جاء الإعلان عن طرح شهادات بنكية جديدة بعائد يعد الأعلي منذ 40 عاماً ليثير العديد من التساؤلات حول عدد من القضايا التى أصبحت تهم رجل الشارع بالأساس و تؤثر على حياته اليومية وفى مقدمة هذه القضايا سعر صرف الجنيه وهل اقترب موعد تخفيض قيمته، خاصة مع قرب اجراء مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي خلال الشهر الجاريً.
من بين هذه القضايا أيضا قضية التضخم ومعدلاته المرتفعة والمرشحة لصعود جديد على خلفية صدور قرارات إدارية رسمية بزيادة أسعار بعض الخدمات فضلا عن قيام القطاع الخاص بزيادات فى أسعار السلع والخدمات المقدمة من جانبه، وهل تكون الشهادات الجديدة مجزية للمودعين في ظل التضخم المتصاعد. وما هي البدائل المتاحة أمام المواطن لاستثمار مدخراته!!.
وكان بنكا الأهلي ومصر قد أعلنا مساء الخميس الماضي عن طرح شهادات جديدة لمدة عام بعائد سنوي يبلغ 27% فيما يصل العائد الشهري إلى 23.5%.
وذلك على الرغم من قرار البنك المركزي قبل اسبوعين بتثبيت سعر الفائدة عند مستوياتها الحالية دون تغيير.
وجاء الإعلان عن الشهادات الجديدة قبيل يوم واحد من انتهاء مدة شهادات الـ 25% والتي تجاوزت قيمتها الـ500 مليار جنيه وذلك بهدف "التحويط" علي هذا الحجم الكبير من السيولة خوفا من التسرب الي سوق الذهب او الاستهلاك فيؤدي الى مزيد من التضخم والضغط على أسعار السلع والخدمات.
والسؤال.. هل تعد الشهادات دليلا علي قرب تخفيض الجنيه؟!!
ليس بالضرورة، فهناك سبب اساسي لصدور هذه الشهادات وهو انتهاء مدة شهادات الـ 25% التي صدرت في يناير 2023 لمدة عام وانتهت مدتها الخميس الماضي لتبدأ البنوك عملية رد مدخرات تتجاوز 500 مليار جنيه للمودعين وتستمر عملية الرد حتى نهاية يناير الجاري، وكان لابد أن يكون هناك وعاء جديدا بسعر فائدة مميز ليجتذب هذه الاموال او الجانب الأكبر منها خاصة مع اتجاه جانب كبير من مدخرات المواطنين الى سوق الذهب خلال العام الجاري حفاظا على مدخراتهم من التآكل على خلفية التوقعات بتخفيض الجنيه فضلا عن تقييم الكثير من السلع والخدمات بسعر الدولار فى السوق الموازية مما أدي إلى تراجع فعلي للجنيه.
إذن فهدف الشهادات هو السيطرة على السيولة الضخمة الخارجة من البنوك حتى لا تتسرب للاسواق الاستهلاكية فتضغط على الأسعار ومن ثم زيادة جديدة للتضخم . او تذهب الي سوق الذهب لتزيد من عدم استقراره وحدوث موجات جديدة من الصعود غير المسبوق في أسعاره.
عائد سلبي
هل تنجح الشهادات الجديدة في جذب هذه المدخرات!!
على الرغم من أن العائد الحقيقى لهذه الشهادات يظل بالسالب فى ظل معدلات التضخم المرتفعة التى بلغت فى نوفمبر الماضي نحو 36% - والعائد الحقيقي هو سعر الفائدة مخصوم منها معدل التضخم الحالي - ويتراوح هذا العائد السالب بين 9% و12,5%، على الرغم من ذلك فهناك قطاع واسع من أصحاب الشهادات فى حاجة إلى عائد شهري لمدخراتهم ولا سيما أصحاب المعاشات وهؤلاء ليس أمامهم من سبيل سوي استثمار هذه المدخرات فى الشهادات الجديدة آملين في تراجع معدلات التضخم خلال العام الجديد واتخاذ اجراءات حكومية للسيطرة على الأسعار.
إقبال كبير
وقد وجدت الشهادات بالفعل إقبالا من المواطنين حتي خلال اجازة البنوك التى امتدت حتى الأحد الماضي ففي اليوم الاول لبدء الاكتتاب وهو يوم الجمعة بلغ حجم مشتريات الشهادة نحو 11 مليار جنيه بحسب تصريحات ل محمد الاتربي رئيس اتحاد البنوك ورئيس بنك مصر وهو ما يشير إلي رواج هذه الشهادات وقدرتها علي جذب أموال الشهادات المنتهية أو جانبا كبيرا منها.
