من قلب المعابد التاريخية وسحر المعالم الفرعونية، تتجدد مشاهد الازدهار السياحي في ربوع مصر، مع توافد أفواج من مختلف دول العالم، جاءوا ليعايشوا عبق التاريخ وروعة الحاضر في آنٍ واحد.. تنبض المدن السياحية بالحياة من جديد، وتستعيد الأماكن الأثرية بريقها وسط أجواء من التنظيم والاستقبال الراقي.
لم تعد الرحلات الأجنبية إلى مصر مجرد زيارات عابرة، بل أصبحت تجربة فريدة يشيد بها السائحون في كل المحافل الدولية، لما لمسوه من حسن استقبال، وتنوع في البرامج السياحية، ومزج بديع بين الماضي العريق والمشروعات الحديثة التي غيرت وجه المقاصد الأثرية. فكل محافظة باتت تقدم بصمتها الخاصة في فنون الضيافة وإبهار الزوار.
في المناطق الأثرية يسير الزائر بين ملامح حضارة عمرها آلاف السنين، ترويها الحجارة المنحوتة والجداريات المضيئة والوجوه المبتسمة التي ترحب بكل ضيف.. هي مصر التي لا تخيب ظن عاشقيها، تتجدد دوماً وتفتح ذراعيها للعالم، لتعلن أن السياحة المصرية تعود بقوة.. وتكتب فصلاً جديداً من النجاح.
أكد عدد من السائحين الأجانب أنهم عاشوا في مصر أجمل أيام العمر، بين سحر الطبيعة وروعة الحضارة، مشيرين إلى أن زيارة المعابد والمتاحف على ضفاف النيل الخالد كانت تجربة لا تُنسى. وأعربوا عن انبهارهم بعظمة الآثار المصرية التي تجسد عبقرية الإنسان عبر العصور، وبكرم الضيافة وحسن الاستقبال الذي لمسوه من الشعب المصري في كل مكان، مؤكدين أن مصر ليست مجرد وجهة سياحية، بل رحلة في قلب التاريخ والحياة، تجمع بين الدفء الإنساني والعظمة الحضارية التي لا مثيل لها في العالم.
مطروح - محمد السيد :
من قلب الصحراء الغربية، حيث تتعانق رمال الذهب مع عيون المياه المتدفقة من باطن الأرض، تستيقظ واحة سيوة من سباتها الصيفي لتستقبل زوارها من مختلف دول العالم، في موسم سياحي استثنائي يعيد إلى الأذهان مجد الحضارة المصرية وسحر الطبيعة الخالدة.
إنها عروس الواحات التي لا تشبه سواها، لوحة فنية رسمتها الطبيعة بعبقرية لا تُكرر، تجمع بين عبق التاريخ وروح الأصالة وهدوء الصحراء وروعة المغامرة.. هنا تتجسد السياحة البيئية في أنقى صورها، وتتنفس الأرض نكهة السكون والجمال.
ومع بداية أكتوبر، عادت الحياة تدب في ربوع الواحة الفريدة، حيث امتلأت فنادقها وكامباتها بالزوار، وازدانت شوارعها بنبض السياح من الشرق والغرب، في ظل جهود كبيرة تبذلها محافظة مطروح لإظهار سيوة في أبهى صورة أمام العالم.
أعلن اللواء وليد محمد منصور، رئيس مركز ومدينة سيوة، أن الواحة بدأت رسميًا في استقبال الوفود السياحية من داخل مصر وخارجها مع مطلع الموسم السياحي الذي انطلق في أكتوبر ويستمر حتى مايو المقبل.
وأشار إلى أن ذلك يأتي تنفيذًا لتوجيهات اللواء خالد شعيب محافظ مطروح، بالعمل على إظهار سيوة بالشكل اللائق، من خلال تنفيذ حملات مكثفة للنظافة والتجميل ورفع درجة الجاهزية بالتنسيق بين منطقة آثار سيوة، ومكتب تنشيط السياحة، وقطاع الآثار الإسلامية، وإدارة المحمية الطبيعية، إلى جانب توفير المطبوعات والخرائط السياحية للزوار.
وأكد منصور أن المحافظة تسعى لتعظيم الاستفادة من المقومات الطبيعية والثقافية والتراثية للواحة بما يسهم في جذب المزيد من الاستثمارات وتوفير فرص عمل جديدة لأبناء سيوة وتحسين المستوى الاقتصادي للأسر السيوية.
تضم سيوة كنوزًا طبيعية وسياحية تجعلها مقصداً لا مثيل له؛ من بينها قلعة شالي الأثرية، معبد الوحي، جبل الموتى، جبل الدكرور، عين كليوباترا، متحف البيت السيوي، مكتبة مصر العامة، ومركز زوار المحمية، فضلًا عن بحيرات الملح التي أصبحت مقصدًا عالميًا لعشاق التصوير والاستجمام.
ويُقبل الزوار على رحلات السفاري في "بحر الرمال الأعظم"، والتزلج على الرمال، والتخييم في الصحراء، ومشاهدة الغروب وسط الجبال، والاستمتاع بصفاء السماء في جلسات الرصد الفلكي التي تكشف روعة الكون بعيدًا عن صخب المدن.
أكد محمد عمران جيري، صاحب أحد الفنادق بمنطقة أغورمي، أن الموسم السياحي الحالي يُعد من أنجح المواسم في السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى ارتفاع نسب الإشغال في الفنادق والكامبات بمختلف مستوياتها.
وأوضح أن الإقبال الكبير من السياحة الداخلية والخارجية انعكس إيجابيًا على الأنشطة التجارية والخدمية بالواحة، وفتح مجالات عمل جديدة للشباب سواء من أبناء سيوة أو المحافظات الأخرى.
وأضاف أن الزائرين يقصدون سيوة بحثًا عن الراحة النفسية والعلاج الطبيعي، لما تضمه من أكثر من 200 عين مياه طبيعية ما بين الكبريتية والعذبة والساخنة، إلى جانب بحيرات الملح التي تمنح الجسم طاقة وصفاءً لا يُنسى.
قال ناصر حسين الألفي من القاهرة إن سيوة تعد من أجمل المقاصد الشتوية على مستوى العالم، فهي تجمع بين الأصالة المصرية وعبق التاريخ والطراز المعماري القديم والطقس الدافئ شتاءً.
