هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

صاحب أول تطبيق استخدام الشمسية بدلاً من الكهرباء:

الشباب سر نجاح تجربة "البسايسة".. وأتمني تعميمها في كل ربوع مصر

زرت عشرات القري لاختيار مكان التنفيذ

أهالي "البسايسة" تحمسوا للفكرة.. وساعدوني كثيرا

تمكنت من تحقيق حلم القرية المنتجة صديقة البيئة.. وطبقت مفهوم التنمية المستدامة

استطعنا الربط بين العلم والمجتمع.. لتنفيذ مشروعات الكهرباء بالقرية

التعاون مع الشباب مكننا من إعادة تدوير المخلفات وإنتاج الطاقة والغاز

للاستخدام المنزلي.. وتنمية مهارات الأهالي.. والتوسع في نقل المعرفة للقري المجاورة

البسايسة قرية مجهولة بعيدة عن الانظار في محافظة الشرقية لكنها تحولت بين لحظة وضحاها الي بؤرة الاهتمام الاعلامي وتسابق الجميع للوصول اليها وزيارتها بعد أن حققت حلماً نسعي وندعو لتحقيقه جميعا منذ عشرات السنين .


حلم القرية المنتجة صديقة البيئة التي تطبق مفهوم التنمية المستدامة منذ 50 عاماً.

فمنذ ايام قليلة طالعتنا الجامعة الامريكية في نشرتها الدورية بتقرير حول اختيار د.صلاح عرفة مستشارا لمحافظ الشرقية وبما احدثه د.عرفة في قرية بالشرقية تسمي البسايسة .

وتلقفت المواقع الالكترونية الموضوع بلهفة شديد لما احتواه من اكتشاف مذهل عن استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء و اعادة تدوير المخلفات وانتاج الطاقة والغاز للاستخدام المنزلي وتنمية مهارات اهالي القرية بل والتوسع في نقل المعرفة للقرية خارج الشرقية باسم البسايسة الجديدة .

وبالبحث تبين ان هذا الموضوع تناولته الصحف والمواقع الالكترونية علي استحياء في سنوات متفرقة ولم يلتفت اليه احد ولكن الان بعد ان عاد الموضوع للظهور مرة اخري نتمني ان يتم تعميم الافكار علي كل قري مصر وان تحذو هذه القري في كل ربوع مصر حذو البسايسة التي بها كوادر تستطيع ان تدرب وتساعد علي التحول من القري التقليدية الي القري الحديثة . 

وقد قامت جريدة "الجمهورية اون لاين" بعمل جولة نشرت علي صفحاتها في عدد الاثنين الماضي بالقرية وشاهدت علي الطبيعة ما وصلت اليه القرية من تقدم وتطور حتي الان .

كما قامت "الجمهورية اون لاين" بالتواصل مع العالم الفذ صاحب الفكرة والتقت به حاورته .

صلاح عرفة محمد عرفة من مواليد مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية في 2/11/ 1941 وقد تربي وتعلم في الزقازيق حتي الثانوية العامة ثم انتقل للقاهرة والتحق بكلية العلوم جامعة القاهرة بعد التخرج عام 1962و تم ترشيحه واختياره للعمل في مشروع الطاقة الذرية في مصر بمفاعل انشاص وحصل علي درجة الماجستير في الفيزياء النووية "1966" ودرجة الدكتوراه في فيزياء الحالة الصلبة "1969" من جامعة القاهرة ومن هنا بدأ علاقته بالجامعة الامريكية وبدأ يساعد طلاب في قسم الفيزياء بالجامعة في ابحاثهم العلمية وطلبوا منه ان يتولي الاشراف الفني علي المعامل فاستقال من جامعة القاهرة وحصل علي الماجيستير والدكتوراه وهنا حدثت المشكلة حيث انه لا يصح ان يكون "فني" او مساعد فني معمل وحاصل علي دكتوراه من الجامعة الامريكية فلابد ان يقوم بالتدريس للطلاب وبالتالي تم تعيينه للعمل استاذ دكتور للمادة بالجامعة الامريكية عام 1968 وكنت قبلها قد حصلت علي منحة دراسية لمدة عشرة شهور في جامعة أوبسالا احدي اعرق الجامعات في السويد وكانت هذه هي بداية لكي اتعلم كيف تقدمت هذه الدول واين نحن من هذا التقدم فكان الرد هو الاهتمام بالتعليم والتدريب ونقله الي جميع افراد الشعب بما يعرف بنقل المعرفة .

