل أي خطوة أحادية.
وأشار إلي أن الآثار كانت فورية وقاسية حيث جرفت المياه آلاف الأفدنة الزراعية وتضررت منشآت الري في السودان
أكد عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة أن القاهرة والخرطوم أمام لحظة فارقة تستدعي تحركاً علي ثلاثة مسارات:
دبلوماسياً: عبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لإثبات أن التصرف الإثيوبي يهدد السلم الإقليمي.
قانونياً: بإعداد ملف متكامل لتقديمه إلي محكمة العدل الدولية أو عبر آلية التحكيم الدولي.
فنياً: بإنشاء غرفة إنذار مبكر لمراقبة أي تحركات مفاجئة في إدارة السد وتعزيز التعاون المائي بين مصر والسودان.
وأضاف: "هذه الخطوات لا تعني التصعيد بل تفعيل أدوات الردع القانونية والدبلوماسية لحماية الأمن المائي المشترك".
اترك تعليق