أما السائحة الإيطالية أندريا ماكافي فأكدت أن جمال سيوة لا يوجد له مثيل في أي مكان آخر، مشيرة إلى أن المجموعات الشبابية الأوروبية تحرص على زيارتها سنويًا.
وقال الأمريكي سيمون جاكلون إنهم يأتون إلى الواحة للاستمتاع بأجوائها المعتدلة ومقوماتها الطبيعية المذهلة، واصفًا إياها بأنها "جنة في قلب الصحراء".
وقالت أمل فؤاد أبوهيبة من الإسكندرية إن الإقامة في فنادق مبنية من الكرشيف "مزيج من الملح والطين" تجربة فريدة تمنح إحساسًا بالعودة إلى الماضي، بعيدًا عن التكنولوجيا والضوضاء.
وأكد جمال يوسف منصور، أحد أصحاب الفنادق، أن سيوة تملك أجمل رحلات السفاري في العالم، خصوصًا في منطقة بئر 1 وبحر الرمال الأعظم، حيث يمكن للزائر الجمع بين الهدوء والمغامرة في لحظة واحدة.
فيما قالت ليليان أنطونيوس من لبنان وتحمل الجنسية الكندية : "كل من يزور سيوة يعود إلى بلاده سفيرًا لها، يحدّث العالم عن جمالها وصفاء طبيعتها وسحرها الذي لا يُقاوم."
تواصل سيوة ترسيخ مكانتها كإحدى أبرز المقاصد الشتوية في العالم، تجمع بين السياحة البيئية والعلاجية والتراثية في مزيج نادر لا يتكرر، لتظل بحق درّة الصحراء المصرية التي لا يبهت سحرها، مهما مر الزمن.
كفر الشيخ – عبدالقادر الشوادفي وصلاح طواله:
في إطار الجهود المبذولة لتنشيط السياحة الداخلية والدينية بمحافظة كفر الشيخ، استقبلت المحافظة وفدًا إسبانيًا رفيع المستوى في زيارة تفقدية إلى منطقة سخا وكنيسة السيدة العذراء مريم التاريخية، ضمن فعاليات الترويج لمسار العائلة المقدسة، أحد أهم المسارات الروحية في العالم.
وأكدت الدكتورة صفاء العبد، مدير عام السياحة بمحافظة كفر الشيخ، أن الزيارة تأتي تنفيذًا لتكليفات اللواء الدكتور علاء عبد المعطي محافظ كفر الشيخ، لتشجيع وتنشيط الحركة السياحية داخل المحافظة والتعريف بالمقاصد التاريخية والدينية التي تزخر بها مدنها السياحية مثل دسوق، فوه، مطوبس، بلطيم، بحيرة البرلس، جزيرة الشخلوبة السياحية، ومتحف كفر الشيخ القومي.
وأضافت "العبد" أنها رافقت الوفد الإسباني خلال جولته داخل كنيسة السيدة العذراء بسخا، وهي من أقدم الكنائس في مصر وأحد أهم ثمانية مواقع لمسار العائلة المقدسة، حيث يُعتقد أن السيد المسيح عليه السلام مر بها طفلًا برفقة والدته السيدة العذراء مريم خلال رحلتهما إلى مصر هربًا من الاضطهاد.
وأشارت إلى أن أعضاء الوفد الإسباني أبدوا إعجابهم الشديد بما شاهدوه من آثار نادرة داخل الكنيسة، خاصة حجر أثر قدم السيد المسيح الذي يُعد من أندر المقتنيات الدينية في العالم. كما أثنوا على جهود الدولة المصرية في ترميم المواقع الأثرية وإبرازها أمام الزوار من مختلف الدول، مؤكدين أن المكان يحمل طاقة روحانية عظيمة ومشهدًا تاريخيًا فريدًا لا يُنسى.
وأوضحت مدير عام السياحة أن الزيارة تأتي تزامنًا مع إعلان الهيئة المصرية العامة لتنشيط السياحة، التابعة لوزارة السياحة والآثار، إطلاق حملة ترويجية عالمية لمنتج السياحة الروحية تحت عنوان "Blessed Egypt" بالتعاون مع الشركة الإسبانية Viators، لتعظيم القيمة السياحية لمسار العائلة المقدسة والآثار المرتبطة به داخل المحافظات المصرية، ومنها كفر الشيخ التي تضم مواقع أثرية بارزة مثل تل الفراعين بقرية إبطو التابعة لمركز دسوق.
تُعد كنيسة السيدة العذراء مريم بسخا من أقدم الكنائس في مصر، بُنيت في القرن الأول الميلادي على موضع يُعرف بـ"دير المغطس"، نسبة إلى غمر المياه لموقعه القديم. وتضم الكنيسة مجموعة فريدة من الأيقونات والمقتنيات الأثرية النادرة، من بينها كأس للتناول، أيقونات مرسومة على جلد غزال، شمعدانات، وأوانٍ فضية أثرية.
أما الأثر الأهم فهو حجر بصمة قدم السيد المسيح، الذي يبلغ طوله نحو 60 سم، وتُظهر عليه آثار قدم الطفل يسوع حينما لامست الحجر أثناء إقامته بالمنطقة. ويُعتقد أن اسم "سخا" يعود إلى الكلمة القبطية "بيخا إيسوس" أي "كعب يسوع" تخليدًا لهذا الأثر المقدس.
وتشير الوثائق التاريخية إلى أن محمد علي باشا أصدر أمرًا بإعادة بناء الكنيسة للحفاظ على طابعها الأثري والديني، ما جعلها اليوم واحدة من أبرز المقاصد السياحية الروحية في دلتا مصر.
أكدت الدكتورة صفاء العبد أن زيارة الوفد الإسباني تعكس المكانة الروحية لمصر كأرض احتضنت العائلة المقدسة، مشيرة إلى أن كفر الشيخ تمتلك كنوزًا أثرية ودينية تؤهلها لتكون وجهة عالمية للسياحة الروحية والبيئية معًا.
وأضافت أن المحافظة تعمل بالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة لتسليط الضوء على هذه المواقع الفريدة، وإبرازها ضمن الخريطة السياحية العالمية لمصر تحت شعار "على أرضها مشى المسيح".
بورسعيد – طارق حسن:
تعيش محافظة بورسعيد هذه الأيام حالة من الانتعاش السياحي غير المسبوق، لتستعيد مجدها الذهبي حين كانت بوابة مصر البحرية وميناء العالم الحر، ومقصد الزوار من شتى الجنسيات.
