أكد أساتذة القانون أنه رغم الحظر القانوني المفروض علي الجمع بين وظيفتين لموظفي الحكومة إلا أن هذه الظاهرة مازالت مستمرة وتمثل مخالفة قانونية صارخة تتنافي مع التشريعات وتعليمات الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
قالوا إن الجمع بين عملين في وقت واحد يضر بواجبات الوظيفة العامة ويهدد كفاءة الجهاز الإداري للدولة المقدمة للمواطنين ويخل بمبدأ تكافؤ الفرص ويتنافي مع المصلحة العامة.
أشاروا إلي أن العقوبات واضحة في هذا المجال من حيث التدرج حيث في حالة المخالفة يعاقب المخالف بعقوبات تبدأ من الإنذار إلي الفصل النهائي من الوظيفة أو الإحالة للمعاش حسب ما تقرره المحكمة التأديبية.
يقول الدكتور محمد علام مدرس القانون العام بكلية الحقوق جامعة طنطا ان الوظيفة العامة تمثل للموظف نموذجا لمراحل حياة الإنسان والتي تبدأ بالميلاد ثم التعيين وتنتهي بالوفاة وهي انتهاء الخدمة لأي سبب من الأسباب وخلال مراحل الوظيفة العامة تظهر العديد من المشاكل القانونية التي من شأنها أن تؤثر علي حياة الموظف العام علي سبيل المثال محاولته الجمع بين وظيفتين وهو ما يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص وغيره من مبادئ ونصوص أخري وعليه تحدث العديد من المشاكل للموظفين والموظفات بسبب الجمع بين وظيفتين أو أكثر الأمر الذي يوجهه الموظفون والموظفات.
أضاف أنه وفقاً لنص المادة 150 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016م والصادر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017م، يحظر علي الموظف الجمع بين وظيفته وبين أي عمل آخر يؤديه إذا كان من شأنه الإضرار بأداء واجبات وظيفته أو كان غير متفق مع مقتضيات أيضاً يحظر عليه أن يؤدي عمل للغير بأجر أو مكافأة ولو في في غير أوقات العمل الرسمية إلا بإذن من السلطة المختصة " إذن يجوز الجمع بين وظيفتين شريطة"إذن من السلطة المختصة"ومن قبل نصت المادة"77" من قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978م الملغي" أنه يحظر علي العامل الجمع بين وظيفته وأي عمل آخر، وفي هذا السياق أنه من المقرر وفقاً لنص المادة "115" من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1973م المعدل أن" جريمة التربح لا تتحقق إلا إذا أستغل الموظف وظيفته ليحصل لنفسه أو للغير دون وجه حق علي ربح من أعمال وظيفته ومن المؤكد عقوبة الموظف الذي يجمع بين وظيفتين وتقاضي أجر عن كل وظيفة علي حدة هي خفض الوظيفة إلي الدرجة الادني وخصم من راتبه وتوجيه اللوم إليه وإذا وصل الموظف إلي التربح أو الاستيلاء علي المال العام يعاقب بالسجن المشدد والإقصاء من الوظيفة ومصادرة الأموال ونتذكر هنا واقعتين الأولي في جامعة بني سويف عندما أحال رئيس جامعة بني سويف موظفا بمستشفي الجامعي إلي النيابة الإدارية للتحقيق معه لجمعه بين وظيفتين بمؤسستين حكوميتين في آن واحد .بعدما تقدم مدير عام المستشفي الجامعي بمذكرة تتضمن أن أحد الموظفين بالمستشفي يعمل منذ الأول من يوليو 2009م ويعمل أيضاً بشركة مياه الشرب والصرف الصحي منذ التاسع من سبتمبر 2007م وقد ثبت ذلك من خلال التحقيقات التي أجرتها الشئون القانونية وعرض الأمر علي المستشار القانوني للجامعة .واشار إلي أن الموظف شغل وظيفتين في مؤسستين حكوميتين في وقت واحد .وهو ما يعد مخالفة للقانون .وأوصي بإحالة الملف إلي النيابة الإدارية.