هذا لا يعني أن بعض المدخرات لن تتسرب إلي سوق الذهب، سوف يتجه البعض لسوق الذهب باعتباره مخزنا مهما للقيمة وهو البديل الأكثر قبولا لدي المواطن المصري باعتباره اكثر امانا واكثر سهولة في تسييله عند الحاجة، خاصة أن الكثيرين لا يمتلكون مهارات الاستثمار فى أسواق الأوراق المالية، أما سوق العقارات فيحتاج استثمارات ضخمة وطويلة الأمد وعادة لا يتجه المتعاملون في هذا القطاع إلى الشهادات البنكية.
فقدت بريقها
ويري الخبراء أن الشهادات بصفة عامة فقدت بريقها في ظل التضخم المرتفع والمرشح لمواصلة الصعود..لكن الأغلبية مجبرة علي وضع مدخراتها في الشهادات الجديدة رغم الفائدة السلبية وفقا للخبير الاقتصادي هاني أبوالفتوح الذى يرى أن الشهادات الجديدة يمكن أن تستوعب أغلب الأموال المستحقة فى يناير خاصة وان الذهب ارتفعت أسعاره بمعدلات كبيرة واصبحت كميته محدودة فى السوق وهو مرشح لمزيد من الارتفاع فى ظل طلب كبير جدا عليه باعتباره أحد أهم الملاذات الآمنة.
وإذا كان قرار إصدار شهادات الـ 27% ليس بالضرورة دليلا على قرب تخفيض الجنيه إلا أنه قد يكون مؤشرا على عودة البنك المركزي لسياسة رفع سعر الفائدة بعد ثلاثة قرارات من التثبيت المتوالي.
ويتوقع الخبراء أن يلجأ البنك إلى رفع الفائدة خلال أول اجتماعات لجنة السياسة النقدية بالبنك فى مستهل فبراير المقبل وقد يحمل الاجتماع أيضا بدء العمل بسياسة سعر الصرف المرن من خلال تحريك السعر الحالي للجنيه خاصة مع قرب اجراء مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي خلال الشهر الجاري حيث أعلن رئيس الوزراء مصطفي مدبولي عن زيارة وفد من الصندوق خلال يناير الجاري من أجل إجراء مزيد من المشاورات.
وكان صندوق النقد قد طالب القاهرة بالمزيد من رفع أسعار الفائدة لتحقيق الاستقرار فى موجات التضخم الحالي وذلك من خلال تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي الذي صدر في مايو الماضي، واشار الصندوق أن بعض الدول فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتاج إلي المزيد من التشديد النقدي "رفع أسعار الفائدة" لتحقيق الاستقرار فى التضخم وتتضمن هذه الدول مصر وباكستان وتونس.
مرونة سعر الصرف
من جانبه ومن خلال مشروع بحثي اعده تحت عنوان "وثيقة أبرز التوجهاتِ الاستراتيجية للاقتصادِ المصري للفترةِ الرئاسيةِ الجديدة "2024- 2030".
أشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الى انه سيتم مواصلة تبني سياسة مرنة لسعر الصرف لتعزيز مرونة الاقتصاد المصري فى مواجهة الصدمات بالتوازي مع التحسن فى الحصيلة من النقد الأجنبي بحيث يتم تغطية الفجوة بين سعري الصرف الرسمي وغير الرسمي خلال فترة زمنية محددة.
ووفقا للمركز فإن تقديرات صندوق النقد الدولي ان سعر صرف الجنيه مقابل الدولار سوف يسجل نحو 36.83 جنيه فى المتوسط خلال الفترة 2024 - 2028 فى ظل توقع احتواء العجز في ميزان المعاملات الجارية ليصل الي مستوي 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي فى المتوسط سنوياً خلال تلك الفترة.
وبحسب المركز فإن هذا الأمر يستلزم التركيز على ضبط مستويات التوسع في المعروض النقدي وربطه بالزيادة المسجلة فى معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الحقيقية لاحتواء الضغوط التضخمية المدفوعة بزيادة مستويات الإصدار النقدي بما يفوق معدلات النمو الاقتصادي.
اترك تعليق