وهذا ما لم نقم بعمل في مصر حيث يعتمد المصريون علي هجرة العقول من القري للمدن الكبري للحصول علي العلم والمعرفة ثم المكوث فيها لغرض التوظف والعمل وهذا ما يعرف بالمركزية .

ومن ذلك الوقت كانت رغبتي الشديدة لنقل المعرفة من المدينة للقرية والريف للبحث عن المشكلات التي تواجهه الريف وايجاد حلول لها واخدم البلد بما تعلمته من رحلة السويد وإلي نص الحوار..

* اذا ما حكاية البسايسة؟

عندما استقريت في مصر بعد هذه الرحلة كان الهدف الاساسي هو التطبيق العملي لما تعلمته ولهذا قمت بالبحث في ضواحي الزقازيق عن قرية صغيرة لهذا قمت بجولات كثيرة وزرت قري كثيرة حتي وقع اختياري علي هذه القرية.

فقمت بعمل جولات حوالي عشر كيلو من الزقازيق علي كل القري والنجوع والكفور لمدة ساعتين اسأل الفلاحين عن اسم القرية و حجمها وكان اول مرة اعرف ان هناك قرية وتابعاً للقرية  وهو الكفر والنجع والعزبة وسألنا ما اسم هذه القرية قالوا اني هذه ليست قرية ولكنها عزبة .. عزبة البسايسة فقمت بالدخول اليها ووجدتها مثالية لنبدأ فيها المشروع حيث أنها علي البحر "بحر مويس احد روافد فرع دمياط" وكان هذا عام 1974.

* ما الشعور الذي كان يدفعك للبحث والتحرك في هذه الاتجاه في ذلك الوقت ؟

** الدافع الوطني المتحمس بعد انتصارات اكتوبر 73 والتي اشعلت في كل الشباب المصري في ذلك الوقت الحماسة والرغبة لتقديم افكارهم وارواحهم لخدمة المجتمع .

* هل استعنت بفريق عمل من أجل هذه الزيارة؟

** لا لم استعن بأحد ولكن كانت مبادرة شخصية مني وبمفردي ولم يكن الهدف هو ان يكون عملي فردياً بقدر ما كان الهدف هو ان يكون البحث عن فكرة لما يمكن ان يتم تنفيذه فلم يكن لدي اي تصور لنوع المشروع الذي يمكن ان ينفذ.

وطرحت علي أهالي القرية في اول اجتماع سؤالاً عن احتياجاتهم لتحسين احوالهم واحوال قريتهم وليعيشوا حياة كريمة فكانت الاجابة عدم وجود كهرباء ومياة شرب نظيفة و لا مدرسة ولا موصلات فقلت لهم اذا فلنلتقي الاسبوع القادم في نفس الموعد لطرح افكار لحل هذه المشكلات والاوليات للعمل علي تنفيذ الافكار .

وغادرت القرية بعد دراسة مبدئية لمشكلاتهم وعدت اليهم بعد اسبوع وصلينا الجمعة واجتمعنا مرة اخري كان هذا في سبتمبر 1974.

وبعد اجتماعات متتاليه اسبوعيا بدأت تظهر وتتبلور الاولويات ومن ابرزها فكرة التعاون لحل مشكلة الكهرباء في القرية وطرحت الفكرة بعد ذلك في الجامعة الامريكية الذين تحمسوا للفكرة وابدوا اعجابهم الشديد بها وخاصة انها من شباب قرية وتكون بداية ونواه لافكار اخري وتطوع اساتذة الجامعة معي لتنفيذ فكرة الشباب.

فكل سلك وكل مسمار  تم تركيبها فوق سطح المضيفة كانت من حصيلة ما جمعناه للاجتماع في المضيفة لمتابعة المباريات عن طريق جهاز راديو صغير في البداية حتي جمعو المطلوب لشراء المستلزمات الاخري وتكفل احد شباب القرية بتحصيل المبالغ و جمعها واستغرق الامر ثلاثة شهور كاملة وهو مبلغ كبير بمقايس السبعينات و طلبت من احد اساتذة الجامعة امريكي وكان في امريكا ان يشتري لي لوح الطاقة الشمسية ومكوناته ودخل بها مطار القاهرة فلم يكن احد يعرف ما هذا في وقتها.