فمع بدايات الموسم الشتوي، تحولت المدينة إلى محطة جذب عالمية للسياحة الأجنبية، بعدما عادت السفن السياحية العملاقة لترسو مجددًا على أرصفتها، حاملة أفواجًا من أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، في مشهد يعيد إلى الأذهان زمن ازدهار الميناء الحر وسحر البحر المتوسط.
من أمام الميناء السياحي الشرقي، بدت الصورة مبهجة؛ أفواج متتابعة من السائحين يوثقون لحظاتهم أمام زرقة البحر، وعدساتهم تتنقل بين المعالم التاريخية والأسواق الشعبية والمناطق التراثية التي تزخر بها المدينة الباسلة.
وتستقبل بورسعيد أسبوعيًا سفنًا سياحية دولية ضمن رحلات البحر المتوسط، وسط استعدادات مكثفة من هيئة الميناء وهيئة تنشيط السياحة التي أعدت برنامجًا متكاملاً يتضمن فرقًا فنية شعبية، ومراكز استعلامات بعدة لغات لتيسير تحركات الزوار وإثراء تجربتهم.
يقول الكابتن حسام فؤاد، مدير الميناء السياحي ببورسعيد:"الميناء استعادت مكانتها كمحطة عبور رئيسية على خريطة السياحة البحرية العالمية، بفضل موقعها الفريد على مدخل قناة السويس وتنوّع معالمها التاريخية والثقافية والترفيهية."
بدأت جولات الأفواج الأجنبية من متحف بورسعيد القومي الذي يوثق مراحل تطور المدينة منذ حفر قناة السويس وحتى بطولات المقاومة الشعبية.
وتقول السائحة الفرنسية كلارا دوفال:"ما شاهدناه في المتحف من تاريخ نضالي وعمارة فريدة يجعلنا نشعر أن بورسعيد ليست مجرد ميناء بل قطعة من روح مصر."
تتواصل الرحلات إلى حديقة فريال المطلة على مدخل القناة، ثم إلى سوق الفردوس الشعبي، حيث تتمازج الحرف اليدوية المحلية مع عبق القهوة والبهارات.
وفي حي الشرق، يحرص السائحون على زيارة الكنائس والمساجد التاريخية التي تجسد روح التسامح والتعايش بين أبناء المدينة، مثل كنيسة سانت أوجين ومسجد الرحمة، قبل أن يختموا جولتهم في بورفؤاد عبر المعدية في جولة نيلية قصيرة ساحرة.
قال منير حمود، مؤسس مبادرة "سياحة اليوم الواحد" ببورسعيد، إن المدينة تشهد حاليًا حراكًا سياحيًا متصاعدًا بفضل التعاون بين القطاعين العام والخاص.
"فكرة المبادرة انطلقت من إيماننا بأن بورسعيد قادرة على أن تكون وجهة سياحية على مدار العام، وليست موسمية فقط. نحن ننظم رحلات اليوم الواحد من الإسماعيلية والمنصورة والزقازيق لتشجيع الأسر المصرية على اكتشاف المدينة والتعرف على معالمها."
وأضاف حمود أن المبادرة، بالتعاون مع مديرية السياحة والأجهزة التنفيذية، وفرت أدلاء سياحيين متخصصين ومواقع تصوير محددة للزوار، مما جعل "سياحة اليوم الواحد" نموذجًا ناجحًا لتنشيط المدن الساحلية.
وأشار إلى أن العديد من السائحين الأجانب القادمين عبر السفن انضموا إلى هذه الجولات بعد أن لفتت انتباههم أجواء المدينة الآمنة والمنظمة وطابعها التراثي الفريد.
في سوق القنال الداخلي وسوق البازار، تتعالى ضحكات السائحين وتلتقط العدسات تفاصيل الحياة اليومية في بورسعيد.. السياح الألمان واليابانيون يبدون إعجابهم بالتحف النحاسية والمشغولات اليدوية، وبالإيشاربات المطرزة التي تشتهر بها المدينة.
وتقول السائحة الإيطالية ماريا لويزا بانبهار:"لم أتوقع أن أجد مدينة بهذا الجمال والنظام.. الناس هنا ودودون جدًا، والأسعار مناسبة، والطعام المصري وخاصة السمك الطازج لذيذ للغاية."
أكد أحمد الشرقاوي، مدير أحد الفنادق الكبرى، أن نسب الإشغال تجاوزت 80% خلال الأسابيع الأخيرة، مع حجوزات مستمرة حتى نهاية الموسم الشتوي.
وأشار إلى أن مديرية السياحة بالمحافظة أعدت برامج استقبال متميزة بالتعاون مع شركات السياحة العالمية، تشمل تأمين الطرق وتوفير وسائل انتقال مكيفة وتنظيم جولات بحرية قصيرة إلى بورفؤاد.
في استطلاع بين الزوار، أجمع السائحون على انبهارهم بما شاهدوه من تنظيم وأمن وكرم ضيافة.
وقالت السائحة الإسبانية إيزابيل مورينو:"شعرت بالأمان في كل لحظة.. المصريون يرحبون بنا بابتسامة صادقة، وبورسعيد مدينة جميلة تستحق الزيارة أكثر من مرة."
المنيا – مهاب المناهري و نبيل يوسف:
تستعيد محافظة المنيا بريقها المفقود وتفتح ذراعيها مجددًا لاستقبال زوّارها من مختلف أنحاء العالم، بعد أن شهدت خلال الأسابيع الأخيرة انتعاشة سياحية غير مسبوقة أعادت إليها مجدها كأحد أعظم المتاحف المفتوحة في التاريخ المصري القديم.
هنا، على ضفاف النيل الخالد، تتحدث الحجارة بلغة الحضارة، وتروي المقابر والمعابد والكنائس والمساجد قصة الإنسان المصري منذ آلاف السنين، لتبقى المنيا شاهدًا حيًا على عبقرية المصري عبر العصور.
من أمام مقابر بني حسن المنحوتة في الجبال جنوب المنيا، رصدت عدسة المساء تدفّق العشرات من الأفواج الأجنبية القادمة من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وبولندا واليابان، يتجولون في الممرات الصخرية يستمعون بشغف إلى شروحات المرشدين السياحيين عن فنون الحرب والزراعة والرقص في الدولة الوسطى.