بالإضافة إلي الواقعة الثانية في عام 2013م ألقي رجال الأمن القبض علي طبيب مزيف بعد رحلة علاج استمرت 5 سنوات لمرضي بـ 8 مستشفيات في القاهرة والجيزة حصل خلالها علي آلاف الجنيهات من أصحاب المستشفيات والمرضي دون أن يكتشف أحد أنه طبيب مزور بعد تزوير العديد من الشهادات والمؤهلات حيث كان الطبيب المزيف يعمل كموظف في مستشفي قصر العيني، ونجحت تحقيقات الجيزة في القبض على المتهم داخل أحد المستشفيات الكبري وقتها وتمت إحالته إلي النيابة التي تولت التحقيق، واتضح أن المتهم حاصل علي بكالوريوس تجارة وكان يعمل في القصر العيني منذ 31 عاما، وقال إنه كان يتمني أن يكون طبيبا فقرر أن يمارس المهنة ويتعلم الطب عمليا داخل المستشفي هنا نري أن جناية التزوير في محررات رسمية قد حدد عقوبتها في قانون العقوبات المصري في المادة "206" والتي تنص على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن كل من زور شيئاً من الأشياء الآتية سواء بنفسه أو بواسطة غيره وكذلك كل من استعمل هذه الأشياء أو أدخلها في البلاد المصرية مع علمه بتقليدها أو بتزويرها، وهذه الأشياء هي أمر جمهوري أو قانون أو مرسوم أو قرار صادر من الحكومة سواء إمضاء رئيس الجمهورية أو ختمه أو علامة أحد موظفي الحكومة أو أوراق مرتبات أو سندات أخري صادرة من خزينة الحكومة او فروعها، ونشير إلي أن محكمة النقض نصت في الطعن رقم 23300 لسنة 66 ق جلسة 4/10/2005م كذلك في الطعن رقم 14934 لسنة 83 ق جلسة 4/2/2014م بشأن جريمة التربح إلي أنه من المقرر أن جناية التربح المنصوص عليها في المادة "115" من قانون العقوبات تتحقق متي استغل الموظف العام أو بالمعني الوارد في المادة "119"مكرراً من القانون ذاته وظيفته بأن حصل أو حاول أن يحصل لنفسه علي ربح أو منفعة بحق أو بغير حق أو لغيره دون حق وذلك من عمل من أعمال وظيفته، ففي هذه الجريمة يتمثل استغلال الوظيفة العامة من خلال العمل على تحقيق مصلحة خاصة من ورائها، فهناك تعارض لاشك فيه بين المصلحة الخاصة التي يستهدفها الموظف العام لنفسه أو لغيره وبين المصلحة العامة المكلف بالسهر عليها وتحقيقها في نزاهة فهذه جريمة من جرائم الخطر الذي يهدد نزاهة الوظيفة العامة لأنها تؤدي إلي تعرض المصلحة العامة للخطر من تربح الموظف العام من ورائها ولا يحول دون توافر هذا الخطر إلا يترتب عليه ضرر حقيقي أو إلا يتمثل في خطر حقيقي فهو خطر مجرد بحكم التعارض بين مصلحتين العامة والخاصة.
أكد أحمد عبد الحميد أمين الأستاذ المشارك بقسم القانون الخاص بكليات الشرق العربي للدراسات العليا بالرياض وأستاذ القانون المدني بكلية الحقوق جامعة الزقازيق أن قانون الخدمة المدنية حدد مجموعة من المحظورات التي يحظر على الموظفين القيام بها لكونها تتنافي مع ضوابط العمل التي حددها القانون وتتضمن انتظام الأداء وتطوره فى الجهاز الإداري للدولة، بما يعود علي مصلحة العمل وتقديم الخدمات للمواطنين بالشكل الأمثل، ويوقع قانون الخدمة المدنية على الموظفين المرتكبين لتلك الأعمال التي يجرمها القانون مجموعة من الجزاءات التأديبية المتدرجة والتي تبدأ من الإنذار إلي الفصل النهائي من الوظيفة أو الإحالة إلي المعاش بحسب ما تقره المحاكمة التأديبية من بينها الجمع بين وظيفتين وأي عمل آخر من شأنه الإضرار بواجبات وظيفته.