وفي الجمعة التالية اخذت اللوحة وذهبت بها الي القرية فانبهر الناس بها لانهم اول مرة يرون لوح الخلية الشمسية وتم توصيله وولدت كهرباء تكفي لتشغيل التلفزيون وتفاعل الجميع مع الحدث بين تصفيق وتهليل وزغاريد وانتابتا الاهالي فرحة عارمة .

** في السبيعنات لم يكن معروف اي شئ عن الطاقة الشمسية واستخداماتها ومكوناتها في مصر علي الرغم من ان اول براءة اختراع خرجت الي النور من اكادمية البحث العلمي في مصر عام 1970 كانت عن استخدام الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء وكان الهدف من الحصول علي البراءة هو السماح باستيراد مكونات وخلية الطاقة الشمسية لبيعها في مصر حسب ما ينص عليه القانون المصري ولهذا كان في مصر شركتان فقط تعملان في استيراد مكونات الخلايا الشمسية.

ويستكمل الدكتور صلاح حديثة فيقول ومن هنا كانت البداية وتم استيراد الواح اخري لتزويد شوارع القرية بالكهرباء والانارة.

* من الذي كان متحمس اكثر لهذه الافكار ؟

** الشباب بداية من سن 12 سنه لما فوق فلقد فكر وفي طريقة للاستفادة من اشاعة الشمس طول مدة ظهورها في السماء ومواكبة تحركها عن طريق ربط مسمار في الالواح يتحرك بأن يقوم احد اطفال القرية بتحريكه لتحصل الالواح علي كل الطاقة الشمسية المطلوبة لتشغيل وتوليد الكهرباء بدلا من نظام تحريك الخلية الذي كان سعره مرتفع حتي يحافظ علي عمودية سقوط اشاعة الشمس علي الالواح ثم تطورت الفكرة وكانت الفكرة السابقة من افكار وتنفيذ نجار القرية .

ولهذا اقول ان لو اردنا تدريب احد علي استخدام الطاقة الشمسية فلن يكون مهندسون ولكن فنيين متخصصين مثل النجاريين والحداديين والسباكيين وغيرهم لانهم سيكونون اصحاب حلول ابتكارية غير تقليدية لحل اي مشكلات تواجه تنفيذ الفكرة .

ويضيف الدكتور عرفة ان الافكار توالت لتطوير الزراعة في القرية الصغيرة و تحويلها الي قرية منتجة منذ الثمانينات القرن الماضي وعندما تم اختيار امتداد للقرية علي خليج السويس وتم تسميته بالبسايسة الجديدة تم نقل كل الافكار التي تم تنفيذها في البسايسة اليها مع تعديل طفيف لاحتياجات البيئة المحيطة .

* الدولة اين كانت من مثل هذه المشروعات وكيف استقبلها المسئوليين ؟

** لم يكن هناك اي تدخل من الدولة في الموضوع الا عندما كان الرئيس الراحل انور السادات في زيارة لالمانيا وكان يريد ان يطور قريته ميت ابو الكوم بمحافظة الشرقية وسمع عن سخانات الطاقة الشمسية وتحدث مع المسئولين الالمان في هذا الشأن فأشار عليه احدهم بأن هناك بالفعل قرية مصرية تعمل بهذه التقنية منذ فترة قليلة وتستورد هذه السخانات فأستغرب بشدة وطلب من وزير الكهرباء المصري في ذلك الوقت المهندس مصطفي كامل صبري الذي استدعي المحافظ ثم استدعاني و قام بزيارة القرية هو ووفد كبير من المحافظة والمسؤليين واطلاعو علي ما تم بها ثم اشاد وتفقد فقط عام 1978 ومن قام بالشرح هم اطفال وحديثو السن وقد اخترتهم لانهم مشاركون اساسيون في ما حدث وتعلموا كل كبيرة وصغير وقال انه انبهر بما شاهد وهو مجهود رائع اول مرة يراه في العالم . 

وكان من الممكن ان تكون هذه نواه لنقلة حضارية لمصر منذ هذه الزيارة ولكن الاحداث السياسية التي مرت بها مصر احبطت الفكرة فأنشغل الاهالي والشباب في تطوير قريتهم .

الطريف في الامر اني اصريت ان احضر في هذا اليوم بالجلابية الفلاحي التي تبرع بها احد اهالي القرية وليس البدلة والكرافته كما هو معتاد في مثل هذه المناسبات لترسيخ مبدأ العودة للجذور والاصل بين الشباب وعندما حضر احد مسئولي امن الشرقية للبحث عني تفاجأ اني مرتدي الجلابية الفلاحي واني ساحضر بها الاجتماع مع الوزير والمحافظ .