وفي تل العمارنة، حيث قامت عاصمة إخناتون ونفرتيتي، وقف الزوار مذهولين أمام روعة العمارة القديمة، واصفين المكان بأنه "تحفة روحية وتاريخية لا مثيل لها في العالم".
أكد اللواء عماد كدواني محافظ المنيا أن المحافظة تشهد حاليًا طفرة نوعية في ملف السياحة، بفضل الجهود المتكاملة التي تقودها الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإعادة إحياء المقاصد الأثرية في صعيد مصر.
وقال إن المنيا تمتلك مقومات سياحية استثنائية تجمع بين التاريخ والتراث الديني والجمال الطبيعي، مشيرًا إلى أن المحافظة تنفّذ خطة تطوير شاملة تشمل رفع كفاءة الطرق والمداخل المؤدية للمناطق الأثرية، وتجميل المواقع السياحية، ودعم البازارات والحرف التراثية لخدمة الزائرين.
وأضاف المحافظ أن المنيا تضم كنوزًا فريدة مثل تونا الجبل التي تمثل العصرين اليوناني والروماني، وكنيسة العذراء بجبل الطير إحدى محطات العائلة المقدسة، ومنطقة البهنسا التي تُعرف بـ"البقيع الثاني" لما تحويه من مقامات الصحابة والتابعين.
وأوضح الدكتور ثروت الأزهري مدير عام السياحة بالمنيا، أن الإدارة أعدت برامج زيارات متكاملة تشمل مواقع أثرية متنوعة، إلى جانب رحلات نيلية وعروض فنية شعبية تجسّد الموروث الثقافي للمحافظة.
وأشار إلى أن العمل يجري وفق خطة لتقديم تجربة سياحية متكاملة، تشمل لوحات إرشادية جديدة، نقاط استراحة، ومسارات مهيأة لكبار السن، بالإضافة إلى تدريب شباب المنيا على الإرشاد السياحي بعدة لغات.
وأكد الأزهري أن المحافظة شهدت ارتفاعًا بنسبة 45٪ في عدد الزائرين الأجانب مقارنة بالعام الماضي، موضحًا أن هذا النجاح ثمرة تعاون وثيق بين أجهزة الدولة ووزارة السياحة والآثار والهيئة العامة لتنشيط السياحة.
قالت ماريا جوزيف من إسبانيا: "لم أتخيل أن أرى كل هذا الجمال في محافظة واحدة.. المعابد والمقابر هنا تنبض بالحياة والروح المصرية الأصيلة".
وأعرب السائح توماس شولتز من ألمانيا عن انبهاره قائلاً: "المنيا كنز أثري لم يُكتشف بعد، وسأعود مرة أخرى لاستكمال الجولة النيلية."
أما سارة إيفانز من بريطانيا فوصفت رحلتها بأنها "الأجمل في صعيد مصر"، مبدية إعجابها بمشهد الغروب على ضفاف النيل.
أكد أحمد فتحي صديق، مدير عام آثار المنيا، أن المحافظة تحتضن نحو سدس آثار مصر، وتضم آثارًا من جميع عصور التاريخ المصري، بدءًا من زاوية سلطان ومقابر فريزر في الدولة القديمة، مرورًا بمقابر بني حسن من الدولة الوسطى، ووصولًا إلى تل العمارنة، حيث أطلق إخناتون أول دعوة للتوحيد في التاريخ.
قالت ماريان بشري، مديرة مكتب الهيئة المصرية العامة لتنشيط السياحة بالمنيا، إن الانطباعات الإيجابية للسائحين تعكس التطور الكبير في البنية السياحية وتغيّر الصورة الذهنية عن صعيد مصر، مؤكدة أن الهيئة تنسق مع المكاتب الخارجية في أوروبا وآسيا لإدراج المنيا ضمن الحملات الترويجية الدولية.
وخلال الربع الثالث من العام الجاري فقط، استقبلت المنيا أكثر من 35 فوجًا سياحيًا من 12 دولة مختلفة، إلى جانب تطوير خمسة مواقع أثرية رئيسية وتدريب العشرات من المرشدين الشباب.
جنوب سيناء – د. ناصر التوني
من قلب الصحراء التي عانقت البحر، تتألق جنوب سيناء هذه الأيام كجوهرة على خريطة السياحة العالمية، بعد أن شهدت انتعاشة كبرى في حركة السياحة الأجنبية، لتعود مدنها الخمس "شرم الشيخ، دهب، طابا، نويبع، سانت كاترين" إلى صدارة المقاصد السياحية الأكثر جذبًا حول العالم، وسط إشادة دولية غير مسبوقة بروعة المقصد المصري وتنوع منتجاته السياحية.
وفي مفاجأة عالمية، أعلنت صحيفة التايمز البريطانية أن مدينة شرم الشيخ جاءت في المرتبة الثالثة عالميًا ضمن قائمتها لأفضل 20 وجهة سياحية يُنصح بزيارتها خلال نوفمبر 2025، بعد ستوكهولم ومالطا، مؤكدة أن “الغوص في مياه البحر الأحمر بشرم الشيخ تجربة لا مثيل لها، حيث الشعاب المرجانية المبهرة والأسماك النادرة وصفاء المياه الذي لا يُضاهي
تصنيف عالمي مستحق وجهود رئاسية مستمرة
قال اللواء د. خالد مبارك محافظ جنوب سيناء، إن هذا التصنيف العالمي يعكس جهود الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في تنفيذ استراتيجية التنمية السياحية 2030، التي تشارك في تنفيذها الوزارات المعنية ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص، في منظومة متناغمة تهدف إلى ترسيخ مكانة شرم الشيخ كوجهة عالمية راقية.
وأشار إلى أن ما تحقق من تطوير للبنية التحتية والخدمات الفندقية، وإطلاق حملات ترويجية كبرى، وتنظيم فعاليات دولية متميزة، جعل من شرم الشيخ نموذجًا مصريًا للتنمية السياحية المستدامة.
نسب إشغال غير مسبوقة وطفرة في الرحلات الدولية
كشف المحافظ أن نسب الإشغال الفندقي في شرم الشيخ ارتفعت من 36٪ في يناير 2023 إلى 91٪ في مايو الماضي، وهي طفرة غير مسبوقة تؤكد الطلب المتزايد على المقصد المصري.