أضاف إلي أن قانون الخدمة المدنية نص علي مجموعة من الجزاءات التأديبية التي توقع علي الموظفين حال إرتكابهم المحظورات التي وردت بالقانون، وسبق ذكرها ومن تلك الجزاءات ما يلي: الإنذار أو الخصم من الأجر لمدة أو مدد لا تجاوز 60 يوماً في السنة وأيضا الوقف عن العمل لمدة لا تجاوز 6 أشهر مع صرف نصف الأجر الكامل بالإضافة إلي تأجيل الترقية عند إستحقاقها لمدة لا تزيد على سنتين أو الخفض إلي وظيفة في المستوي الادني مباشرة مع خفض الأجر إلي القدر الذي كان عليه قبل الترقية والإحالة إلي المعاش والفصل من الخدمة.
أشار إلي الجزاءات علي الوظائف القيادية فقد جاءت الجزاءات كالتالي: التنبيه واللوم والإحالة إلي المعاش .والفصل من الخدمة وأيضاً يستثني أحكام قانون الخدمة المدنية حظر الجمع بين وظيفتين في حالة واحدة وهي الحصول علي ترخيص من السلطة المختصة بالعمل خلال تلك الفترة وبشرط إلا يؤدي ذلك للإضرار بأداء واجباته الوظيفية أو كانت طبيعة المهام المطلوبة منه غير متفقة مع مقتضيات وظيفته الأصلية، وتنص أحكام قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 6102م ولائحته التنفيذية علي معاقبة المخالفين بالحرمان من الأجر عن مدة الإجازة، وتشير أحكام القانون أن يتم إسترداد ما صرف له من أجر عن هذه المدة بالإضافة إلي مسائلته تأديبيا، وتعد أيام الإجازات مدفوعة الأجر لموظفي الدولة ولا تؤثر علي رواتبهم شهرياً، ويحظر على الموظف إفشاء أي معلومات أطلع عليها بحكم وظيفته أو بالإدلاء بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق وسائل الإعلام والاتصال إلا بتصريح من رئيسه المختص.
أوضح أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة أصدر قراراً رسميا بحظر الجمع بين وظيفتين للعاملين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية .مشددا علي حتمية تقديم الموظف في حالة الجمع بين وظيفتين استقالته من إحداهما بما لا يترتب عليه إصطحابه أي حقوق من تعيينه الأول حيث أوضح الجهاز في منشور صادر عنه بتاريخ 3 مايو 2018 م أنه في جميع الأحوال لا يجوز الجمع بين وظيفتين وهو ما ينطبق على من تم تعيينهم بموجب أحكام قضائية علي وظيفة غير مناسبة مع مؤهلاتهم في نفس الوقت وردت أسماؤهم ضمن المثبتين بموجب قرار إحدي مديريات التنظيم والإدارة علي وظيفة تتناسب مع مؤهلاتهم طبقاً للكشوف الواردة من وزارة المالية.
يري أنه في حال رغبة الموظف تثبيته علي الوظيفة الأخيرة فعليه التقدم بإستقالته من الوظيفة الاولي وتسليمه العمل ولا يترتب علي ذلك حصوله علي أي حقوق من تعيينه الأول، لافتا إلي أن لائحة الخدمة المدنية حظرت تأدية الموظف أعمالاً للغير بأجر أو بمكافأة ولو غير أوقات العمل الرسمية إلا بإذن من السلطة المختصة، ولفت إلي حالة استثنائية واحدة أجازت للموظف أن يتولي أعمال الوصاية أو الوكالة عن الغائبين أو من تربطهم به صلة قرابة أو نسب حتي الدرجة الرابعة، بشرط إلا يؤدي ذلك للإضرار بأداء واجباته الوظيفية أو كانت طبيعة المهام المطلوبة منه غير متفقة مع مقتضيات وظيفته الأصلية.