وتفاجأ الوزير بما شاهدة ليس بمجرد خليه شمسية فقط ولكن السخان الشمسي و الفرن الشمسي واكتفي بما شاهد ونقل الفكرة الي الرئيس السادات الذي نفذ بعضها في قريته وفقط .

* مجال الطاقة الشمسية في مصر لم يكن معروفا في السبعينيات والثمانينيات فكيف بدأت ؟

** ببساطة كل الابحاث ورسائل الماجيستير والدكتوراه التي كان يطلب مني الاشراف عليها كنت اطلب من الباحث ان يقوم بإجراء ابحاثه وتجاربه وتنفيذها في القرية وبهذا ربطت بين العلم والمجتمع وربطت ايضا بين ابناء القرية والعلماء والباحثيين الذين تعاونو بشكل فعال مع الاهالي.

* ما ينقصنا للبداء في تنفيذ مثل هذه الافكار ؟

** ينقصنا تكامل المثلث الذهبي الحكومة والقطاع الخاص والقطاع الأهلي فلابد ان يحدد القطاع الاهلي او المدني اولويات والاحتياجات ويطرح الافكار ويمولها القطاع الخاص وتسهل الحكومة الاجراءات وتشجعها بعيدا عن البيروقراطية .

ولهذا فإن ما تم في البسايسة هو فرصة لنقل التجربة والمعرفة الي باقي قري مصر وبدلا من ان يأخذ الامر خمسين عاماً لكي يعرفه الناس فالان فرصة لكي يعمم في كل قري مصر من اول الصعيد الجواني واسوان وحتي بحري والسواحل.

* كيف تطورت الفكرة علي الأرض؟

** بعد عشر سنوات من العمل اي في عام 1983 فكرنا في عمل جمعية اهلية وتوجه شباب القرية الي ادارة التضامن الاجتماعي لاخذ التصاريح والموافقات علي انشاء الجمعية وتم التقدم بالطلبات ولكن تم رفض هذا الطلب و طلب مني الشباب ان اذهب معهم الي المديرية لبحث المسألة وذهبت معهم وقابلت المسئول وشرحت له الموضوع فقام بزيارة القرية وانبهر بما شاهده ووافق علي الفور بعد الزيارة بعدها باسبوع حيث زار مشغل القرية والذي يعمل بالطاقة الشمسية ويتم تدريب السيدات فيه من القرية والقري المجاورة.

وقمنا بعدها بعمل جمعيتين الاولي تعاونية انتاجية والثانية تعاونية خدمية لخدمة المجتمع.

والجمعية الانتاجية قامت بعمل مركز للتكنولوجيا داخل القرية وورش لتصنيع الاثاث و الملابس وقام الاهلي بأقتطاع قطعة ارض من جرن لبناء مبني لمركز التكنولوجيا وتعاون الجميع علي التنفيذ والحصول علي اذن اصحاب الجرن لاقامة المبني.

* ما المطلوب من الدولة والشعب والاعلام لتعميم تجربة البسايسة ؟

** مطلوب من الدولة والمسئولون التعاون مع كل الوزرات لتقدم ما تستطيع من امكانيات لتدريب المواطنين علي التعاون والتفكير والبحث عن حلول مبتكرة لمشاكلهم اليومية وعقد ندوات في كل المراكز والقري ومد يد العون وتسهيل اقامة الجمعيات التعاونية لتوفير التمويل اللازم عن طريق اشتركات وتمويلات بدون فرض سيطرة من احد وبرقابة مرنه والاعلام يتبني هذه المشروعات ويروج لها وتكون هي قضيته الاولي .

* كيف جاءت فكرة البسايسة الجديدة ؟

** واجه شباب القرية مشكلة مجتمعية منذ حوالي 30 سنه وهي ان خريجي الجامعات منهم لا يجدون وظائف واجتمعت معهم وطرحا الحل وهو ان يتم عمل هجرة داخلية من شباب القرية ليكونوا قرية صغيرة نابعة من القرية الام في الصحراء لتعميرها فكانت فكرة رائعة منهم  وتم تخصيص الارض في خليج السويس جنوب راس سدر وتم استزراع 3 افدنة وهي تنمو حاليا بشكل ممتاز .

فالفكرة التي نفذتها باختصار من خمسين عاماً هي عبارة عن التكامل مابين المعارف المختلفة والتعاون بين المواطنين.


 





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق