كشفت دراسة عن نتائج مقلقة، عن التأثيرات الصحية الخطيرة للتعرض المزمن للنفايات الإلكترونية، خاصة على الأطفال، ونُشرت الدراسة في مجلة Environment & Health، تبيّن أن الأطفال الذين يعيشون قرب مناطق إعادة تدوير النفايات الإلكترونية معرضون للإصابة بـ"ارتفاع ضغط الدم" بمعدل يزيد عن أربعة أضعاف مقارنة بأقرانهم، نتيجة التعرض المستمر للمعادن الثقيلة والمركبات العضوية السامة.
وشملت الدراسة 426 طفلا من منطقة إعادة تدوير النفايات الإلكترونية في الصين، حيث خضع جميع المشاركين لفحوصات دقيقة شملت تحليل عينات البول وقياس ضغط الدم.
وباستخدام تقنيات متطورة، تمكن الفريق البحثي من قياس 18 معدنا ثقيلا و15 من مستقلبات المركبات العضوية المتطايرة، إلى جانب تحليل أكثر من 180 مستقلبا آخر.
وكشفت النتائج عن مشهد صحي مقلق، حيث سجلت الدراسة انتشارا لارتفاع ضغط الدم بين الأطفال بنسبة 12.7%، وهي نسبة تفوق بأربعة أضعاف المعدل الوطني البالغ 3.1%.
وعند التعمق في التحاليل الإحصائية، ظهرت ارتباطات واضحة بين مستويات المعادن في البول وضغط الدم، حيث ارتبط الكوبالت والغاليوم بشكل إيجابي مع ضغط الدم الانقباضي، بينما ارتبط السيلينيوم والقصدير بضغط الدم الانبساطي.
والأمر الأكثر إثارة للقلق أن التحليل الأيضي المتقدم كشف عن اضطرابات عميقة في المسارات الأيضية للأطفال، حيث ظهرت تغيرات ملحوظة في مسارات الأحماض الأمينية والأحماض الدهنية والستيرويد.
وحدد الباحثون مستقلبات محددة مثل الجلوتامين والكرياتين و"إن-فينيل أسيتيل-إل-غلوتامين ( N-phenylacetyl-l-glutamine)، أو اختصارا PAGln، تلعب دورا محوريا في هذه الاضطرابات.
وأشارت هذه النتائج إلى أن التلوث الناتج عن النفايات الإلكترونية يؤثر على صحتنا بطريقة معقدة ومترابطة، حيث تحدث تغييرات في بيئة الأمعاء الدقيقة (الميكروبيوم) التي تلعب دورا محوريا في الحفاظ على صحتنا العامة. فعندما تتعرض أجسام الأطفال لهذه الملوثات، فإنها تحدث خللا في التوازن البكتيري الطبيعي في الأمعاء، ما يؤثر على قدرة الجسم على تنظيم ضغط الدم بشكل طبيعي. كما تتعطل العمليات الكيميائية الحيوية المسؤولة عن إزالة السموم من الجسم، ما يزيد من تراكم المواد الضارة ويؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم.
وعلى الرغم من أن الدراسة تشير إلى انخفاض مستويات معظم الملوثات مقارنة ببيانات سابقة من مناطق النفايات الإلكترونية، إلا أن العديد من المركبات العضوية المتطايرة ظلت مرتفعة، حيث تجاوزت متوسط تركيزات بعضها تلك المسجلة لدى الأطفال من المناطق الصينية الأخرى. كما استمرت مستويات المعادن مثل الروبيديوم والسترونتيوم والزرنيخ في التفوق على تلك المسجلة لدى الأطفال والعمال من دول أخرى.
وسلطت هذه النتائج الضوء على الحاجة الملحة لتدخلات عاجلة لحماية صحة الأطفال في هذه المناطق، حيث تشير الآليات المقترحة إلى أن الملوثات مثل البنزين والستايرين قد ترفع ضغط الدم من خلال الإجهاد التأكسدي وضعف وظائف بطانة الأوعية الدموية واختلال التوازن العصبي الصماوي.
وأكدت الدراسة على أهمية إجراء دراسات طولية مستقبلية لتأكيد العلاقة السببية وتطوير استراتيجيات مستهدفة للحد من التعرض، خاصة من أنشطة إعادة تدوير النفايات الإلكترونية والبلاستيكية.
اترك تعليق