ورد ذكر الحوت في القرآن الكريم في خمسة مواضع. في سورة الأعراف الآية 163 في قصة أهل القرية حاضرة البحر الذين حرم عليهم الصيد في يوم السبت. ذكر بالجمع "حيتان"..وذكر بالإفراد "الحوت" في سورة الكهف في الآيتين "61. 63" في قصة موسي وفتاه إذ ذهب لملاقاة الخضر.. وفي سورة الصافات "142". والقلم "48" في قصة صاحب الحوت يونس عليه السلام.
وعلي ذلك فقد ذكر "الحوت" في ثلاث قصص مهمة من قصص القرآن الكريم. فيها من الآيات والعبر والحكم ما ينبغي للإنسان أن يتأمله.. فالقصة الأولي قصة أصحاب السبت من أسلاف اليهود الذين كانوا يسكنون القرية حاضرة البحر "أيلة". الذين أخذ عليهم العهد والميثاق ألا يصطادوا في يوم السبت. ثم ابتلاهم الله تعالي "إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ". فتظهر لهم الحيتان في يوم السبت علي سطح الماء. لا تحتاج في صيدها إلي كبير عناء. وتختفي عنهم بقية الأيام. فتعدي بعضهم واستعمل أنواع الحيلة علي أوامر الشرع.
فحفروا الأحواض لتناسب إليها الحيتان في يوم السبت. وتحبس فيها. ليلتقطوها بعده. فاعتدي ذلك الفريق علي حدود الله. فوعظهم فريق من أهل القرية ونصحوهم. ووقف فريق ثالث موقفاً سلبياً. فنجي الله تعالي من نهي عن السوء والمنكر. وأهلك الظالمين. وهكذا الحال في كل أمة شاع فيها الفساد. والحوت في هذه القصة هو الرزق المطلوب والخير المرغوب الذي جعله الله ابتلاء لهؤلاء الناس.
والقصة الثانية: قصة موسي وفتاه "يوشع بن نون". إذ انطلقا كي يبلغ موسي مجمع البحرين حتي يقابل العبد الصالح "الخضر". الذي علم من الله أنه علي علمي ليس عند موسي. فرحل موسي ليتعلم منه. وكان معهما من الطعام الحوت. يحمله فتي موسي في مكتل. فلما بلغا مجمعاً بين البحرين. نسي الفتي الحوت. فاتخذ سبيله في البحر عجباً. وبعد أن جاوزا المكان طلب موسي الغداء فأخبره الفتي بخبر الحوت. فعلم أن ذلك هو المكان المطلوب الذي سيجد عنده الخضر. وأن ما حدث من الحوت وانسيابه إلي البحر ما هو إلا علامة. فرجع موسي. وقابل الخضر. وكان من حديثهما ما سجله القرآن في سورة الكهف.
أما القصة الثالثة: قصة سيدنا يونس عليه السلام. إذ غضب من قومه فتركهم بلا إذن من الله. وركب الفلك المشحون "الممتلئ". وكانت عادتهم إذا هبت الريح وثقلت الأوزان واحتاجوا إلي تخفيف حمل الفلك. أن يستهموا. فأيهم خرج عليه السهم رموه في البحر. فاستهموا فخرج السهم علي يونس عليه السلام ثلاث مرات. فألقوه في البحر فالتقمه الحوت التقاماً. أي ابتلعه. فكان من المسبحين لله تعالي.
وقد ذكر يونس عليه السلام في القرآن الكريم أربع مرات باسمه. وذكر بوصفه مرتين: في سورة الأنبياء "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً" "الآية 87". و"النون" هو الحوت. وفي سورة القلم "وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادي وَهُوَ مَكْظُومى" "الآية 48"... ولأهمية الحوت في هذه القصة. سمي يونس عليه السلام بـ"ذا النون" و"صاحب الحوت"..
وما أعظم ثبات هذا النبي الكريم وإيمانه وتسبيحه: "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَي فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ".
وقد ورد أن هذا التسبيح هو اسم الله الأعظم. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له بها".
اترك تعليق