يقصد بالزراعة الملحية تلك الزراعات التي تعتمد علي مياه البحار وقد نجحت التجربة المصرية التي قادها أبوالهندسة الوراثية الراحل د.أحمد مستجير وآنارت للعالم الطريق ونفذتها الهند ثم الصين وبعض دول الخليج إلا أنها في مصر مازالت محدودة.
وأمام ازمات الغذاء العالمية وقلة مياه الأنهار والتغيرات المناخية وغيرها. بات لزاماً زيادة الاهتمام بالزراعات الملحية نظراً لأهميتها وضرورتها بخاصة ان التجارب اثبتت قدرة العديد من المحاصيل علي النمو بكثرة اعتماداً علي المياه الملحية وقدرتها علي التكيف مع التغيرات المناخية.
"الجمهورية أون لاين" في هذا التحقيق تفتح ملف الزراعات الملحية التي لو زاد اهتمامنا بها لحققنا ثورة زراعية نحتاجها الآن وبشدة.
أكد د.حسن محمد الشاعر مدير مركز التميز المصري للزراعة الملحية أن محدودية الموارد المائية العذبة في مصر وتأثر نحو مليوني فدان في منطقة دلتا وادي النيل بالملوحة. بالإضافة إلي معظم الاراضي في البيئات الهامشية في جميع الاقاليم البيئية الزراعية بمصر 94% من مساحة مصر بالغة الحساسية للتغيرات المناخية. خاصة الجفاف وارتفاع الحرارة تفرض علينا الاتجاه الي الاستفادة بالمياة الملحية في الزراعة لتقليل تدهور الأنظمة الزراعية وتحقيق استدامة معيشة للمزارعين.
شدد "الشاعر" علي أن الزراعة الملحية الأمل في تنمية الأراضي الهامشية والاستغلال الامثل لكفاءة الموارد الطبيعية المتاحة والاستفادة من مساحات هائلة من الاراضي المتأثرة بالملوحة والمياه المالحة في زيادة الانتاجية الزراعية وايجاد فرص عمل للمواطنين وتحقيق الأمن الغذائي.
أشار إلي جهود الدولة في سياسات زراعية بديلة وغير تقليدية لتطبيق تقنيات الزراعة الملحية في انتاج الغذاء والأعلاف الملحية ومحاصيل الزيوت والحفاظ علي المياه العذبة من الاستنزاف ورفع كفاءة استخدام الأراضي الزراعية المتأثرة بالأملاح.
نوه إلي تأسيس الدولة مركز التميز المصري للزراعة الملحية للمساهمة في تحقيق خطة الدولة لاستصلاح وزراعة أربعة ملايين فدان جديدة في المناطق الصحراوية وتأهيل التربة المالحة والمياه العادمة في زراعة النباتات التي تتحمل الملوحة بدرجات متفاوتة. والتي تؤدي الي تكامل وتطويرالنظم الزراعية والصناعية والاجتماعية في تلك المناطق الصحراوية لتخفيف حدة الفقر المائي الذي تعاني منه مصر والتقليل من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية والحد من مخاطر التصحر.
تطرق إلي العمل علي زيادة الرقعة الزراعية والانتاج الزراعي لإعادة توزيع وتوطين السكان بصحراء مصر من خلال ربط سيناء بمنطقة شرق الدلتا وكذلك محافظات الوادي الجديد والواحات وجعلها امتداداً طبيعياً للوادي. مشيرا إلي تنفيذ العديد من المشروعات بالاشتراك مع المركز الدولي للزراعة الملحية بدبي ICBA وبالتعاون مع البنك الإسلامي بجدة والإيفاد IFAD والأوبك OPEC. USAID. بإدخال بعض النباتات الرعوية المتحملة للملوحة وزراعتها في الأراضي المتأثرة بالملوحة في سيناء في مناطق سهل الطينة. ورمانة وبالوظة وبئر العبد في شمال سيناء ومنطقة وادي سدر بجنوب سيناء. ومحافظات السويس والاسماعيلية وبني سويف والبحيرة والوادي الجديد وسيوة.
تطرق الي مشروع إدخال نبات السورجم والدخن العلفي لتحسين نظم الإنتاج الحيواني في الاراضي المتأثرة بالملوحة.
نوه إلي عمل المركز علي التكيف مع ظاهرة التغير المناخي من خلال مشروع نموذج إنتاج بذور المحاصيل المتحملة للملوحة والمتأقلمة للظروف المناخية الزراعية في الوادي الجديد بتمويل من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية ((USAID. والمركز الدولي للزراعة الملحية بدبي (ICBA).
لفت إلي مشروع تحسين القيمة المضافة من بعض المحاصيل الاسترتيجية المتحملة للملوحة. مثل الكينوا في الوادي الجديد بتمويل من بنك HSBC بدبي- دولة الامارات العربية المتحدة 2020.
تطرق إلي المشروع المصري- التونسي لإدخال نظم الزراعة الملحية في بعض قري شمال سيناء. بالتعاون مع معهد البيو تكنولوجيا ببرج سيدرية بتونس. بتمويل من وزارتي البحث العلمي في مصر وتونس.
أكد تنفيذ مشروع تنمية وتطوير نظم تربية وإنتاج الإبل والمجترات الصغيرة في الساحل الشمالي الغربي بمحافظة مطروح. بتمويل من المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "اكساد" 2017/ 2019.
البحث عن بدائل لمصادر مياه الري أصبح أمراً حتمياً. لتعزيز مصادر مياه الري للحاصلات الزراعية بما يحقق سداً جزئياً للفجوة بين الموارد المائية المطلوبة والمتاحة والتغلب علي الزيادة السكانية حول العالم وندرة المياه والشح المائي الذي وصلت إليه بعض البلدان بسبب موقعها في المناطق الاكثر جفافاً في العالم.. هكذا أكد د.أحمد اسماعيل الاستاذ المساعد بمركز بحوث الصحراء.
يؤكد "اسماعيل" أهمية التوجهات البحثية والتطبيقية ومحاولات استخدام مياه البحر في الزراعة. حيث يراها البعض الحل الأمثل والاقتصادي في توفير مياه للزراعة. بعدما أصبح الماء العذب مهدداً بالنضوب.. وللتغلب علي هذا الخطر الذي يهدد الزراعة حول العالم. وربما وجد العالم نفسه أمام حل بديل جزئياً وهو محاولة توظيف مياه البحر في الزراعة سواء بمعدلات الملوحة المرتفعة أو بعد خضوعها للتحلية.
لفت إلي أن التطور العلمي في دراسة العلاقات بين الأنواع النباتية ومعدلات الملوحة التي يتحملها كل نوع نبات ساعد في نجاح استخدام مياه ذات معدلات ملوحة عالية في ري الانواع النباتية المتحملة لهذه الملوحة. ما فتح المجال لإقامة مشروعات تطبيقية للتوسع في استزراع هذه النباتات علي نطاق واسع. خاصة بعض الأنواع من النباتات الملحية.
أشار إلي أن الزراعة بمياه البحر ليست سهلة أو اقتصادية إذا ما قورنت باستخدام المياه العذبة. ولكن حال عدم توفر مصدر المياه الكافي للزراعة يدفعنا للزراعة المالحة.
أكد أن التجارب أثبتت قابلية محاصيل للنمو في مياه البحر كما تحقق جدوي اقتصادية. شريطة الاختيار الدقيق لهذه المحاصيل. مشيرا إلي نجاح هولندا والصين والهند في الزراعة بمياه البحر. مع إجراء التحسينات الوراثية للعديد من المحاصيل للوصول إلي تراكيب وراثية تتحمل معدلات ملوحة مرتفعة نسبياً ومنها البطاطس والبصل والكرنب والبروكلي والارز والقمح. كما أن هناك أنواعاً مصنفة بيئياً انها "ملحية" وهي التي تنمو في المناطق التي تعاني ارتفاع معدلات الملوحة في التربة والمياه. وهذه النباتات منها الأتربلكس Atriplex والساليكورنيا Salicornia bigelovii. ولكن اثبتت الدراسات أنه حتي هذه الانواع النباتية عندما تروي بماء البحر تنخفض انتاجيتها عن التي زُرعت في أراضي ملحية.
تطرق إلي أن زراعة النباتات الملحية واقامة مشروعات للتوسع في زراعتها اعتماداً علي مياه البحر يتطلب اتخاذ العديد من المحاذير المتعلقة بعدم انخفاض معدلات الرطوبة في هذه الاراضي. لأنه بانخفاض الرطوبة تتراكم الاملاح حول المجموع الجذري للنباتات وتصبح الخطورة مضاعفة. بتملح هذه الاراضي وتراكم الأملاح في مكوناتها وعدم صلاحية زراعتها بالمحاصيل والنباتات غير الملحية.
الزراعة الملحية ليست مياهاً فقط.. هي أيضا سلالات مقاومة للملوحة.. وهو ما أكده د.سعيد سليمان أستاذ التحسين الوراثي للطفرات المستحدثة بكلية الزراعة بجامعة الزقازيق ورئيس مشروع التربية لتحمل جفاف الارز.. مشيرا إلي أن كلية الزراعة جامعة الزقازيق استنبطت أربع سلالات حديثة من الارز مقاومة للتملح حتي 9 آلاف جزء في المليون بمسمي عرابي 1. 2. 3. 4. وحصلت الجامعة علي براءة اختراع بها من وزارة الزراعة.
أضاف أن الارز الجاف يستهلك نصف كمية المياه التي يحتاجها الأرز التقليدي. بحد أقصي 3500 متر مكعب من المياه. بينما الارز المعتمد علي الري يصل إلي 7 آلاف متر مكعب للفدان. بخلاف ارتفاع الانتاجية التي تصل الي 4 أطنان للفدان. ما دعا محافظ الوادي الجديد إلي حظر زراعات الأرز التي تعتمد علي الري بالغمر. والسماح بزراعة الأرز الجاف حفاظاً علي المخزون الجوفي.
أكد نجاح تجربة الجامعة بزراعة السلالة المقامة للملوحة بساحل ترعة السلام بانتاجية 3 أطنان مقابل 2 طن للتقاوي القديمة "جيزة 178". كذلك قرية الايمان في بورسعيد وهي أرض ملحية تمت زراعة 13 فداناً من صنف "عرابي 3" أنتجت 4 أطنان للفدان.
أشار "سليمان" إلي أهمية الارز للحفاظ علي الارض من التملح. حيث يغسل التربة ويخفف من تراكم الأملاح بها. في ظل ارتفاع نسبة الأراضي المالحة خلال الآونة الأخيرة لـ 47%.
تطرق إلي تجربة الجامعة في استنباط سلالات من القمح مقاومة تصل تحمل الملوحة حتي 10 آلاف جزء في المليون وهي "عرابي 52 و56 و73 و1881" وصلت انتاجية الفدان إلي 20 أردباً ويزرع في أرض الصحراء. مشيرا إلي ان "عرابي 52" عمره 125 يوماً يُزرع علي المطر فقط وأنتج 10 أردب للفدان دون ري نهائي.
لفت إلي وجود وسائل لتقليل الملوحة لعدم التأثير علي الزرع من خلال أجهزة تفتيت الملح فترة الري. مشيرا إلي أن استباط أصنافاً مقاومة للملوحة هي الاصل وصلت 10 آلاف ومنتظر ان تصل إلي 15 ألف جزء.
قال إن أوروبا في الستينيات من القرن الماضي كانت مستوردة للقمح. لكنها استنبطت أصناف مقاومة للأملاح بزراعة الخلايا تتحمل أكثر من 15 ألف جزء وهو ما سمح لها بالزراعة بالمناطق المتأثرة بمياه البحار والاكتفاء الذاتي.
أشار إلي أن التغيرات المناخية ستجبر العالم علي التأقلم علي الزراعات الملحية. مشيرا إلي التنبوء بموجات جفاف وتصحر في الشرق الاوسط وافريقيا وهو ما بدأت فيه مصر والسعودية والامارات في تنفيذه.
أكد أن نمو بعض النباتات علي شواطيء البحار دلالة علي امكانية الزراعة بالمياه المالحة. بإدخال جيناتها علي الزراعات المصرية.
من أكبر المشاكل التي تواجه الزراعة المصرية عدم كفاية المياه العذبة لما نطمح له من عمليات استصلاح اراضي.. بينما المياه المالحة متوفرة بشكل كبير. حيث نطل علي البحرين الاحمر والابيض. بخلاف المياه الجوفية التي ترتفع بها نسبة الملوحة المسموح بها في الزراعات.. هذا ما أكده حسين أبوصدام نقيب الفلاحين.
أشار إلي أن مساحة الارضي المصرية 237 مليون فدان. نزرع منها 10 ملايين فدان بما يعادل 4% من نسبة الاراضي. بينما 40% بما يعادل 100 مليون فدان صالحة للزراعة بأصناف متحملة للملوحة. بينما الباقي أرض صخرية ممكن زراعتها ايضا من خلال التقنيات الحديثة.
نوه إلي أن استباط أصناف جديدة لن يمكننا من زراعة الارض الجديدة فحسب سيرفع ايضا من انتاجية الاراضي القديمة. مشيرا إلي ضرورة الاهتمام بمراكز الابحاث للوصول إلي أعلي نسبة من تحمل الملوحة للاستفادة بالاراضي الصحراوية.
لفت إلي أن تكلفة تحلية ومعالجة مياه الصرف كبيرة جدا إذا قورنت بالاستفادة من التقنيات والتكنولوجيا الحديثة في تطوير وتحديث المنظومة المائية في مصر وتعظيم العائد من وحدة المياه. مشيراً إلي أن مياه البحار تنمو فيها آلاف الأنواع من النباتات.
أكد أن التغيرات المناخية سيكون لها أثر كبير علي قطاع الزراعة. تتمثل في قلة المياه العذبة والجفاف والتصحر وتملح الاراضي. ولا مفر من التكيف مع التغيرات المناخية. باستنباط سلالات تقاوي حديثة ومعالجة جزئية.
استصلاح الاراضي الصحراوية المرتفعة الملوحة والبور وشبه القاحلة التي لا تصلح للزراعة التقليدية. حيث يمكن من خلال تطبيق تقنيات الزراعة الملحية استخدام هذه المياه في زراعة بعض أنواع المحاصيل الملحية المناسبة وزيادة الإنتاج الزراعي. ما يساعد في تحقيق الأمن الغذائي.
استغلال شواطيء البحار في زراعة الاعلاف والنباتات الأخري التي يمكن استخدامها في إنتاج الطاقة والوقود الحيوي أو استخلاص المواد الصيدلانية أو الزيوت وكذلك الزراعة بالبحار ذاتها.
الحفاظ علي الامن المائي والحد من الهجرات والنزاعات الناتجة عن عدم توافر المياه وتبوير وجفاف الاراضي من خلال تخفف الزراعة الملحية الضغط علي المياه العذبة الصالحة للشرب والزراعة. فالأنشطة الزراعية التقليدية تستهلك المياه العذية بنسبة 70%.
الزراعة الملحية تسهم في التخفيف من آثار مشكلة الاحتباس الحراري المؤدية إلي التغير المناخي. وهذا من واقع دورها في زيادة الرقعة الزراعية والمناطق النباتية الخضراء التي تعمل علي امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو.
لا تقتصر علي تحسين قدرة النباتات علي تحمل بيئة ملحية قاسية. أو الري بمياه عالية الملوحة تمتد الي تحسين كفاءة النبات مثل نسبة تركيز السكر في الفاكهة. وتحقيق الكفاءة الإنتاجية لبعض المحاصيل. تحسين نوعية وخصائص بعض المحاصيل.
تسهم الزراعة الملحية في زيادة الرقعة الزراعية والمناطق النباتية الخضراء التي تعمل علي امتصاص ثاني أكسيد الكربون الزائد من الجو. وتقليل نسبة التلوث الجوي.
رغم نجاح الزراعة الملحية بداية من توافر الاراضي الصالحة للزراعة المالحة التي تصل نسبتها إلي 43% من إجمالي سطح الأرض. ناهيك عن توافر المياه المالحة وانتشارها في كل أنحاء المعمورة. كون التقنيات المتخصصة ونتائج البحث والتجريب في تطور وتحسن باستمرار. تواجهها بعض التحديات. منها:
نجح عالم صيني يدعي يوان لونغ بينغ في تطوير سلالة جديدة عالية الإنتاج من الأرز تنمو في المياه المالحة حققت 3774 كيلو جراماً من الأرز للفدان.
الهند طورت تجربة د.أحمد مستجير عام 2004. ونجحت في تحقيق اكتفاء ذاتي في ري القمح بمياه البحر لشعبها الذي يصل تعداده إلي 1.5 مليار نسمة. وأصبحت تصدر أيضا.
اترك تعليق