يقول د. يري الأستاذ الدكتور أحمد عبد الموجود الميري رئيس قسم القانون الدولي الخاص كلية الحقوق جامعة أسيوط إن المشرع المصري دون تقصير وتهاون، قد تشدد في المحافظة علي الوظيفة العامة ووضع الوسائل لتمكين الموظف العام من القيام بوظيفته العامة علي الوجه الأمثل لتحقيق الصالح العام ورفع كفاءة وقدرة الجهاز الإداري بالدولة ومن أجل تحقيق ذلك فقد حظر المشرع بحسب الأصل علي الموظف العام أن يجمع بين وظيفته وأي عمل آخر خلال مدة الإجازة ورتب علي تلك المخالفة أثراً قانونياً مباشراً متمثلاً في حرمانه من الأجر "الراتب "عن مدة الأجازة وذلك دون الإخلال بمسئوليته التأديبية .وهوما نصت عليه المادة "56" من قانون الخدمة المدنية الحالي رقم 81 لسنة 2016م عندما نصت علي أنه يحظر علي الموظف العام أن يؤدي عملا للغير بأجر أو بدون أجر خلال مدة الإجازة بغير ترخيص من السلطة المختصة . والإ حرم من أجره عن مدة الإجازة وللوحدة أن تسترد ما أدته إليه من أجر عن هذه المدة .وذلك دون الإخلال بالمسئولية التأديبية .وإتساقا وترتيبا علي ما نص عليه المشرع .وأفرده فقد حازت أحكام القضاء الإداري قصب السبق في التأكيد علي ما أوردناه وبيناه .فقد قضت المحكمة الإدارية العليا في حكم لها صادر بتاريخ 12/4/2018م في الطعن رقم 20873 لسنة 60 قضائية أن المشرع قد وضع حظراً علي الموظف العام بموجبه علي الموظف العام الجمع بين وظيفته الأصلية أو أي عمل آخر يؤديه بالذات أو بالوساطة إلا بعد الحصول علي إذن بذلك من الجهة المختصة .ورتبت علي مخالفة هذا الحظر الجزاء التأديبي .وفي نفس ذات المعني أيضا سنجد حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بتاريخ 24/3/2016م في الطعن رقم 47071 لسنة 56 قضائية وغيرها من الأحكام القضائية المماثلة .وفي حال قيام الموظف بمحاولة التحايل أو ممارسة الغش نحو القانون فسيكون الجزاء أشد لأنه في هذه الحالة لن تقتصر مسئوليته علي المسئولية التأديبية ولكنها ستمتد إلي المسئولية الجنائية.
يقول د. رجب الكحلاوي أستاذ ورئيس قسم القانون العام ووكيل كلية الحقوق جامعة أسيوط أن الموظف العام يتمتع بالعديد من الحقوق المالية والحقوق وغير المالية في مقابل ذلك فإن يقع علي عاتقه العديد من الواجبات منها الواجبات الإيجابية كالقيام بالعمل المنوط به بأمانة ودقة والمحافظة علي كرامة الوظيفة، وأيضا هناك العديد من الواجبات السلبية التي ينبغي علي الموظف الإمتناع عن أدائها ومن أبرزها حذر الجمع بين الوظيفه والأعمال الأخري، وقد حرصت معظم تشريعات الوظيفة العامة في مختلف الدول علي تبني هذا الحظر. وفي مصر قد حرصت تشريعات الوظيفة العامة المتعاقبة علي تبني هذا الحظر. فقانون العاملين المدنيين بالدولة السابق رقم 47 لعام 1978م حيث حظرت المادة 77 علي العامل إن يجمع بين وظيفته وبين أي عمل آخر يؤديه بالذات أو بالوسطة إذا كان من شأنه ذلك الإضرار بأداء واجبات الوظيفة أو إذا كان غير متفق مع مقتضياتها وهذا ما أكد عليه قانون الخدمة المدنية الجديد رقم 81 لسنة 2016م ولائحته التنفيذية حيث حظر على الموظف إن يجمع بين وظيفته أو أي عمل آخر يؤديه بالوسطة أو بالذات إذا كان من شأنه الإضرار بواجبات الوظيفه، كما حظر على الموظف العام إن يؤدي أعمال الغير بأجر أو مكافأة أو بدون أجر في أوقات العمل غير الرسمية إلا بإذن من السلطة المختصة.
وقد أكد الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة على حظر تعيين أي من موظفي الدولة فى أكثر من وظيفة واحدة سواء فى الحكومة أو فى المؤسسات العامة أو الشركات أو الجمعيات أو أي منشآت أخري وشدد على ضرورة تطبيق العقوبات الواردة في قانون الخدمة المدنية فى حالة مخالفة هذا الحظر.
اترك تعليق