بين الفينة والأخرى وفى هذا الوقت من كل عام تخرج بعض الدعاوى والآراء الشاكة فى توقيت الفجر والغروب فى مصر بحجة الاطمئنان على صحة صلاة وصيام المسلمين.
الأمر الذى جاهدته دار الإفتاء المصرية مرارا وتكرارا بالقطع والتوكيد فى أن التوقيتُ الحاليُّ وهو توقيت الهيئة المصرية العامة للمساحة (وهو عند زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق الشرقي بمقدار 19.5 درجة)صحيحٌ قطعًا ويَجبُ الأخذُ به؛ لأنه ثابِتٌ بإقرارِ المُتخصِّصين، وهو ما استَقَرَّت عليه اللِّجانُ العِلمية مِن الشرعيين والفَلَكِيِّين وعلماءِ الجيوديسيا.
فى هذا الأمر كان قد بيّن مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام أن طريقة حسابه هي ما جرى عليها العمل في الديار المصرية منذ القرون الإسلامية الأولى إلى يومنا هذا،وهذا التوقيت للفجر الصادق مبني على أن وقته يبدأ من أول ظهور لعلامته، وعلامته الدقيقة المنضبطة: هي أن يظهر ضوؤه ويبزغ خيطًا دقيقًا معترضًا في الأفق الشرقي مختلطًا بظلمة آخر الليل، وإنما يكون ذلك في نطاق هذا المدى من الانخفاض الزاويّ لا بعد ذلك، وما يستتبعه ذلك من طول نسبيٍّ لوقت الفجر إلى شروق الشمس.
تابع فضيلته:أما ما يُدَّعَى من أن وقت الفجر هو على درجة 16.5°؛ فمحض تخرص لا صحة له، فضلًا عن أن يكون على درجة 14.7°، بل ذلك شذوذٌ محضٌ خارج عن إجماع الأمة العملي المتوارث جيلًا عن جيل، واتفاق علمائها وفقهائها وموقتيها، ولا يجوز الأخذ به ولا التعويل عليه.
ما ورد فى مسألة توقيت الفجر فى القرآن الكريم :
فقد بيَّن الله سبحانه وقتَ الفجر الذي يجب عنده الإمساك عن المفطرات في الصوم في كتابه الكريم بقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187].
أما فى السُنّة المشرفة:
فسَّره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ» متفق عليه من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
الوقت الصحيح لفطر وإمساك الصائم
قال الدكتور شوقي علام _مفتي الجمهورية_أن المجمع عليه بين المسلمين سلفًا وخلفًا، جيلًا بعد جيل، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وطوائفهم وأعصارهم وأمصارهم: أن وقت إفطار الصائم إنما يحين بتمام غروب الشمس واختفاء قرصها، لا بعد ذلك، ولا قبله، وأن وقت الإمساك هو وقت الفجر الصادق، علامته الدقيقة المنضبطة هي: أن يظهر ضوؤه ويبزغ خيطًا دقيقًا معترضًا في الأفق الشرقي مختلطًا بظلمة آخر الليل.
هل يمكن لفجر القاهرة أن يسبق فجر مكة؟
أما ما يثار من التشكيك في ذلك بدعوى أن توقيت الفجر في القاهرة يسبق أحيانًا توقيتَه في مكة المكرمة، مع أن القاهرة تقع غرب مكة: فهذا ليس اعتراضًا علميًّا؛ إذ من المقرر في علوم الفلك والجغرافيا: أن تحديد المواقيت مبني على خطوط الطول ودوائر العرض معًا؛ حيث تدل خطوط الطول على فوارق التوقيت، ودوائرُ العرض على طول النهار، وهذا يقتضي أن مقارنة خطوط الطول إنما تكون بين المدن الواقعة على دائرة عرض واحدة؛ لتساوي طول النهار فيها.
والمتعارف عليه أن مكة المكرمة مختلفة عن القاهرة في ذلك؛ فمكة على دائرة عرض 21.4° تقريبًا، والقاهرة على دائرة عرض 30°، وهذا يجعل نهار القاهرة أطول من نهار مكة في فصل الصيف؛ فلا تصح المقارنة بينهما حينئذ،وهذا الاختلاف يحصل أيضًا بين المدينة المنورة ومكة المكرمة؛ فقد يكون الفجر في المدينة قبل مكة مع كون المدينة غربيّ مكة بنحو ثلث درجة طولية؛ وذلك لاختلافهما في خط العرض.
أوصى مفتي الجمهورية بأن هذه الدعاوى وإن كانت تُساق بحجة تصحيح المواقيت، إلا أنها تنطوي في حقيقتها على الطعن في العبادات والشعائر وأركان الدين التي أَدَّاها المسلمون عبر القرون المتطاولة؛ من صلاة وصيام وغيرهما، فضلًا عما تستلزمه من تجهيل علماء الشريعة والفلك المسلمين عبر العصور، مع تهافت هذه الدعاوى أمام الحقائق العلمية والمقاييس الجغرافية والظواهر الكونية والفلكية، ولذلك فلا يجوز الالتفات إليها ولا التعويل عليها.
اترك تعليق