كما ارتفع عدد الرحلات الجوية الوافدة من 9 آلاف رحلة عام 2023 إلى أكثر من 14 ألف رحلة حتى أكتوبر 2025، في مؤشر قوي على تصاعد الثقة العالمية في السياحة المصرية.
وأكد المحافظ أن المدينة صنِّفت ضمن أفضل 15 وجهة سياحية آمنة عالميًا من موقع “تريب أدفايزور”، واختيرت من قبل الاتحاد الأفريقي الآسيوي كـ«أفضل وجهة سياحية آمنة»، مشيرًا إلى أن جنوب سيناء تنفرد بمزيج من السياحة الشاطئية والروحية والبيئية، من شواطئ دهب وشرم الشيخ إلى دير سانت كاترين ومحميات رأس محمد ونبق.
مشروعات عملاقة لرؤية 2030
وأكد اللواء خالد مبارك أن ما تشهده جنوب سيناء من طفرة عمرانية وسياحية يأتي تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية بتعزيز التنمية الشاملة وتوفير فرص عمل لأبناء المحافظة.
وكشف عن تنفيذ عدد من المشروعات الاستثمارية الكبرى في دهب، تشمل تطوير منطقتي اللاجونا والبلو هول وتحويلهما إلى وجهتين عالميتين للغوص والسياحة البيئية.
كما يجري تطوير ممشى السلام بشرم الشيخ بطول 6 كيلومترات، ومشروعات النقل الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية لتقليل الانبعاثات، بجانب تطوير منطقة خليج نعمة ومشروع التجلي الأعظم في سانت كاترين الذي وصفه المحافظ بأنه “هدية الرئيس السيسي للعالم”.
شرم الشيخ ترند عالمي.. والفن يوحّد الشعوب
واصلت المدينة تألقها باستضافة الدورة الثانية من فعالية «آرت شارم» بمشاركة 54 فنانًا من 20 دولة، احتفالًا بيوم السياحة العالمي، حيث تحوّلت شرم الشيخ إلى ساحة فنية عالمية تعكس التفاعل الحضاري بين الثقافات.
وقال المحافظ إن استضافة هذه الفعاليات الدولية تؤكد الدور الريادي لمصر في نشر رسالة السلام والتواصل الإنساني من خلال الفنون، وتعزز مكانة شرم الشيخ كمركز عالمي للسياحة الثقافية المستدامة.
وفي السياق نفسه، افتتح متحف شرم الشيخ معرضه المؤقت «بريق الفضة.. فن متجدد عبر العصور»، الذي يضم أكثر من 80 قطعة أثرية نادرة من الحُليّ والعملات والمقتنيات الملكية من أسرة محمد علي، في رسالة حضارية جديدة تُبرز عمق الفن المصري عبر العصور.
استثمارات بمليارات الجنيهات وفرص عمل جديدة
وأوضح المحافظ أن مدينة دهب وحدها تشهد حزمة مشروعات استثمارية تتجاوز 6 مليارات جنيه، تشمل إنشاء مراكز ترفيهية سياحية عالمية ومشروعات خدمية وخضراء توفر آلاف فرص العمل المباشرة لأبناء المحافظة، مؤكدًا أن الهدف ليس فقط جذب السائحين، بل تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة للمجتمع السيناوي.
رسالة مصر للعالم من نيويورك
وفي خطوة تعزز الحضور المصري عالميًا، أعلنت محافظة جنوب سيناء مشاركتها كراعٍ رئيسي في فعاليات “اليوم المصري” بنيويورك في نسخته الرابعة، بحضور شخصيات دبلوماسية واقتصادية وإعلامية بارزة.
وقال المحافظ: “وجودنا في مانهاتن هو رسالة قوية بأن مصر حاضرة عالميًا، وأن جنوب سيناء بكل مدنها جاهزة لاستقبال السياح والاستثمارات، كوجهة آمنة تجمع بين الحضارة والطبيعة”.
وأكد د. ياسر نور الدين، رئيس مؤسسة السعادة المنظمة للحدث، أن اليوم المصري أصبح منصة عالمية لترسيخ الهوية الوطنية كقوة ناعمة، تعزز من حضور مصر على الساحة الدولية وتفتح آفاق التعاون في مجالات السياحة والثقافة والتعليم.
السائحون: مصر تبهرنا بعراقة حضارتها وجمال طبيعتها
وفي مشاهد إنسانية مبهرة، عبّر السائحون من مختلف الدول عن انبهارهم بجمال جنوب سيناء.
قالت إيلينا رودريغيز من إسبانيا: “لم أتخيل أن أرى هذا الجمال الطبيعي في مكان واحد.. من البحر إلى الجبل إلى الدير، كل شيء هنا سحر خالص”.
وأضاف ماركوس هانسن من ألمانيا: “رحلة الصعود إلى جبل موسى كانت تجربة روحانية لن أنساها ما حييت”.
وأكد مسؤولو السياحة بالمحافظة أن البرامج الجديدة للسياحة البيئية والروحية والبحرية أسهمت في جذب أعداد متزايدة من الزوار، مشيرين إلى أن شرم الشيخ ودهب أصبحتا رمزين عالميين للسياحة النظيفة والمستدامة.
الاسماعيلية – مجدي الجندي:
على ضفاف قناة السويس الخالدة، تتلألأ الإسماعيلية كجوهرة مضيئة في تاج مدن القناة، تأسر الأنظار بسحر طبيعتها وثراء تاريخها.. هنا تتعانق خضرة الحدائق مع زرقة البحيرات، وتروي الآثار والمعالم حكايات من آلاف السنين، من العصور الفرعونية مروراً بحفر القناة، وصولاً إلى بطولات العصر الحديث التي خطها أبناء مصر بدمائهم الطاهرة في حرب أكتوبر المجيدة.
تُعرف الإسماعيلية بـ "عروس القناة"، وهي بحق متحف مفتوح على الطبيعة، يروي كل ركن فيها قصة مجد، وكل زاوية فيها تنبض بالحياة والجمال، لتصبح لوحة سياحية متكاملة تجمع بين التاريخ والترفيه، والثقافة والطبيعة في آنٍ واحد.
من قلب المدينة الهادئة، يصدح صدى الفن عبر مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، الذي يعد من أقدم المهرجانات السينمائية في الشرق الأوسط. ينظمه المركز القومي للسينما سنوياً، ليجمع تحت سقفه نخبة من المخرجين والنقاد وصناع الأفلام من مختلف دول العالم.
وعلى مدار أكثر من 25 دورة متتالية، تحول المهرجان إلى منصة ثقافية عالمية تعكس وجه مصر الحضاري، وتفتح أبواب الإسماعيلية أمام وفود أجنبية وعربية تستمتع بسحر السينما، وجمال المدينة في آنٍ واحد. كما ساهم المهرجان في تنشيط الحركة السياحية الداخلية والخارجية، ليصبح حدثاً ينتظره عشاق الفن والثقافة كل عام، وجسراً يربط بين الشعوب عبر لغة الصورة والإبداع.
كنوز تحكي رحلة الزمان
الإسماعيلية ليست مجرد وجهة شاطئية أو مدينة حدائق، بل خزانة آثار وتاريخ نابض بالحياة، تضم مجموعة من المتاحف الفريدة التي تشكل محطات زمنية متنوعة عبر العصور.
متحف الآثار .. نافذة على حضارة تمتد لآلاف السنين
أنشئ عام 1911 وافتتح رسميًا عام 1934، ويُعد من أقدم المتاحف الإقليمية في مصر.. صُمم على طراز المعابد المصرية القديمة، ويضم أكثر من 4000 قطعة أثرية تغطي الحقب الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية. ومن أبرز معروضاته تمثال نادر لأبي الهول يعود لعهد الملك رمسيس الثاني، إضافة إلى مقتنيات عُثر عليها أثناء حفر قناة السويس.
زيارة هذا المتحف أشبه برحلة في الزمن، تعيد الزائر إلى عصور الفراعنة والممالك القديمة، وتشهد على عبقرية المصريين في البناء والفن والعقيدة.
متحفي ديليسبس و قناة السويس الدولي.. حكاية من قلب التاريخ الحديث
في حي الإفرنج العريق، يقف منزل المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس كشاهد على حلم شق البحرين. تحول المنزل إلى متحف يضم أدواته وخرائطه الأصلية والعربة التي كان يتنقل بها خلال أعمال الحفر.
وبالقرب منه يتألق متحف قناة السويس الدولي، الذي يروي قصة القناة منذ الفكرة حتى الافتتاح، موثقاً مراحل التنفيذ والجهود المصرية العظيمة التي جعلت من هذا الممر المائي شرياناً عالمياً للتجارة والحضارة.
متحف دبابات أبو عطوة.. ذاكرة البطولة والفداء
لا يمكن لزائر الإسماعيلية أن يغادرها دون المرور على متحف دبابات أبو عطوة، الذي يخلّد ملحمة المقاومة خلال حرب أكتوبر 1973. يضم المتحف دبابات ومعدات حربية تم أسرها خلال المعارك، ويقف شاهداً على صمود أبطال الجيش المصري والمقاومة الشعبية الذين تصدوا ببسالة لمحاولات العدو اختراق المدينة.
جنة سياحة اليوم الواحد.. وجهة العائلة والمغامرة
بموقعها المتوسط بين القاهرة ومدن القناة، تُعد الإسماعيلية من أفضل وجهات سياحة اليوم الواحد، حيث تمتزج الراحة بالترفيه والتاريخ في تجربة لا تُنسى.
تطل المدينة على بحيرة التمساح والبحيرات المرة، وتحتضن شواطئ ساحرة مثل شاطئ الفيروز وطريق البلاجات، حيث يمكن ممارسة الرياضات المائية وصيد الأسماك وسط أجواء من الهدوء والجمال الطبيعي.
كما تشتهر الإسماعيلية بلقب "مدينة الحدائق"، إذ تنتشر فيها المساحات الخضراء كـ حديقة الملاحة ونادي الجولف بنمرة 6، لتوفر للعائلات والزوار متنفساً طبيعياً مثالياً بعيداً عن صخب المدن الكبرى.
ولا تكتمل الرحلة دون زيارة كورنيش الإسماعيلية الجديد، الذي يتيح إطلالة بانورامية مذهلة على القناة، خاصة عند الغروب، حيث تنعكس أضواء السفن على صفحة الماء في مشهد يخطف الأنفاس.
النصب التذكاري لنصر أكتوبر.. رمز العزة والكرامة
على الضفة الشرقية لقناة السويس، ينتصب النصب التذكاري لحرب أكتوبر شامخاً بارتفاع 66 متراً على شكل "سونكي بندقية"، ليحكي للأجيال قصة العبور المجيد.
تم افتتاحه عام 1992 على مساحة 75 فداناً، ويضم بانوراما مصغرة لمعركة العبور، تُجسد مشاهد الأبطال في ميادين القتال، وعلى رأسهم الجندي محمد عبد العاطي الذي دمر بمفرده 26 دبابة إسرائيلية، وأول جندي رفع علم مصر على الضفة الشرقية.
يقف النصب في موقع برج استطلاع إسرائيلي قديم كان سبباً في استشهاد الفريق عبد المنعم رياض عام 1969، ليصبح المكان رمزاً للبطولة والتضحية. ومن أعلاه يمكن مشاهدة مشهد بانورامي مهيب يطل على المدينة وبحيرة التمساح ومبنى الإرشاد، في تجربة تمزج بين الجمال والعظمة الوطنية.
يُعد متحف الدبابات أحد أبرز المعالم العسكرية بالإسماعيلية، حيث أُقيم حول خمس دبابات إسرائيلية دمرها الجيش المصري في معركة شرسة لصد قوات العدو التي حاولت التقدم لقطع طريق القاهرة – الإسماعيلية خلال حرب أكتوبر.
يقع المتحف على طريق قديم شهد معارك عنيفة بين قوات العدو بقيادة "أرييل شارون" وقوات الصاعقة والدفاع الشعبي المصري.
ويتوسط المتحف نصب تذكاري رخامي منقوش عليه أسماء الشهداء الذين رووا بدمائهم تراب الوطن، ليبقى المتحف شاهدًا خالدًا على شجاعة المصريين وإصرارهم على النصر.
تبقى الإسماعيلية وجهة لا تُشبه سواها، تجمع بين عبق التاريخ وسحر الطبيعة ودفء الإنسان. فهي ليست مجرد مدينة على ضفاف القناة، بل حكاية مصرية خالدة تُروى على لسان الماء والأرض والإنسان.
من معابد الماضي إلى بانوراما النصر، ومن المهرجانات الثقافية إلى الحدائق الغنّاء، تظل عروس القناة مرآة لوجه مصر الجميل الذي يأسر القلوب ويدعو العالم لزيارتها من جديد.
الوادى الجديد - عماد الجبالى:
في قلب الصحراء الغربية الشاسعة، تتجسد مصر القديمة ببهائها وتنوعها؛ فـ"الوادي الجديد" كواحدة من أقدم وأشهر الواحات المستقبلة والمسجلة لحضارات متعاقبة، ووجهة فريدة تجمع بين عظمة الآثار، وسحر الطبيعة ، وقوة الاستشفاء الطبيعي ، والتى تشهد حالياً انتعاشاً ملحوظاً في حركة السياحة الأجنبية، حيث تتوافد الأفواج لاستكشاف 165 موقعاً أثرياً يحكي فصولاً من التاريخ المصري والروماني والقبطي والإسلامي، بدءاً من المعابد العريقة ووصولاً إلى سياحة السفاري والمغامرات في الصحراء البيضاء .
165 موقعاً يحكي تاريخاً يمتد لآلاف السنين
يؤكد محمد إبراهيم، مدير عام الآثار المصرية بالمحافظة، على الثراء الأثري الهائل الذي تتمتع به الواحات، مشيراً إلى أن الوادي الجديد يضم ما يقارب الـ165 موقعاً أثرياً ، تمركز غالبيتها بمركز الخارجة ، بواقع 61 موقعاً أثريا أبرزها معبد هيبس ، وفي واحة الداخلة بـ62 موقعاً يضم المزوقة ودير الحجر، يليهم مركز بلاط بـ21 موقعاً تتضمن قلاع الضبة التي تعود لعصور أقدم من هيبس ، مشيرا إلى أن هذا التنوع يتيح للسائح خوض رحلة زمنية عبر العصور الرومانية، كمنطقة دوش في باريس، والقبطية مثل البجوات بالخارجة، والإسلامية كـ"القصر الإسلامية" في الداخلة ومنطقة بلاط القديمة".
ويضيف إبراهيم أن هذه المواقع، سواء كانت معابد ضخمة أو مقابر لحكام الواحات أو قرى إسلامية قديمة، تمثل دليلاً على الأهمية الاستراتيجية والتاريخية للوادي الجديد كـ"بوابة" مصر الغربية على مر العصور.
السياحة العلاجية.. كنوز كبريتية تستحوذ على قلوب الأجانب
من جانبه، يسلط محسن عبد المنعم، مدير عام تنشيط السياحة بالوادي الجديد، الضوء على أهمية تفعيل أدوات تنشيط السياحة الحديثة التي تتناسب مع المقومات الفريدة للمحافظة، خاصةً فيما يتعلق بالسياحة العلاجية ، موضحا بأن: "الوادي الجديد تتميز بكونها أشهر مناطق السياحة العلاجية في مصر، حيث تمتلك سراً طبيعياً فريداً في علاج العديد من الأمراض، أبرزها أمراض العظام والروماتيزم والصدفية.
وتابع بأن سر الشفاء يكمن في الدفن بالرمال الساخنة، والاستشفاء بمياه الآبار الكبريتية الرومانية القديمة في مناطق مثل اللبخة وأم الدبادب بالخارجة، وبئر ٣ بالداخلة"، مؤكدا أن هذه الآبار تتميز بارتفاع درجة حرارتها ونسبة الكبريت والمعادن، في معادلة طبيعية تعطي نتائج مبهرة، ما يجعلها محور اهتمام السائح الأجنبي الباحث عن الاستشفاء بعيداً عن العقاقير ، مضيفاً بأن الجهود الترويجية تستهدف حالياً الأسواق العالمية لترسيخ مكانة الواحات كوجهة صحية مستدامة.
مركز للتراث يحفظ الذاكرة العريقة للواحات
وفي إطار الحفاظ على هذا الإرث، أكد د. محمود صالح، الباحث الأثري، على الأهمية القصوى لتوثيق تاريخ الواحات من الناحية التاريخية والتراثية، موضحا رؤيته في مقترح استراتيجي يهدف إلى إنشاء "مركز الوادي الجديد للتراث" ، مضيفاً بأن هذا المركز سيكون "كياناً جامعاً ومتخصصاً في جمع وتوثيق التراث بالوادي الجديد بكافة أنواعه، المادي وغير المادي، وإتاحته للباحثين والجمهور باستخدام أحدث التقنيات".
وقال الباحث أن المركز المقترح سيضم أقساماً للتوثيق الرقمي، والرواية الشفهية للحرف والفنون المتوارثة، وقسمًا لتمكين الحرفيين وربط التراث بالسياحة المستدامة ، مشيرا إلى أن هذا المركز لن يكون مجرد مبنى إداري، بل سيكون "مركزاً يحفظ ذاكرة الوادي الجديد العريقة، ومركز إشعاع ثقافي يساهم في بناء مستقبل المحافظة وتنشيط السياحة.
سفاري الصحراء البيضاء.. فرص عمل واستجمام
ومن داخل الواحات، نقل رضا حمودة، المرشد السياحي من أبناء مركز الفرافرة، صورة حية لجاذبية المنطقة في سياحة المغامرات. قائلا "تتفرد الفرافرة بالصحراء البيضاء الساحرة، ذات التشكيلات الصخرية التي نحتتها الطبيعة في لوحات فنية خلابة ، موضخا بإن سياحة السفاري بالفرافرة ليست مجرد مغامرة، بل هي رحلة استجمام وتأمل في طبيعة خاصة ومتفردة ، مضيفاً بأن ازدهار هذه السياحة يمثل "شريان حياة" للشباب المحلي، حيث يوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويجعل من الواحات نقطة جذب تجلب الخير والسلام للمنطقة على خريطة السياحة العالمية".
واحة الأمن والسلام للأجانب.. والتجربة خير شاهد
أكد عدد كبير من الأجانب المقيمين بواحة الداخلة أن محافظة الوادي الجديد تستحق وبجدارة أن تُلقب بـ«واحة الأمان والاستجمام المتجدد»، لما تتميز به من طابع فريد يجمع بين صفاء الطبيعة ونقاء الأجواء ودفء المشاعر الإنسانية التي يلمسونها أينما ذهبوا ، وأوضحوا أن الواحة بكل تفاصيلها تنفرد بخصوصية تامة ورعاية دائمة من مختلف الجهات، فضلًا عن ما تتمتع به من مزايا طبيعية وخدمية جعلتها مقصدًا مثاليًا لمختلف الجنسيات من أنحاء العالم، الباحثين عن الراحة النفسية والسلام الداخلي بعيدًا عن صخب المدن وضغوط الحياة.
وأعرب المقيمون عن بالغ سعادتهم وتقديرهم لما يجدونه من كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال من أبناء الوادي الجديد الذين يجسدون بسلوكهم الطيب قيم التسامح والمحبة، مشيرين إلى أنهم يشعرون في الواحة وكأنهم بين أهلهم وذويهم. كما دعوا نظراءهم وزملاءهم في مختلف الدول إلى زيارة محافظة الوادي الجديد، للاستمتاع بسحر طبيعتها البكر ومقوماتها العلاجية الفريدة، وقضاء أجمل الأوقات في أجواء يسودها الأمن والطمأنينة والصفاء النفسي الذي لا يُقدّر بثمن.
تقول ألكسندرا "من إيطاليا": "منذ لحظة وصولي إلى واحات الوادي الجديد، شعرت بأنني وجدت المكان الذي أبحث عنه منذ سنوات. الطبيعة هنا ساحرة والهدوء لا يُضاهى، والسماء الصافية تجعل من كل لحظة تجربة روحانية لا تُنسى ، واردفت ، قضيت أياماً من الراحة والاستجمام وسط مناظر لا تشبه أي مكان في العالم، وكنت أستيقظ كل صباح على ألوان الصحراء الذهبية التي تبعث في النفس طمأنينة وسعادة خالصة ، حيث وجدت في الواحات ملاذًا حقيقيًا للهروب من صخب المدن والزحام ، ووجهة مثالية لمن يبحث عن صفاء الذهن وسحر الطبيعة.
أما سوزانا "من ألمانيا"، فوصفت تجربتها في الوادي الجديد قائلة: "جئت منذ سنوات في زيارة قصيرة مع أصدقائي، ولم أتخيل أنني سأرتبط بهذا المكان إلى هذا الحد ، مضيفة ، الدفء الإنساني الذي لمسته من أهالي الواحات وكرم ضيافتهم كان فوق الوصف، شعرت بأنني بين أسرتي. أحببت واحة الداخلة إلى درجة أنني قررت شراء منزل صغير هناك لأقضي فيه كل فصل الشتاء، حيث أجد الراحة والسكينة والهدوء بعيداً عن صخب المدن.
منصة إلكترونية لـ"كنوز الوادي الجديد
وفي إطار العمل التنفيذي الداعم للقطاع، كشفت حنان مجدي، نائب محافظ الوادي الجديد، عن جهود المحافظة لـ"إنشاء وإطلاق منصة إلكترونية لعرض وترويج المواقع السياحية والأثرية والحرف اليدوية". وأوضحت نائب المحافظ أن هذا المشروع يهدف لـ"النهوض بالقطاع السياحي، وفتح آفاق جديدة لاستثمار الإمكانات والمقومات السياحية والبيئية المتاحة، بما يسهم في تعزيز مكانة المحافظة على خريطة السياحة المحلية والعالمية ، مشيرة إلى أنه تم بالفعل الانتهاء من حصر ورفع كافة المواقع المستهدفة بالتنسيق مع الجهات المعنية، تمهيدًا للبدء في الإجراءات التنفيذية.
أشار اللواء دكتور محمد الزملوط، محافظ الوادي الجديد، الى لقائه ، فريق رالي "تحدي عبور مصر"، خلال مدة إقامته بالمحافظة، ضمن فعاليات النسخة الرابعة عشرة للرالي الذي يمتد من 2 إلى 11 أكتوبر الجاري، عبر مسار يبلغ نحو 2400 كم يربط ثماني محافظات مصرية.
رحب المحافظ بالفريق المشارك، معربًا عن تقديره لجهود القائمين على تنظيم هذا الحدث الرياضي الدولي الذي يجمع بين المغامرة والسياحة، ويُسهم في إبراز المقومات الطبيعية والتراثية التي تزخر بها المحافظة، مشيرًا إلى أن مثل هذه الفعاليات تمثل رسالة سلام ودعوة مفتوحة لزيارة مراكز المحافظة، بما يسهم في تنشيط السياحة، لاسيما في ظل ما تنعم به من أجواء آمنة تؤهلها لاستقبال الوفود والفعاليات الدولية.
وقدم الزملوط، رؤية واضحة وشاملة لمستقبل القطاع، مؤكداً على الأهمية والمكانة المحورية للسياحة بمختلف أنواعها ، بالنظر إلى السياحة كـقاطرة للتنمية الشاملة، وأداة تسويقية فعالة لمعالم وتاريخ المحافظة على مختلف المستويات المحلية والدولية.
وتابع إن ما يمتلكه الوادي الجديد من كنوز أثرية وطبيعية وعلاجية يفرض علينا مسؤولية كبرى في توفير كافة الإمكانيات المتاحة لتسويقها عالمياً بشكل لائق ومستدام ، مشيرا إلى أن تطوير البنية التحتية، ودعم مشروعات مثل المراكز التراثية والمنصة الإلكترونية، يأتي في صدارة أولويات العمل التنفيذي ، مشددا على أن المحافظة حريصة كل الحرص على استقبال كافة المقترحات والرؤى المتميزة ذات الصلة، لدعم وتطوير ووضع مقومات المحافظة الأثرية والبيئية على خارطة السياحة العالمية، بما يعود بالنفع على أبنائها ويضمن استدامة الموارد للأجيال القادمة.
وبذلك يمكن القول بأن الوادي الجديد يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانته كوجهة سياحية متكاملة، تتجاوز مفهوم السياحة الثقافية التقليدية لتشمل السياحة العلاجية وسياحة المغامرات البيئية. فالتنوع الفريد للمقومات، مدعوماً بجهود التطوير الحكومية والرؤى الاستراتيجية للخبراء، والذى يشكل ضمانة حقيقية لاستمرار تدفق السائحين الباحثين عن الأصالة والتاريخ والاستشفاء في آن واحد. لتبقى الواحات، بتاريخها العريق ورمالها الذهبية وكبريتها الشافي، جاهزة لتكون "واحة الأمل" على خارطة السياحة العالمية.
اترك تعليق