هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

الذكاء الاصطناعي أداة مباحة.. بشرط ألا تنسب أبحاثه لنفسك!!

أجمع فقهاء العصر على أن استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة في جمع المعلومات وترتيبها وصياغتها جائز إذا بقي الباحث هو المساهم الأكبر والمتحكم النهائي. أما إذا استبدل عقله بالآلة تمامًا، ثم وقّع باسمه على محتوى أنتجه الـ AI كاملاً دون جهد علمي حقيقي، فقد وقع في الغش والكذب والتدليس الذي لا يجوز في بيع ولا في علم.


 

 

وأوضحت دار الافتاء أنه من المقرر شرعًا أَنَّ الأصل في المنافع الإذن وفي المضار المنع، إِلَّا ما دل دليل خاص على خلافهما، وهذا الأصل يُستدل به في المسائل التي استجدت بعد ورود الشرع ولم يرد فيها نص؛ لقول الله تعالي: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام: 145].

وعن أبي ثعلبة الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» أخرجه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير".

فالأصل في استخدام أي تقنية جديدة ومنها الذكاء الاصطناعي هو الإباحة، ما لم يغلب ضررها على نفعها، ويُنظر إليه على أنه أداة تابعة في الحكم للغاية منها، فمتى كان وسيلة لأمر مشروع كان استخدامه مشروعًا، ومتى كان وسيلة لأمرٍ منهيٍّ عنه كان استخدامه محرمًا، فللوسائل أحكام مقاصدها، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: 9].

وقال سلطان العلماء العز ابن عبد السلام في "الفوائد في اختصار المقاصد" (ص: 43، ط. دار الفكر): [وللوسائل أحكام المقاصد من الندب والإيجاب والتحريم والكراهة والإباحة] اهـ.

استخدامُ الذكاء الاصطناعي كوسيلة في إنشاء المحتوى العلمي يأخذ أحد صورتين:

الأولى: أن يستخدم كمعاون في البحث وجمع المادة العلمية، مع قيام المنشئ بعد ذلك بالتأكد من المعلومات، وإعادة صياغتها، ونسبتها لمصادرها، فاستخدامه هنا مباح، حيث لا يعدو دوره في هذه الحال إلا الجهد الشكلي.

الثانية: يكون فيها دور المنشئ دورًا ثانويًّا، والذي يقوم بكامل العملية من بدء البحث حتى استخلاص النتائج هو الذكاء الاصطناعي مع نسبة المحتوى لنفسه، فإن استعمال الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة حرامًا، وذلك للآتي:

1-- تعمد نسبة نتائج الذكاء الاصطناعي إلى النفس فيه غش وتدليس وكذب، حيث يقدم المحتوى العلمي وكأنه نتاج عقلي له، وإبداع ذهني من خلجاته كاذبًا، فَيُلَبِّسُ على الآخرين، ويغشهم، وكل ذلك حرام شرعًا، فقد قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» أخرجه الإمام مسلم.

2-- نسبةُ المحتوى العلمي الجاهز الذي أنتجه الذكاء الاصطناعي إلى النفس يُعدُّ تشبهًا بالمُتَشَبِّع بالعلم، حيث يدعي فيه الفرد ادعاءً كاذبًا بالفضل العلمي الذي قد يؤهله لصفة ودرجة علمية وعملية لا يستحقها، ويُعتبر عالمًا أو باحثًا موثوقًا فيه، فيتحدث في العلم وهو ليس أهلًا له، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك السلوك، فقال: «من ادَّعَى ما ليْسَ له فليس منَّا ولْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النَّارِ» رواه الإمام مسلم.

وعن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» متفق عليه.

وقد حَذَّرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: «إذا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعة»، قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» رواه الإمام البخاري.

3-- تعطل الذهن البشري للعلماء والباحثين، وبالتالي تعطيل العلوم، حيث يهدف إنشاء المحتوى العلمي بشكل أساسي إلى دفع الباحث لسلوك منهجية البحث العلمي القائمة على جمع المعلومات من مصادرها الأصلية، وتوثيقها ونسبتها لأصحابها، ومن ثَمَّ صياغتها وترتيبها، والعمل على تطبيق نتائجها في الواقع المعيش بتقديم توصيات تنبع من إدراك الباحث العميق للنتائج البحثية.

4-- السرقة العلمية والاعتداء على الحقوق المادية والمعنوية المحفوظة للغير، حيث تعتمد بعض نماذج الذكاء الاصطناعي -وخاصة المدعمة- أصالة على المحتوى المُسطَّر والمنشور للغير، مما يثير إشكاليات شرعية وقانونية وأخلاقية مرتبطة بملكية البيانات الضخمة التي يتم التدريب عليها. وحقوق الغير مصونة شرعًا، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها، سواء كانت حقوقًا مادية، أم حقوقًا أدبية، كحقوق التأليف والاختراع أو الابتكار.

5-- المعلومات الخاطئة، إن كان غالب الأمر أن يقدم الذكاء الاصطناعي إجابات ونتائج صحيحة، فإن ذلك لا ينفي عنها الخطأ، فإذا قام الباحث بنقلها دون القيام بواجبه العلمي من التأكد من صحة هذه المعلومات فإن ذلك قد يحدث خلطًا وغلطًا بين العامة، واضطرابًا في الأوساط العلمية، خاصة متى كان المنشئ ذا مكانة علمية معتبرة.

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الذكاء الاصطناعي وسيلة مباحة لإنشاء المحتوى العلمي، متى كان مجرد أداة مساعدة في البحث وجمع المعلومات، على أن يكون المنشئ متقنًا لهذه المرحلة في البحث العلمي ومتمكنًا منها بحيث يمكنه أداؤها من دون الذكاء الاصطناعي، شريطة أن يظل المنشئ هو المساهم الأكبر فيه، بأن يتأكد من صحة المعلومات، وينسبها لأصحابها، ويتولى ترتيبه وتنسيقه. أما إذا استخدم المنشئ الذكاء الاصطناعي في إنشاء المحتوى كاملًا، ثم نَسَبَ المحتوى لنفسه من غير أن يكون قد بذل فيه ما يجب بذله من البحث والتأمل والدراسة والاعتناء؛ فهذا حرام، ففيه الغش والتدليس والكذب، والتشبع بما لم يُعْطَ، وتعطيل الذهن البشري، مع ما ينطوي عليه من مخاطر السرقة العلمية، والمعلومات الخاطئة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق