د. خالد النجار أستاذ علم النفس ورئيس قسم العلوم النفسية كلية الـتربية للطفـولة المبكرة جامعة القاهـرة وعضو اللجنة العلمية الدائمة للترقيات بالمجلس الأعلي للجامعات من العلماء المهتمين بشئون ذوي الإعاقة حيث قام بإعداد التقرير السنوي الأول عن الإعاقة في الوطن العربي عام 2003 وإعداد وثيقة معايير العمل مع ذوي الإعاقة بالمملكة العربية السعودية عام 2013 وله العديد من المؤلفات والبحوث في مختلف فروع علم النفس.
صدر للدكتور خالد النجار كتاب "نظرية التدافع.. نحو نظرية لفهم وتفسير السلوك الإنساني" يتناول اثني عشر فصلا أشار الكاتب في الفصل الأول إلي أن سنة التدافع تعتبر أحد السنن الكونية فالله تعالي فطر الأشياء والنفوس والمجتمعات والمجالات علي طبائع عدة وبث في الكون سننا ونواميس تحكم كل ما فيه وتحدد اتجاهاته وعلاقاته وردود أفعاله.. فالكون قائم علي مبدأ الزوجية "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون".. وهذه الزوجية دليل علي وحدانية الخالق فإنها مصدر أيضا للمدافعة لأن الزوجية تقوم علي المغايرة والاختلاف.. مؤكدا أن الوجود الإنساني هو وجود جدلي يمتزج فيه الفعلي بالممكن. والإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يعيش عالمين» عالم الأشياء وعالم الأفكار. وأنه يتحرك حركة بندولية دائمة وعبر مراحل النمو النفسي يتطور النشاط العقلي البدائي ليصبح خيالاً مفكرًا يسعي الإنسان إلي تحقيقه وتنفيذه علي أرض الواقع. ويلتحم النشاط العقلي الإبداعي بالنشاط العملي الإنتاجي.
يقول د. النجار في الفصل الثاني إننا عشنا عقودا نشبه الظل. نسير خلف أناس جعلوا منا ظلا لهم. لم يكن لنا الحق في التفكير أو التأمل أو اتخاذ قرار مهما بلغت درجة أهميته وخصوصيته. فكم من المرات قرأت في سورة البقرة الآية 251 قوله تعالي "ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل علي العالمين"... نعم هنا كانت البداية لحالة من التأمل في هذه الآية الكريمة والتي تبدأ بـ "لولا دفع الله... لفسدت الأرض" وكأن هذا الدفع مشروط بحماية الأرض من الفساد وحفظه الدائم لها. أي أن هذا الدفع للناس هو الحامي للأرض من الفساد ومن ثم فإن التدافع بين الناس يجسد أسمي معاني الإيجابية التي تسعي لحفظ الأرض وحمايتها من الفساد والمفسدين. كذلك أن التدافع ليس هو الصورة الذهنية لمشهد تدافع الحجيج أثناء أداء فريضة الحج. فتتزاحم الناس فيما بينها ويسقط من يسقط ويصاب من يصاب ويموت من يموت فيصبح التدافع مشهدا مأساويا في أذهان الناس في حين صورة الله عز وجل باعتباره سنة كونية تحفظ وتصون الأرض من الفساد.
وكانت رحلة البداية بالبحث عن المعني اللغوي للتدافع وإعلان عن حالة من التأمل القصوي لمعاني هذه الكلمة في القرآن الكريم وكتب تفسيره والتي وردت عشر مرات فقط لم يستخدم فيها المصدر دفع غير مرتين فقط والباقي مترادفات مشتقة من المصدر منها قوله تعالي: "ولولا دفغ الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل علي العالمين" وقوله سبحانه "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزير".
إن كلمة دفع لم ترد في النص القرأني سوي مرتين فقط. الأول أتي بعمومية اللفظ والمعني كشرط لحماية الأرض وعدم فسادها. منذ أن خلق الله الأرض وما عليها وحتي يوم الساعة. أما المعني الثاني فجاء مشروطا بأنه لولا دفع الله الناس لهدمت المعابد والكنائس والمساجد التي يذكر فيها اسم الله. وفي ذلك تصور مماثل لفساد أشد لحال الأرض والناس بعد أن هدمت الأديان.
وحول خصائص التدافع يقول د. النجار إنه يتسم بخصائص ثلاث: الكلية. والتحولات. والتنظيم الذاتي.. والمقصود بالكلية هو أن التدافع نسق ولا ترتد قوانين تركيب هدا النسق إلي ارتباطات تراكمية. بل هي تضفي علي الكل من حيث هو العلاقات القائمة بين العناصر.. بينما المقصود بالسمة الثانية وهي التحولات هو أن المجاميع الكلية تنطوي علي ديناميكية ذاتية. تتألف من سلسلة من التغيرات الداخلية التي تحدث داخل النسق أو المنظومة. دون التوقف علي أية عوامل خارجية.. أما السمة الثالثة - ألا وهي التنظيم الذاتي - فهو أن في وسع "البنيات التدافعية "تنظيم نفسها بنفسها. مما يحفظ لها وحدتها. ويكفل لها المحافظة علي بقائها. ويحقق لها ضريا من الانغلاق الذاتي.
تمايز مفهوم التدافع وتطبيقاته
من هذا المنطلق يقدم الباحث رؤيته في محاولة تنظيرية للتدافع في محاولة فهم وتفسير السلوك الانساني ويقدم المحددات التي تحكمه وكذلك تمايزه واختلافه عن العديد من المفاهيم مثل التفاعل الاجتماعي والصراع والتنافس والدافعية. كما حاول الباحث تقديم رؤية عن علاقة التدافع ببعض فروع علم النفس المختلفة وكذلك نظريات علم النفس وتقديم أمثلة عديدة لأشكال التدافع مثل الدافع السياسي والتدافع الاقتصادي والتدافع التعليمي والمهني والتدافع التكنولوجي. وقدم الباحث عرضا تفصيليا لمفهوم التدافع في ضوء نظريات علم النفس وتطبيقاته في العديد من فروع العلوم المختلفة وأخيرا قدم الباحث رؤية عن التدافع الإيجابي والتدافع السلبي الذي يفسر قطاعات كبيرة من السلوك الإنساني وانتهي العرض بتقديم مفهوم اضطرابات التدافع حيث تم تفسير الأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية وكذلك الإعاقات المختلفة باعتبارها أشكالا لاضطرابات التدافع.
اترك تعليق